قضايا وآراء » قناة سما تحارب الوهم

نور أبو فرّاج
تاريخياً، شكّل رصد الإعلام إحدى المهام الملقاة على عاتق الإعلام السوري، خصوصاً لناحية رصد الإذاعات أو الصحف الإسرائيلية. وعلى ضوء مستجدات الأزمة، اتجهت أنظار قناة &laqascii117o;سما" الإخبارية الخاصة نحو رصد الإعلام الأميركي، باعتباره العدوّ الأوّل. تخصّص القناة لذلك ثلاثة برامج أوّلها &laqascii117o;برنامج التضليل الإعلامي" الذي يرصد أجهزة الإعلام العربية والغربية ليبين للمشاهد في النهاية أنّ &laqascii117o;الإعلام ليس أكثر من أداة تخدم أولئك الذين يريدون سَوْق البشرية نحو الوهم". هناك أيضاً برنامج &laqascii117o;عبر الشبكة" الذي يرصد المستجدات على مواقع الانترنت، وصولاً إلى برنامج &laqascii117o;وحش البحيرة" الذي يتضمن سلسلة أشرطة قصيرة، تثبت في نظر معدّيها أن أزمات العالم تصاغ بواسطة قوى تعتمد بشكل رئيس على صناعة الوهم... أيضاً.
تحمل معظم تقارير &laqascii117o;برنامج التضليل الإعلامي" التي لا تتجاوز مدّتها الخمس دقائق، توقيع الإعلامي سالم الشيخ بكري الذي يعدّها ويرفقها بتعليقه الصوتي، إلى جانب سعاد خير الله وفريق من المعدين. يبثّ البرنامج مرفقاً بخلفيّة موسيقيّة تبدو مستقاة من برامج التحقيقات الجنائية، توحي للمشاهد بأنَّ سرَّاً خطيراً على وشك الانكشاف.
على سبيل المثال، يستعرض تقرير بعنوان &laqascii117o;بن علي لم يهرب ومبارك يعتلي كرسي الرئاسة من جديد" (5/12)، ما آلت إليه الأوضاع في تونس من تقدم للإسلام السياسي، ومؤشرات لتطبيع الغنوشي مع &laqascii117o;إسرائيل"، ليسأل البرنامج حول الجدوى من الثورة التونسية. ويكمل الشريط تلخيص مجريات الأحداث في مصر واليمن وليبيا وسوريا، ليعلن نهايةً أن دور الإعلام تلخص في السنوات الماضية بتقديم ما يجري على أنّه مخاضٌ لخلاص العرب. &laqascii117o;غير أن العرب حتى الآن لم يروا من المخاض إلا دمه"، يضيف التقرير بنبرة تدَّعي كشف المستور وباطن الأمور، لينتهي بمشهد سريالي لراعٍ يقود قطيعاً من الأغنام. وهكذا يظهر التقرير كماً من التشفي لا يتوافق مع مآسي الدول العربية ومأساة سوريا، ويطلق أحكاماً معممة تبتعد عن العمق في معالجة الدور الحقيقي للإعلام في تلك الأزمات.
في حرب &laqascii117o;سما" ضدّ &laqascii117o;الوهم الإعلامي"، ركزت القناة مؤخراً على قضية تعامل &laqascii117o;سي أن أن" وغيرها من المحطات الأميركية مع التظاهرات في فيرغسون. ومن أجل ذلك، خصصت عدة تقارير تتشابه في الاسم وتتقاطع في المضمون. إذ يعالج تقرير بعنوان &laqascii117o;شاهد الوحش الجديد الذي دخل أميركا" مثلاً، الأسباب الخفيّة وراء الاهتمام المكثّف لوسائل الإعلام الأميركية بالاحتجاجات، في محاولة لحرف اهتمام الرأي العام الأميركي عن قضايا قد تكون أكثر أهمية، مثل استقالة وزير الدفاع الأميركي أو عدم إدانة الشرطي الذي قتل طفلاً يحمل دمية مسدس. ويقارن البرنامج ذلك بحوادث مشابهة في تاريخ الإعلام الأميركي تمّ فيها الاهتمام بحوادث ذات ظاهر عرقي، لشغل الرأي العام. وهنا يحسب للبرنامج عدم اكتفائه بالتعليق على ما تقدمه وسائل الإعلام الأميركية اليوم، والعودة إلى تواريخ أكثر قدماً تؤكّد وحدة وثبات الآلية التي تحكم سياسات الإعلام الأميركي عبر التاريخ. لكن في المقابل، يستشعر المشاهد ابتعاداً عن العمق في تحليل الظواهر الإعلامية التي تشكل مجرد تكثيفٍ ظاهري لتناقضات سياسية واقتصادية أكثر أهمية وتعقيداً.
اليوم، وفي ظل تغير التوازنات الدولية، يشكل رصد الإعلام الأميركي مهمةً شديدة الحساسية، يتصدى للقيام بها عشرات الإعلاميين والمبادرات الخاصة إلى جانب وسائل إعلام عالمية تتقدمها &laqascii117o;روسيا اليوم". لكن الملفت للاهتمام في ما يتعلق بتصدّي &laqascii117o;سما" للقيام بمهمة مماثلة، أن القناة متهمة بنظر شرائح عدّة من المجتمع السوري، أنها وبتوجهها الليبرالي المعلن، امتدادٌ للنهج الاقتصادي الأميركي بصورة أو بأخرى. ربما الأجدر بـ"سما"، وغيرها من قنوات الإعلام السوري، بدلاً من الانشغال في تقليب أرشيف جرائم الإعلام الأميركي، التوقّف عن استخدام بعض آلياته ذاتها. فعلى غرار &laqascii117o;سي أن أن" و"فوكس نيوز"، كثيراً ما تلجأ القنوات الرسمية السورية إلى تهليل لأحداث معينة وتجاهل أخرى، كما تفعل حينما تركز على خطر داعش والإرهاب وتتناسى الأزمات الاقتصادية والفساد وغيرها من القضايا الجوهرية الكبرى. إذ أن الطريقة الأجدى لفضح نهج الإعلام الأميركي أمام السوريين تتمثَّل في خلق نموذج مغاير له شكلاً ومضموناً.
المصدر: صحيفة السفير
https://www.yoascii117tascii117be.com/watch?v=oascii85WoAZiVNaA

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد