كثُر أخيراً استخدام آليات متطوّرة للغش في الامتحانات، يتعلّق أكثرها بتقنيّات التواصل عن بُعد والهواتف الرقميّة، والساعات الذكيّة، وأدوات الـ &laqascii117o;بلوتوث". وصار الأمر أشبه بكابوس تعاني منه المؤسّسات التربويّة كافة. ويقود الأمر إلى طرح سؤال عن وجود روادع كافية لمحاربة تلك الآفة الحديثة، مع الإشارة إلى استمرار الوسائل التقليديّة في الغش أيضاً! وتتميّز أدوات الغش الحديثة بأنها تعتمد على تكنولوجيا فائقة التطوّر، مع أدوات صغيرة جداً لا تسهل رؤيتها. يضاف إلى ذلك وجود مواقع شبكيّة تعطي دروساً في الغش وطُرُق الخداع.
ولعل الهاتف الذكي هو الأداة المفضّلة للغش، بفضل إمكاناته الكبيرة التي تبدأ برسائل الـ &laqascii117o;أس أم إس" ولا تنتهي بتبادل صفحات كاملة بعد تصويرها وبثّها بالمئات عبر الـ &laqascii117o;واتس آب" وغيرها من شبكات التواصل الاجتماعي. كما يستطيع الهاتف الذكي خوض عمليات البحث عن المعلومات على الانترنت بصورة مباشرة. وبلغ الأمر حدّ أن دولاً كفرنسا واليابان عمدت إلى تجهيز مراكز للامتحانات بأجهزة للكشف عن الهواتف المحموله.
كذلك صارت السماعات اللاصقة في الأذن صغيرة إلى حدّ أنها لا تكون مرئيّة، كما ظهر قلم رقمي من المستطاع تسجيل صفحات كثيرة على ذاكرته الرقميّة.
ودخلت الساعات الذكيّة على خط الغش، خصوصاً أنها تملك الكثير من إمكانات الخليوي (تبادل النصوص والصور وأشرطة الفيديو، والتواصل عبر الـ &laqascii117o;بلوتوث")، وهي أصغر حجماً وأقل إثارة للريبة.
في المقابل، ربما لا تكون الرقابة التقنيّة لتلك الأدوات هي الحل المنشود لمعضلة الغش. إذ يفترض أن نغيّر في أساليب الامتحانات والاختبارات، ونتّجه نحو الاختبارات الشفهيّة المباشرة، وتبني أسلوب تحديد الوثائق المسموح بها في قاعة الامتحان وغيرها. ولعل الأهم هو التربية على سلوكيات الامتحان وأخلاقيّاته، لئلا تصل الأمور إلى التأثير في مستقبل الطالب، بل في مجمل حياته لاحقاً. ويفترض أن يجرى تدريب الطلبة على سُبُل السعي إلى المعرفة، بدل التركيز على نيل الشهادات الذي يؤشّر إلى آفة اجتماعيّة قوامها إعطاء الأهميّة للشكليّات على حساب القيم والمضمون المعرفي. ولا تمسّ الظاهرة المجتمعات العربيّة، بل تمثّل ظاهرة عالميّة.
آفة فكريّة
يشكّل الانتحال مشكلة للباحث تؤدي إلى عواقب عدّة، بل تتجذّر في كفاءته وخبرته بطريقة تثير الشكوك فيه كباحث. ويطاول الشكّ أصالة بحوثه، ومدى تمسّكه بأخلاقيّات البحثي، وكيفية احترامه المستوى العلمي في عمليّة تحقيق البحث، بل ربما وصل الأمر إلى عدم الاعتراف بالباحث من جانب المجتمع العلمي.
ويطرح الانتحال إشكاليّة ضخمة من الناحية التربويّة أيضاً. إذ يعمل على تغييب الممارسات الجيّدة، والتعوّد على المساءلة والمحاسبة. ولعل أسوأ نتائج الانتحال هو إدخال الوهن على تفكير المنتحِل، إضافة إلى تغييبه عن الإبداع.
وتعتبر ممارسة الانتحال في مجالي الأكاديميا والنشر من أسباب هشاشة النظام التربوي لجهة احترام أخلاقيّات العمل الفكري، إضافة إلى فقدان الصدقيّة في ما يصدر عنه من شهادات.
ويهدّد الانتحال بأن تصبح الشهادات للزينة ولإعطاء حاملها نوعاً من السلطة الاجتماعيّة أو الفكريّة أو الفنيّة، وتكون مجرد بطاقة عبور إلى بعض المؤسّسات بهدف تسلّق سلّم المناصب العليا من دون تعب، ما ينشر الخداع والخيانة في المجتمع كله.
الأخلاق حل ولكن...
ربما عمد بعض الماكرين من المنتحلين إلى حيل معيّنة، كأن يختار &laqascii117o;ضحاياه" من بين الكُتّاب القدامى والموتى، بدل المعاصرين والأحياء. كذلك يجرى اللجوء إلى انتحال المطبوع بدل الرقمي، لأن الرقمي غدا قابلاً للانكشاف عبر أساليب البحث المؤتمة. فماذا يضير الباحث لو أنه ذكر المصادر؟ يبدو الأمر مرتبطاً بثقافة المُلكيّة الفكريّة، والتمسك بالعمل والتأهيل والتدريب.
المفارقة أن عدداً كبيراً من الطلبة يسلّمون بحقيقة لجوئهم الى الانتحال، لكنّهم يدّعون أنهم ضحايا للتقنيّات، بمعنى أن &laqascii117o;المجاني" يسدل غشاوة على الكلام.
الأرجح أن لا حلول بسيطة لمشكلة الانتحال. إذ يفترض اعتماد قواعد أخلاقيّة في البحث العلمي، مع التشديد تربويّاً على النظر إلى الانتحال كعملية سرقة وخداع للأفراد والمؤسسات.
ويجب ألا يقتصر الأمر على شرح القواعد، بل يتوجب إعادة النظر في طرائق التعليم، والحدّ من المعارف &laqascii117o;المحشوة" والملقنّة تلقيناً.
واستطراداً، يفترض ابتكار أساليب جديدة في التقويم تعتمد على التفكير النقدي، والأسئلة الشفوية المباشرة، واختبار القدرة على التوليف وغيرها. وتتآزر تلك الأمور أيضاً مع عملية محو &laqascii117o;الأميّة المعلوماتية". إذ يفترض تدريب الطلاب والأساتذة على استخدام أدوات المعلوماتيّة المتطوّرة في الوصول إلى المعلومات والمصادر.
هناك سؤال محيّر: هل يشير الانتحال إلى معاناة الطلاب المعاصرين ضياعاً بسبب الوفرة في المعلومات؟ هل تؤدي سهولة الوصول إلى المعلومات دوراً في صعوبة قراءتها واكتساب المعرفة منها؟ اذا كانت المعلومات كنزاً فكيف تجرى إدارته؟ ماذا نقرأ؟ كيف نكتسب معرفة مما نقرأه؟ الأرجح أن الأسئلة كثيرة وتحتاج الى نقاشات اخرى.
المصدر: صحيفة الحياة