سعدى علوه
ليس جديداً الدور السلبي الذي يلعبه بعض الإعلام، خصوصاً التجاري منه، ومعه الإعلان، في تشويه صورة المرأة عامة، والنساء في لبنان خاصة. إذ يتحمّل الإعلام والإعلان بشكل عام جزءاً كبيراً من مسؤولية شيوع الصورة النمطية عن المرأة اللبنانية في العالم العربي. صورة تفرغ شخصية المرأة في لبنان من محتواها الفكري والنضالي، مسقطة مؤهلاتها التعليمية ودورها السياسي والنقابي والمهني، لحساب صورتها كـ&laqascii117o;متحرّرة" بالمعنى السطحي للكلمة الذي يصبّ في خانة &laqascii117o;المرأة السهلة المنال"، التي تهتم بالمظاهر واللباس ووسائل التجميل وغيرها من السطحيات البعيدة عن جوهر اهتماماتها الحياتية.
هذا شيء وأن تجمع بعض ما ينتجه الإعلام والإعلان، وحتى بعض الأعمال المسرحية، في فيلم يبرز الصورة السلبية المعمّمة عن المرأة اللبنانية، شيء آخر. التوثيق هو ما حاولت جمعية Fe-MALE بالتعاون مع &laqascii117o;التجمع النسائي الديموقراطي"، إنجازه في فيلم &laqascii117o;صورة غب الطلب" للزميل جاد غصن. وتحدّث في حفلة إطلاق الفيلم أمس الأوّل في الأونيسكو، مسؤولتا الإعلام والمناصرة ومديرة البرامج في جمعية Fe-MALE علياء عواضة وحياة مرشاد، والمحامية والناشطة في التجمّع النسائي الديموقراطي اللبناني، منار زعيتر، والباحثة في مجال التنمية وحقوق النساء في مصر ومنسّقة الشبكة العربية لرصد وتغيير صورة المرأة والرجل في الإعلام عزة كامل.
جمع الفيلم مشاهد مخجلة ومهينة للأسف لصورة المرأة، ليس فقط في الإعلانات التي تستخدم جسد النساء في التسويق لسلع لا تمتّ إلى المرأة بصلة، بل عرض للقطات من &laqascii117o;فيديو كليب" لفنانات، وبرامج تلفزيونية ترفيهية، تسرف في استغلال جسد المرأة، مركزة على وظيفة جنسية نمطية مستهلكة. الصورة نفسها تورّط في التسويق لها محطات تلفزيونية وإعلاميون من مقدمي البرامج، وطبعاً فنانات وشخصيات نسائية ناشطة في الحقل الفني. لم يقتصر استغلال جسد المرأة هنا وتشويه صورتها على أصحاب شركات الإعلان الذين اعترف أحدهم في الفيلم بأن الهدف الرئيس من عملهم هو التسويق الناجح للسلعة في ظلّ عدم وجود أفكار مبتكرة لا تستغل النساء لجذب انتباه المستهلك.
في هذه الناحية استكمل الفيلم العمل الذي بدأته Fe-MALE والتجمّع في مجال مناصرة ودعم قضايا النساء عبر الإعلام التقليدي والحديث، وحملة المناصرة الإلكترونية تحت عنوان &laqascii117o;مش بالتسليع منتجك ببيع"، لتسليط الضوء على ما يجري من تسليع للنساء وتحويلهن إلى أدوات جنسيّة ورفع نسب العنف ضدّهن.
لكن على الضفة الثانية كفيلم أريد له أن يكون وثائقياً، ضجّ الفيلم بالأفكار المتعلّقة بقضايا النساء عامة من دون أن ينجح في تسليط الضوء بشكل معمّق على هذه القضايا. وحاول طرح ضعف المشاركة النسائيّة في السياسة في بدايته: فـ&laqascii117o;الشهداء والرؤساء رجال، والنشيد الوطني منبت للرجال، والشوارع والمطارات والملاعب على أسماء الرجال، والحروب والويلات لا تعرف التأنيث إلا خدمة للرجال"، وهو عنوان معقّد لا يتمّ المرور عليه مرور الكرام، كما المرور على ضحايا العنف الأسري من النساء اللواتي قتلن على يد أزواجهن. وجاء ربط الظروف السياسيّة والأمنيّة التي يعيشها لبنان حالياً بطريقة سريعة من عدم انتخاب رئيس ومجلس نواب إلى الافتقار إلى موازنة عامة، في عرض سريع لم يسهم إلا في ازدحام الفيلم بالأفكار من دون سياق متصل فعال.
في المقابل، لم يبرز الفيلم الشراكة المنتجة التي خاضها الإعلام والمجتمع المدني في تحقيق بعض المكتسبات والتقدم في حقوق النساء، وإن ما زال العمل عليها يحتاج إلى الكثير. إذ لا يُخفى على أحد تأثير الإعلام المسؤول الذي بات أكثر اهتماماً وتورّطاً في قضايا حقوق الإنسان عامة والنساء خاصة. مع التأكيد على أن الأداء الإعلامي المستجد لمصلحة النساء لا يمنع استمرار بعض وسائل الإعلام في تكريس تسليعهنّ.
وغابت عن الفيلم الصورة النمطية الأقدم في المناهج التربوية التي ينشأ عليها الذكور والإناث في الكتب المدرسية التي تصوّر المرأة الأم وهي تقوم بالأعمال المنزلية وتساعدها الفتاة، فيما يقرأ الأب الجريدة ويلعب الصبي بالكرة. وهي تكاد تكون الصورة الإعلامية والإعلانيّة الأولى التي تنمط الأدوار الوظيفيّة والاجتماعية على أساس النوع الاجتماعي.
ربما هي قضايا النساء الكثيرة والتمييز الكبير الواقع بحقهنّ، ما تسبَّب بازدحام الفيلم بالكثير من الأفكار التي لا يمكن معالجتها في فيلم كانت الغاية منه إبراز الصورة البشعة والمنمّطة سلبياً للمرأة عن طريق تسليعها. ولكن لا يمكن إلا القول إن العمل نجح في جمع المشاهد المنفّرة التي تقفز إلينا من الإعلانات والبرامج التلفزيونية وحتى بعض الأعمال المسرحية وطبعاً الفيديو كليب، لتمعن في تشويه صورة المرأة وتشييئها وبالأخصّ تسليعها.
المصدر: صحيفة السفير