يوسف الشريف
لم يعد الحديث عن تراجع حرية الرأي والصحافة في تركيا يحمل أي جديد، خصوصاً بعدما صنفت جمعية حماية الصحافيين في الولايات المتحدة، تركيا بين الدول العشر الأسوأ في العالم في مجال حرية العمل الصحافي الحر. ولكن، في 2014 طرأ تطور مستهجن على الحياة الاعلامية في تركيا- ولو كان امتداداً طبيعياً لسياسة حكومة &laqascii117o;العدالة والتنمية" والرئيس رجب طيب أردوغان- يرمي الى إحكام السيطرة على وسائل الإعلام وتحييد الأقلام الصحافية المستقلة والضغط على أصحاب العمل لطردها. ففي الأشهر الماضية، أنشئ جيش اعلامي شرس تحول من الدفاع عن أردوغان وحكومته الى الهجوم المباشر، ومن دون هوادة، على جميع معارضيه. ويؤازره جيش إلكتروني لا يقل قوة ينشط في منابر وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً &laqascii117o;تويتر".
في الأعوام الأربعة الماضية، فرض أردوغان على عدد من رجال الأعمال المقربين منه شراء وسائل إعلام مستقلة، وصارت هذه الخطوة واحداً من شروط الحصول على المناقصات العامة المهمة، كما تقول المعارضة. على سبيل المثل، اشترت الشركة التي فازت بمناقصة بناء مطار إسطنبول الثالث مجموعة &laqascii117o;أكشام" الإعلامية التي كانت الحكومة وضعت يدها عليها، بحجة تراكم ديونها في البنوك.
ولكن مع خسارة أردوغان عدداً من المجموعات الإعلامية الموالية للداعية الإسلامي فتح الله غولن الذي انقلب عليه هذه السنة، زاد الضغط على وسائل الاعلام- تحديداً الصحف الموالية والتابعة مباشرة للحكومة مثل مجموعة &laqascii117o;صباح"، و &laqascii117o;يني شفق" و &laqascii117o;عقد" الاسلاميتين- والقنوات الإخبارية التابعة لها، وانتقلت هذه الصحف من معسكر الدفاع الى معسكر الهجوم. وغلبت على عناوينها الرئيسة طوال اسابيع عبارات مثل &laqascii117o;الانقلاب والدولة الموازية" في إشارة الى جماعة غولن، وحملت على عاتقها نشر &laqascii117o;الغسيل القذر" لتلك الجماعة وتجاوزاتها من دون الإشارة الى أن الجماعة كانت أهم حليف للحكومة، عندما ارتكبت كل تلك التجاوزات. وبينما كان الإعلام الموالي يتحرك بإشارة من أردوغان في السابق، ليكمل الهجوم على مَنْ يُشير إليه، شهدنا هذه السنة مبادرة عدد من الصحف أو كتّاب أعمدة موالين الى مهاجمة الخصوم بالاسم والتحريض على المعارضين، بل تهديدهم بالسجن أحياناً وبالويل أحياناً أخرى. وهذا ما حمل الكاتب أحمد هاكان في صحيفة &laqascii117o;حرييت" على كتابة مقالة عنوانها &laqascii117o;مَنْ أنتم؟" تساءل فيها عن ظاهرة من يتوعد باسم النظام ويهدد، ويزعم &laqascii117o;أنه يعلم ما لا تعلمون". وخضع الإعلام التركي لاختبار صعب أيضاً مع التصفية التي بدأتها الحكومة ضد أتباع غولن في الأمن والشرطة وسلك التعليم والقضاء، وإعلان انتسابهم الى تنظيم إرهابي والقبض على عدد كبير منهم. فسارعت صحف علمانية أتاتوركية موالية للجيش إلى التشفي بهم، وانتهاج سياسة إعلامية انتقامية من الجماعة التي سعت في الماضي القريب الى تصفية الجيش واقتياد جنرالاته إلى السجن. وشاهدنا نماذج غريبة لتوافق إعلامي إسلامي- علماني، حكومي وأتاتوركي، جمعها وراء رجل واحد عداؤها- القديم والجديد- لجماعة غولن.
وأمام انزلاق الصحافة الى متاهات الاصطفاف السياسي، دعا رئيس تحرير صحيفة &laqascii117o;جمهورييت" المعارضة، أوطكو شاكراوزار، الى صوغ ميثاق شرف صحافي يحول دون انصياع الإعلام الى حملات التـــشويه والتـخوين التي تشنّها السلطات أو الأحزاب السياسية. فتخرج صورة جماعة غولن ملائكية ووطنية حين تكون متفقة مع الحكومة، وتتحول الى خائنة وعميلة عندما تعارضها. وفي مثل هذه الأحوال، يصير الإعلام وقوداً لحملات تأليب الرأي العام وتوجيهه، من دون التزام وازع أخلاقي أو معايير المسؤولية المهنية.
ولا شك في أن أغرب حدث اعلامي هذا العام كان في إنزال الهيئة العليا للرقابة الإعلامية الحكومية عقوبة مالية تعتبر سابقة في تاريخ تركيا بالتلفزيون الحكومي، بسبب الإخلال باستقلاله المفترض في حملات الدعاية الانتخابية الرئاسية، وتخصيص جل ساعات بثه للدعاية لأردوغان دون غيره، وضربه بعرض الحائط كل المعايير والقوانين والتهديد بدفع غرامة مالية كبيرة. وكان لسان الصحافة التساؤل: &laqascii117o;لماذا يقلق مدير التلفزيون إزاء دفع هذه الغرامة، طالما أن المال اللازم لدفعها سيأتي من ضرائب المواطنين وليس من جيبه"؟
المصدر: صحيفة الحياة