يامن صابورلطالما كان للإعلام دور بارز في رسم الصورة الجيوسياسية للعالم. ومع اتساع رقعة الأزمات الراهنة، يتعاظم دور الإعلام كسلاح أساسي في ميادين الصراع على المصالح الكبرى. ومن بوابة التنافس على النفوذ الاستراتيجي، يبدو أنّ روسيا قرّرت توسيع مواجهتها للهيمنة الإعلامية الأميركية، من خلال إطلاق وكالة أنباء جديدة تدعى &laqascii117o;سبوتنك". تمّ الإعلان عن إطلاق الوكالة في 10 تشرين الثاني الحالي، بهدف &laqascii117o;مواجهة النظرة الأحادية التي تفرضها الولايات المتحدة على العالم أجمع".
لا يغيب عن الذهن هنا أنّ استخدام اسم &laqascii117o;سبوتنك" لا يخلو من تلميح موجّه إلى فترة الحرب الباردة بين قطبي العالم آنذاك الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، وتحديداً صراعهما على غزو الفضاء. في تلك الفترة، أطلق الروس القمر الاصطناعي &laqascii117o;سبوتنك"، وكان أوّل قمر اصطناعي يصل إلى مدار الأرض بنجاح في العام 1957. وتوالت نجاحات &laqascii117o;سبوتنك" بسلسلة من الأقمار الصناعية العسكرية، مؤدية ما يعرف بمصطلح &laqascii117o;أزمة سبوتنك" التي تسببت بموجة من الهلع وانعدام الثقة في الولايات المتحدة. في ظلّ الحرب الباردة المستجدة والناعمة، دشن ديمتري كيسيليف، مدير وكالة الأنباء الروسية القوي والمقرب من الرئيس بوتين، وكالة الأنباء الجديدة أمام حشد من الإعلاميين والديبلوماسيين في موسكو أمس الأوّل، في مركز إعلامي كانت تعقد فيه المؤتمرات الصحافية خلال الحرب البادرة. وأعلن أنّ روسيا تقف ضدّ البروباغندا العدوانية التي يتمّ حشو العالم بها، ولهذا تطلق وكالة &laqascii117o;سبوتنك"، بهدف تقديم تصوّر بديل للعالم عن ذلك الذي يفرضه الغرب على الدوام، مؤكداً: &laqascii117o;سنقدم تفسيراً بديلاً للعالم. هناك حاجة إلى ذلك".
يرأس ديمتري كيسيليوف وكالة &laqascii117o;روسيا سيجودنيا" الإعلامية التي أطلقها بوتين العام الماضي لتحسين صورة بلاده في الخارج، ومعروف بقربه من الرئيس الروسي. وقال خلال إطلاق الوكالة الجديدة: &laqascii117o;نحن ضد الدعاية العدائية التي يقتات عليها العالم". ونقلت &laqascii117o;ذا تلغراف" عنه قوله إنّ روسيا &laqascii117o;تعمل على تقديم نموذج للعالم قائم على احترام الإنسانية جمعاء (...) إذ إنّها تؤمن بعالم متنوّع ومتعدّد ثقافياً... عالم تكون اليابان فيه يابانية، وتركيا تكون تركية، والصين تكون صينية، وروسيا تكون روسية؛ فنحن لا نريد من الأمم الأخـرى أن تتبنى أسلوب الحياة الروسي، بل إنّنا نعتقد أنّ الكل مستحق ليعيش وفقاً لطريقته الخاصة"، ضارباً بهذا الصورة الرائجة لأسلوب الحياة الأميركي الذي تم تنميطه طويلاً في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وعبر وسائل التواصل الاجتماعي على أنه الأسلوب المعولم الأفضل للحياة.
ستعمل &laqascii117o;سبوتنك" على تشغيل شبكة من مراكز إخبارية في ثلاثين عاصمة ومدينة، عبر طاقم من الإعلاميين يتجاوز عددهم الألف شخص، وينتشرون في لندن وباريس وواشنطن وبرلين وبكين وكييف وأماكن أخرى، ويؤمنون رسائل وبرقيات إخبارية على مدار الساعة باستخدام اللغات المحلية. وتأمل &laqascii117o;سبوتنك" في نهاية العام 2015 بتغطية الأخبار وبثها باستخدام ثلاثين لغة. تعد كييــف هامة جداً لروسيا في مهمتها لتحسين صورتها التي عملت أجهــزة الإعلام الغربية على تشويهها بشكل مستمر منذ بدء الأزمــة الأوكرانية، وهي مهمة كانت تضطلع بها قـناة &laqascii117o;روســيا اليوم" باللغة الإنكليزية.
كما ستقدِّم &laqascii117o;سبوتنك" موقعاً إلكترونياً يوفِّر الأخبار والمقالات باستخدام عدة لغات عالمية. وفي يومه الأول نشر موقع &laqascii117o;سبوتنك" بنسخته الموجّهة للولايات المتحدة، مقالات افتتاحية تهاجم أجهزة الإعلام الغربية في تعاملها مع مواضيع الإرهاب، والضربات الجوية لـ&laqascii117o;داعش"، ومشاكل الأكراد، وعرض قائمة تحمل الكثير من الكوميديا السوداء لأمثلة من حول العالم كالقرم واسكتلندا وكاتالونيا تظهر كيف كان العام 2014 &laqascii117o;عام الانفصال"، وأجرى مقابلة مع المخرج السينمائي أوليفر ستون حول خططه لفيلمه المرتقب عن إدوارد سنودن.
وبهــذا تأتي &laqascii117o;سبوتــنك" ضمن سلسلة من الإجراءات التي قام بها فلاديمــير بوتيــن، بحسب &laqascii117o;النيويــورك تايمز،" من أجل تحسين تنافســية الأداء الإعلامي لروسيا في ظل الهيمنة الأميركية في هذا المجال.
&laqascii117o;سي أن أن" تقاطعتزامناً مع إطلاق &laqascii117o;سبوتنك"، أعلنت &laqascii117o;سي أن أن" عزمها على وقف بثّها في روسيا بعد &laqascii117o;تغييرات حصلت مؤخراً على التشريع الروسي حول وسائل الإعلام". وينصّ القانون الجديد الذي صدر في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، على تحديد الحصّة الأجنبيّة في القنوات التي تبثّ داخل روسيا، بعشرين في المئة فقط، بدءاً من العام 2016.
وأعلنت الشركة المشغلة للشبكة &laqascii117o;تورنر انترناشونال" القرار أمس، من دون تحديد جدول زمني لوقف البثّ نهائيا، لكنّ وسائل إعلام رجّحت أن يتمّ ذلك مع نهاية العالم الحالي. ولفت البيان إلى أنّ مكتب &laqascii117o;سي أن أن" في موسكو لن يتأثّر بذلك القرار، إذ سيبقى للشبكة مراسلوها في العاصمة الروسيّة.
وبحسب &laqascii117o;فايننشل تايمز"، فإنّ مشروع &laqascii117o;سبوتنك" يعدّ منافسة جديّة للقنوات الإخباريّة الأجنبيّة، خصوصاً &laqascii117o;سي أن أن"، و&laqascii117o;بي بي سي"، و&laqascii117o;الجزيرة".
المصدر: صحيفة السفير