أسرار شبارولولا أقلامهم وعدساتهم لبقيت حملات الوزيرين وائل أبو فاعور وعلي حسين خليل وغيرهما في مهب الريح. ولولاهم لطمس العديد من ملفات الفساد وعُتِّم على كثير من الجرائم والسرقات التي يرتكبها 'الكبار' قبل 'الصغار'، وربما لذلك يجابَه الإعلاميون من المتضرّرين لكفّ افواههم، كسر أقلامهم، وتحطيم عدساتهم فهل يستطيعون؟
بالأمس إعتدى بعضهم على فريق محطة 'الجديد' الذي أراد الاضاءة على ملف فساد في زحلة. لم يكن المشهد غريباً على اللبنانيين الذين شاهدوا بعض حلقاته سابقاً، و يطرح السؤال، هل فعلاً الاعلامي في لبنان قادر على فتح ملفات الفساد، أم أن عمله مقتصر على تغطية ملفات يفتحها السياسيّون؟
'نمضي إلى آخر الطريق'مديرة الأخبار في 'الجديد' مريم البسام، وبعد أن استنكرت ما تعرضت له الزميلة يمنى فواز وطالبت بوضع 'حد لهذه الزعرنة'. وقالت: 'نحن كسلطة أولى وليست رابعة باستطاعتنا أن نضيء ونكشف الحقائق التي نريد، وأهل زحلة هم من طلبوا منا الوقوف معهم، فنحن كإعلام لا نستطيع التغاضي عمّن لجأ الينا لفتح ملف فساد في منطقته، وكذلك لا يمكن لفتوش أن يتصرف بطريقة ميليشياوية بسحب مسدسه على يمنى، لذلك لا بد من كف يد عائلة فتوش'.
وأضافت: 'اذا استطاعوا اغلاق قضية منال (الموفة في قصر العدل) من خلال تسوية في مكتب الرئيس كلود كرم، فإن مكتبنا ليس مكتب الرئيس كرم، وسنمضي في هذا الموضوع الى نهايته، ولا بد للقضاء أن يقف معنا، وقد بدأ السير بالموضوع أمنياً من خلال جهد كبير للوزير نهاد المشنوق'.
لكن المشكلة الأساسية بحسب البسام هي عدم مواكبة القضاء للاعلاميين، فـ'نحن باستطاعتنا أن نضيء على الملفات ونمضي الى آخر الطريق، فالمشكلة هي عدم وجود قضاء يواكبنا، ففي قضية الجمارك رغم ضربهم لنا واعتدائهم على أموال الدولة، لا يزالون في مناصبهم'.
وعن شجاعة الاعلاميين في ظل عدم مواكبة القضاء لهم، أجابت: 'رغم عدم إنصاف القضاء لنا ولو لمرة واحدة، نحن لم نكف عن الاستمرار في عملنا ولم نحبط، فهناك مسؤولية علينا، الناس تعتبرنا الحكومة في وقت يسيطر فيه الفراغ في دولة من جفصين. نحن خلايا أزمة حقيقية نعمل على الارض بدلا من العمل الرسمي المفقود'.
فتح الملفات... واجبمن جانبه، اعتبر الاعلامي عماد مرمل أن ' الاعلام يكون في كثير من الأحيان في موقع رد الفعل، ويرقص على الايقاع الذي يعزفه السياسيون، لكن هذا لا يلغي أن احدى الوظائف الرئيسية للاعلام هي صناعة الحدث لا البقاء في موقع المتلقي، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بملفات فساد لها علاقة مباشرة بالناس وبالمصالح العليا للدولة، من هنا واجب الاعلام فتح هذه الملفات التي يجب أن تستند الى معطيات صلبة يمكن البناء عليها كي لا تبقى المسألة مزاجية وانتقائية ومرتبطة بمصالح السياسيين الذين يفتحون الملفات ويغلقونها تبعاً لحساباتهم'.
مواجهة الاعلام أحياناً ممانعة واتهامات لا تلغي قيامه بدوره في فتح الملفات بحسب مرمل. فمن الطبيعي برأيه 'أن يدافع المتهمون عن أنفسهم'، وختم: 'المطلوب توسيع هذا العمل الاستقصائي في الصحافة الذي يذهب الى العمق، ومع ذلك أقول إن الاعلام قام بخطوات جيّدة محققاً نقلة نوعية في هذا المسار'.
لا بد من تحريره
'لا بد أن يكون الاعلام حراً في كل شيء اذا أراد فتح ملفات'، هذا ما أكدته الاعلامية ندى صليبا، 'ففي بعض الأحيان يكون للاعلام حساباته فهو ليس دائماً حراً'.
وعما اذا كان هناك ضوء أخضر ليمضي الاعلام في كشف الفساد أجابت: 'الاعلام هو من يعطي الضوء الأخضر لنفسه، من خلال تحرّره من جميع الضوابط'، واستطردت 'أحياناً يتحرر الاعلام من كل الضوابط عندما يرى مصلحة له في ذلك، وأحيانا المؤسسة التي ينتمي اليها الاعلامي هي التي تحدد له الأطر، وللأسف كل مؤسسة لها ضوابطها وحساباتها'.
المشكلة بحسب صليبا هي 'في عدم وجود معايير ومقاييس، فالبلد يسيطر عليه الفلتان، وطفح الكيل من قوانين لا نعرف كيف تطبق وأين تطبق ووفق أي معايير تطبق'.
معايير عدّة للنجاحباستطاعة الاعلام فتح ملفات فساد، والدليل على ذلك بحسب مقدمة برنامج 'الفساد' غادة عيد 'أنه رغم كل الصعوبات لا يزال هناك ملفات تفتح، وما حصل مع يمنى بالأمس، ليست المرة الأولى التي يعتدي فيها آل فتوش على الاعلاميين، فحتى دعاوي القدح والذم المقدمة من قبلهم ضد تلفزيون الجديد وبرنامج الفساد بقضية الكسارات الشهيرة اعتبره اعتداء علينا، كون هذه القضية استنكرها جميع اللبنانيين'.
ولفتت:' تعرضنا سابقاً ونتعرض للكثير من الضغوط كوننا نكشف الفساد، لكن هذا لا يسكتنا بل على العكس يظهر الصورة أكثر'.
لا توجد إشارة حمراء في قناة الجديد بحسب عيد لكن الأمر يتوقف 'على الاعلامي وخبرته، لأن مثل هذه القضايا تحتاج أن يكون الشخص حذراً لناحية عدم التجنّي على الناس، واذا كان يعمل لأهداف وطنية وخارج نطاق اي مصالح شخصية أو حتى نكايات واستنفارات شخصية فسينجح'.
علامات استفهام طرحتها على 'الجمعيات التي تدعي مكافحة الفساد وهي جمعيات مموّلة من دول ومنظمات عالمية'، حيث تساءلت 'لماذا لا يستنكرون عندما يتعرض صحافي للاعتداء أثناء تغطيته حالة فساد؟ أين هم؟ وأين ادعاءاتهم بمحاربة الفساد؟' وختمت 'يقول الاعلامي كلمته ويمضي'.
'ملفات كاذبة''دائما كان باستطاعة الاعلام فتح ملفات الفساد، لا بل ان الاعلام في لبنان هو من يفتح هذه الملفات بدلا من السياسيين. لكن الأمر المهم أن يكون الملف متناسباً مع سياسة المحطة، وعليه لا يُسمح لإعلامي يعمل في مؤسسة معينة فتح ملف يمس بمصالح أو اصحاب أو القيّمين على تلك المؤسسة، فلا يمكنه فتح اي ملف فساد إلاّ تحتَ سقفها فقط'، بحسب زافين قيومجيان.
ومن مشاكل الاعلام برأي زافين فتح ملفات كاذبة حيث 'يفتح البعض ملفات وينجح بها لانه بالفعل يكون هناك فساد، لكن يوجد اشخاص يدّعون وجود ملفات لجذب أكبر نسبة مشاهدين'. وقد أدى هذا الأمر بحسب زافين الى انعدام الثقة من قبل المشاهدين الذين باتوا يعتقدون أن العناوين الفضائحية التي يتم اختيارها هي لرفع نسبة المشاهدة'.
الطريق غير معبدة بالورودمن جانبه، أكد الاعلامي فراس حاطوم أن باستطاعة 'الصحافي فتح ملفات فساد لكن الطريق التي سيسلكها ليست معبدة بالورود، وما الاشكالات التي تحصل مع الزملاء بين الحين والآخر الا دليل على أن الصحافة باستطاعتها الدخول الى تلك الأوكار'.
وعن الصعوبات التي يواجهها الاعلامي وهو يسلك هذه الطريق أجاب 'الفوضى هي أكثر ما يعيق عملنا، فمن السهل على شخص لديه نفوذ أن يفعل كما حصل مع يمنى، وكما حصل مع زميل آخر عندما حاول فتح ملف الجمارك، حيث تم الاعتداء عليهما، فالأمر الواقع وعدم وجود رادع قانوني يدفعان السياسيين الى التصرف من دون تفكير بأية عواقب'.
العقبة الأخرى التي تحدث عنها فراس تتعلق بالرأي العام الذي 'بات لديه يأس من الوضع القائم، ولم يعد يكترث لما يدور حوله، لكن ما يصدم فعلاً هو عندما يظهر الرأي العام تعاطفه مع الفاسد أكثر من الصحافي وذلك حين تأخذ الأمور منحًى طائفياً أو سياسياً'.
المصدر: صحيفة النهار