قضايا وآراء » الخوف من غلبة مشاريع يوتوبيا الذكاء الصناعي وانترنت الأشياء على المدن

فريديريك جوانيو
في مدينة نيس الفرنسية، الأرصفة &laqascii117o;ذكية". فمنذ آذار (مارس) 2013، زرعت البلدية ألف جهاز استشعار لرصد السيارات المركونة وإرسال المعلومات الى اجهزة لاسلكية تحفظ وقت المعلومات والمكان الصادرة منه متصلة بكمبيوترات بلدية نيس. وهذه توجه رسائل الى الهواتف المحمولة للسكان وتعلمهم بالأمكنة المتاحة لركن سياراتهم، وبحركة السير والعروض اليومية. وتأمل البلدية بأن تساهم هذه الخطوات في الحؤول دون ازدحام السير الناجم عن تفتيش السائقين عن امكنة لركن سياراتهم وتقليص انبعاثات غاز ثاني الكربون، ورفع &laqascii117o;جاذبية" المدينة وقدرتها على الاستقطاب. وسبقت تجربة الأرصفة الذكية - وهي اقتضت بث 915 كاميرا فيديو قادرة على رصد الأشخاص المضطربين بين الجموع أو الأشخاص الهامدين الذين لا يتحركون ورصد أقل صرخة أو صوت كسر زجاج وقراءة الشفاه على بعد 200 متر- اطلاق أول &laqascii117o;جادة متصلة" في أوروبا في أيار (مايو) 2013. ونشر 200 جهاز استشعار في مصابيح الطرق ومستوعبات النفايات وفي باحة جادة فيكتور هوغو من اجل تحليل نقاء الهواء وتحديد مستوى الحرارة ورصد الضجيج ووتيرة السير وامتلاء المستوعبات بالنفايات. وهذه المعلومات تجمع بواسطة برمجيات وتوزع على السكان بواسطة الإنترنت. وعلى سبيل المثل، تنبه حاويات النفايات فرق التنظيف حين تمتلأ، وتنبه السكان حين ارتفاع معدلات التلوث، وتعدل مصابيح الإنارة قوة الإنارة وفق عدد المشاة فتخبو حين تخلو الأرصفة منهم. ويقول رئيس بلدية نيس، كريستيان إستروزي، ان المشروع هذا يرمي الى الاطلاع &laqascii117o;مباشرة" على ما يجري في المدينة من اجل توفير الطاقة، وحضّ المواطنين على المشاركة في تقليص التلوث وتخفيف الزحام، وابتكار خدمات جديدة.
وفكرة المدينة &laqascii117o;الفائقة الاتصال" بالإنترنت، هي أبرز يوتوبيا مدينية في العصر الرقمي. فهي تجمع العبقرية الرقمية الى مد السكان بالمعلومات، والإدارة الذاتية الى النزول على مشاغل بيئية. وتعرف هذه المدينة بالمدينة الذكية أو &laqascii117o;سمارت سيتي". وعلى رغم غياب الإجماع على قبول هذه المدن، سلكت مدن فرنسية على غرار ليون ومونبلييه ونيس ونانت وباريس، وغيرها من المدن الدولية الطرق المفضية الى هذه اليوتوبيا. وهي تقر بأن التكنولوجيا الجديدة والمعلومات والاتصالات صارت عاملاً فاعلاً في الإدارة المدينية، وهي تلحق بالشوارع ومستوعبات النفايات والصروح الأثرية والمتاجر والشجر. والشوارع وحاويات النفايات والمتاجر والشجر تصبح &laqascii117o;ذكية" حين تلصق بها اجهزة استشعار ورقاقات صغيرة وبرمجيات ولواقط هوائية، فتنتج المعلومات وتعالجها وتحفظها وتقيّم مستوى استهلاك الطاقة، وتتصل في ما بينها وبغيرها من الأجهزة المعلوماتية بواسطة الواي فاي. وتأتلف من هذه العناصر الذكية ما يسمى &laqascii117o;انترنت الأشياء"، شريان الداتا (المعلومات) في المدينة. وعلى شاكلة برج تاور في لندن، وهو ينشر على تويتر مواعيد فتح ابوابه وإغلاقها، تتفاعل هذه مع السكان الحاملين هواتف ذكية.
وفي 1858 كتب فيكتور هوغو: &laqascii117o;في كل عام، وكل يوم، وكل ساعة تتسلل المدن تسللاً بطيئاً لا مفر منه الى الضواحي وتنتشر فيها فتنقلب هذه (الضواحي) مدناً". وبعد قرن ونصف قرن، تحتضن المدن الكبرى، نصف سكان المعمورة، وسيرتفع عدد سكانها الى 70 في المئة في 2050. واليوم، تستهلك التجمعات السكانية المدينية 75 في المئة من الطاقة المنتجة، وينجم عنها 80 في المئة من معدلات انبعاثات اوكسيد الكاربون، وتجتمع فيها ابرز المشكلات وتنعقد عليها آمال البشرية. ولم يمر اسبوع من دون تنظيم ندوة خبراء تتناول مسألة المدن الذكية وجوانبها الإيجابية وما تحمله من حلول. ويرى خبراء استراتيجيون في الأسواق الشاملة أن حجم سوق تكنولوجيا المدن الذكية سيرتفع من 8 بلايين دولار في 2010 الى 39 بلايين دولار في 2016.
و"المدينة المثالية" هي حلم بشري قديم قدم برج بابل في العهد القديم. ووراء مثل هذه الأحلام الكبيرة افكار فلسفية وسياسية وديموقراطية. والمدن الذكية من بنات هذه الأحلام. وغالباً ما يعرض حي سوغدو في إينشيون الكورية الجنوبية على أنه نموذج المدينة الذكية الذي افتتح في 2009، ويرمي الى استقطاب 65 الف نسمة. وبعض المعماريين يرون أنه ابرز مشروع ابتكاري منذ انشاء برازيليا في 1960. وأبراج سونغدو وشوارعه ومعداته ومركباته مرقمنة ومتصلة بشبكة كومبيوتر. وتحلل اجهزة استقبال - استشعار سيل حركة السير وترصد الحوادث، وتعالج تسرب مصادر الطاقة. وسطوح المباني مزروعة بالنبات، والنفايات يجمعها شفاط ضخم يبتلعها في اسفل المباني، ويوفر تالياً الكلفة المالية والبيئية المترتبة على عملية نقلها الى مكب. ويلج السكان كمبيوتراً مركزياً اسمه &laqascii117o;يو- ميديا سنتر" من اجل تنسيق خدمات المدينة. وكل منزل في الحي هذا شيّد بواسطة مواد 75 في المئة منها قابل للتدوير، ومزود بنظام بث تلفزيوني ومركز تحكم مؤتمة. وكل مشكلات العالم المديني، الزحام والتلوث والنفايات والأمن، تعالج في سونغدو لحظة وقوعها، 24 ساعة على 24. وتتولى تذليل هذه المشكلات شبكة ادارة بمساعدة السكان المتصلين بالشبكة.
ولكن ثمة جوانب مقلقة في مشروع رقمنة المدينة. ويرى عدد من الخبراء ان مفهوم هذه المدن يتحدر من الثورة السيبرنيطيقية في النصف الثاني من القرن العشرين. والثورة هذه قلبت رأساً على عقب عالم الذكاء الصناعي والأتمتة والتخطيط المديني. ويقول استاذ تاريخ الهندســـة والعـــمارة في هارفرد، انتوان بيكون، إن فكرة المدينة كنظام معقد توجه دفته مثل مركبة، برزت حين تقاطعت النظريات السيبرنيطيقة بالمعلوماتية. ويحسب كثر ان في الإمكان انشاء مدن معلوماتية ومؤتمتة تدار بواسطة حسابات خوارزمية في لوح برمجي مركزي. ولا ينكر المؤرخ دور انترنت الأشياء في الإدارة المدينية، ولكنه يرى ان &laqascii117o;النازع السيــبيرنطيقي" الى أتمتة المدينة &laqascii117o;ساذج ويحيل المدينة الى رسم بسيط غير مركب". وفي كتابه &laqascii117o;سمارت ســيتيز. نظريات ونقد..."، يوجه سهام النقد الى من يغفل أن المدينة هي مجتمع بشري وسياسي مشرّع ومتعدد الأشكال، يتغير ولا يرسو على وجه واحد، وهو غير ناجز. والمدينة ليست نظاماً ولا يجوز قصرها على أنماط مؤتمتة. وليس في الإمكان إدارتها كما لو كانت آلة كبيرة من طريق حلول تقنية. والنظريات السيبرنيطيقية تدعو الى ادارة تكنوقراطية للمدينية، وتنتهي الى تقويض الخيارات السياسية والديموقراطية، يقول بيكون.
(*) عن &laqascii117o;لوموند" الفرنسية، 20/12/2014، اعداد منال نحاس
المصدر: صحيفة الحياة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد