قضايا وآراء » مواجهة بين الإرهابي وضحاياه أمام كاميرا العراقيّة

رامي كوسا
&laqascii117o;نفسي آكلك... نفسي أنتفك بسناني"، يصرخ والد أحد ضحايا التفجيرات التي تضرب العراق بصورة شبه يوميّة. يوجّه كلامه لإرهابيّ شارك في تفجير عبوةٍ ناسفة، في منطقة الكرّادة في بغداد. يعلو صوتٌ مقهورٌ آخر مردداً: &laqascii117o;هذا كافر، حرق أموالنا، دمّر بيوتنا، خرب حياتنا". يُطوّق أهل الحيّ المتهّم، بينما تقوم قوى الأمن بدورها في صنع مسافة أمان بينه وبين ضحاياه. ينهار المتهم سريعاً، ويجهش بالبكاء وهو يُنصت إلى شتائم من تدافعوا نحوه من كلّ الجهات.
السيناريو السابق ليس إلّا جزءاً مقتطعاً من إحدى حلقات &laqascii117o;في قبضة القانون"، البرنامج الذي يُعده ويقدّمه أحمد حسن، على شاشة قناة &laqascii117o;العراقيّة"، عند العاشرة مساء كلّ يوم جمعة. لا تختلف صيغة البرنامج كثيراً عن المنهج العام الذي تتبعه البرامج التي تُعيد تصوير الجرائم حسب رواية مرتكبيها، فيكون المجرم بذلك بطلاً للشريط المصوّر، مقدّماً إفادة حكائية أحياناً، وممثلاً لبعض مراحل الجريمة أحياناً أخرى. إلا أنّ ما يقدّمه تحت عباءة تلفزيون الواقع، لفت نظر الصحافة البريطانيّة، خصوصاً لناحية المواجهة بين المنتمين إلى &laqascii117o;داعش"، وضحاياهم. على سبيل المثال، خصّصت حلقة الأمس لمواجهة من يصفه البرنامج بالمسؤول الأمني للتنظيم في بغداد.
تفتتح حلقات البرنامج من استوديو اختير له أن يكون أسود بالكامل، يتلو منه أحمد حسن مقدّمةً سرديّة يتحدّث فيها عن بشاعة الإرهاب الذي يضرب بلاده، ثمّ يعرّف بإرهابيي الحلقة، يستعرض اعترافاتهم، ويقدّم قراءة قانونيّة للأحكام التي يمكن أن تصدر بحقّهم بحسب بنود قانون مكافحة الإرهاب في العراق.
ينتقل بعدها فريق العمل نحو ميدان الجريمة. هنا يظهر المتهم مقيداً بأصفاد حديدية وقد ارتدى معطفاً طويلاً أصفر لا يختلف، سوى في لونه، عن ذاك البرتقالي الذي يرتديه معتقلو غوانتانامو. وأمام عدسة الكاميرا، يبدأ الإرهابي بشرح تفاصيل جريمته مستنداً بذلك إلى أسئلة يتناوب على طرحها مقدّم البرنامج مع ضابطٍ أمن برتبة نقيبٍ. يتخلّل ذلك أسئلة عن الأسباب الّتي دفعت المتهم للانتساب إلى تنظيم &laqascii117o;داعش". وفي الوقت الّذي يحاول فيه مخرج البرنامج محمد خضير اصطياد تقاسيم النّدم في وجه مرتدي المعاطف الصّفراء، يسارع المقدّم إلى سؤالهم عن شعورهم حيال الأبرياء من ضحاياهم، وحيال مصابين فقدوا أجزاء من أجسادهم من دون ذنبٍ يُذكر، لتجيء إجابات المتهمين شبه محفوظة. بعضهم يعترف بندمه. الآخر يدّعي أنّه كان عبداً مأموراً لا حول له ولا قوّة. الإرهابي وليد حسين، الملقبّ &laqascii117o;أبو حفصة"، يُقدّم مقاربة فقهية مختلفة عن سابقيه، فيشرح أن إلغاء عمليّة &laqascii117o;استشهاديّة" تستهدف أحد العاملين في أجهزة الدّولة حفاظاً على أرواح المدنيين من شأنه أن يُعطّل الجهاد. ولدى سؤاله عن الذّنب الّذي يُقتل فيه هؤلاء، يجيب &laqascii117o;أبو حفصة": &laqascii117o;هذا قدرهم".
ثمّ ينتقل البرنامج نحو مفصلٍ أكثر سخونة، يواجه فيه المجرم ضحاياه مباشرةً. هنا ينسحب المنطق من المشهد، سعار المتضررين يتوقّف عند حدود الصّراخ والشتيمة والدعوات النّاقمة. قوى الأمن جاهزة للتدخّل حين تخرج الأمور عن نطاق السّيطرة، تحاول الكاميرا رصد ردّات فعل القتلة. بعضهم يقف جامداً حائراً لا ينطق بحرفٍ واحد، بعضهم ينهار ويشيح بوجهه عن لاعنيه باكياً، البعض الآخر يتوسّل طالباً السّماح. هذا ما حصل مع متّهم جيء إليه بِمُقْعَدٍ فقد ساقيه في تفجير عبوةٍ ناسفة استهدفت، من حيث النيّة، ضابطاً في وزارة الداخلية.
يقول عزمي مروّة، العامل في مجال الإرشاد النفسيّ: &laqascii117o;إن مثل هذه الاعترافات لا تمثّل، في شكلها النمطي، قيمةً تُذكر على مستوى الوعي العام، فالمبرّر الذي يقول إنّها انتزعت من أصحابها تحت التعذيب حاضر وجاهز، لكنّ صناعة لقاءٍ مصوّر بين الجلّاد وضحيّته يمكن أن يقود الكثير من مشاريع القتلةِ إلى الانكفاء عن مسلكيّات مماثلة".
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد