قضايا وآراء » ناشطون لبنانيون متهمون بـ القدح والذم... وخوف من تكميم الأفواه

بيروت ـ رامز أنطاكي
بدأت القضية قبل قرابة أربع سنوات من اليوم، وتحديداً في 24 شباط (فبراير) 2011 وفق تاريخ الشكوى التي تقدمت بها &laqascii117o;حركة أمل" ممثلةً برئيسها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وتتّهم وديع الأسمر وماري دوني بـ &laqascii117o;كتابة تقرير وخطاب يقصد منهما إثارة النعرات المذهبية والحضّ على النزاع بين عناصر الأمة، وعلى ارتكاب جرائم القدح والذم بحق الجهة المدعية"، كما ورد في القرار الظني الذي سطّره قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان جان فرنيني قبل أسابيع.
كان وديع الأسمر، الأمين العام للمركز اللبناني لحقوق الإنسان، أذاع في 22 شباط (فبراير) 2001 تقريراً شاركت ماري دوني في إعداده عن &laqascii117o;الاحتجاز التعسفي والتعذيب في لبنان"، مؤلفاً من 68 صفحة، تضمن فقرتين (ص 25 و29) تقول الأولى منهما: &laqascii117o;يظهر أن لمليشيتي أمل وحزب الله ضلعاً في التوقيفات (لمتهمين لبنانيين بالتعامل مع إسرائيل)، وأنهما تمارسان التعذيب بحق معتقليهما"، بينما تفيد الفقرة الثانية بأنه لم يمكن &laqascii117o;تقويم مدى الانتشار الحقيقي لادعاءات التعذيب الذي يمارسه أعضاء مليشيا أمل وحزب الله الذين يعتقلون المشتبه فيهم..."، وبعد تقدّم حركة &laqascii117o;أمل" بشكوى تقول فيها أن ما ورد في شأنها في التقرير يخالف الحقيقة، تم التحقيق مع الأسمر ودوني ليُتّهما في النهاية بالقدح والذم فقط من مجمل ما اتهمتهما به &laqascii117o;حركة أمل".
طالت جلسات التحقيق وتأجلت لأشهر بعد أخرى، حتى وصلت القضية أخيراً إلى إصدار قرار ظني. ويقول الأسمر الذي كان يفضّل تخصيص الوقت والجهد المبذولين في التحقيق والتقاضي لعمله ونشاطه في مجال حقوق الإنسان، إن الدعوى المرفوعة شخصياً ضده وضد دوني هي محاولة لإسكاتهما، وإنها تستهدف كل المدافعين عن حقوق الإنسان بهدف تخويفهم. ويتابع أنه كان يأمل بأن يكون هذا النوع من المضايقات انتهى في 2005 بانتهاء &laqascii117o;الاحتلال السوري" للبنان، ولكنه يشير إلى انتصار أولي تم تحقيقه في القضية من خلال إسقاط بقية التهم &laqascii117o;لعدم توافر عناصرها".
الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان، بحسب الأسمر، تصدر تقارير مشابهة في الموضوع منذ عام 1997، وهي تقارير تعتمد من جانب منظمات حقوقية دولية، والجمعية حين تتكلم في تقاريرها عن ورود معلومات عن التعذيب تكون لديها بالتأكيد مصادرها، لكن بطبيعة الحال لا وثائق تثبت التعذيب، &laqascii117o;فمن يمارس التعذيب لا يمنح الضحية شهادة بذلك". ويذكر الأسمر هنا أن محامي الجمعية ملحم خلف، سأل القاضي عن استعداد المحكمة لتوفير حماية الشهود وفق المعايير الدولية إن قامت الجمعية بجلبهم ليشهدوا، فأجابه القاضي: &laqascii117o;إن المحكمة الدولية لا تستطيع حماية شهودها، وتريد مني أن أحمي شهودك؟"، وعلى هذا الأساس يفضّل الأسمر أن يدخل السجن كي لا يعلن اسم شاهد معرِّضاً إياه للخطر.
من جهة أخرى، يؤكد الأسمر أن &laqascii117o;الحديث عن أي انتهاك لحقوق الإنسان ليس تشهيراً، بل هو من صلب عمل الجمعيات الحقوقية"، وهي كانت سألت القاضي حول &laqascii117o;الطريقة المناسبة" لكشف انتهاكات حقوق الإنسان من دون أن تعتبر تشهيراً ولم تتلقَّ جواباً، كما أنه كان يمكن للجهة المعنية أن تطلب إدراج عدم موافقتها على صحة ما ورد في التقرير بل ومناقشته مع معدّيه، وهو ما حصل مع غيرها.
بيتر حنا من جمعية حقوق الإنسان والحق الإنساني، يقول: &laqascii117o;الوقوف إلى جانب الأسمر ودوني سيكون واجباً ومحقاً إن قاما بإبراز ما يثبت ما أورداه في التقرير، موضوع المحاكمة من انتهاكات". لكن حقوق الإنسان التي عادة ما تعلو وتسمو فوق القوانين، لا يمكنها أن تعارض القانون في حال كان متماشياً مع مبادئ حقوق الإنسان، وبالتالي إن لم يكن لدى الأسمر ودوني ما يثبت ادعاءهما، سيكون من غير الممكن الدفاع عنهما.
اختيار المصطلحات
ويشير حنا الذي يملك خبرة واسعة في كتابة تقارير حقوق الإنسان، إلى أن الكلام عن انتهاكات غير مثبتة ممكن أيضاً في بعض الحالات، لكن مع الحرص على استخدام الكلمات المناسبة التي لا تجزم وقوع انتهاكات لا إثباتات على حصولها. ويقول: &laqascii117o;كلمات مثل: يقال، يشاع، يعتقد... تمكّن الناشط من ذكر الانتهاك المفترض حدوثه من دون أن يمسّ بحقوق من يفترض أنهم اقترفوه".
أما منسّق برنامج الرصد والمناصرة في جمعية &laqascii117o;ألف - تحرك من أجل حقوق الإنسان" جورج غالي، فيعتبر أن الأولوية تتمثل في أخذ التقرير الصادر عن الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان كإخبار، والتحقيق بمزاعم التعذيب الواردة فيه قبل البحث بقضية القدح والذم، وفي حال خلوص التحقيق إلى أن ما ورد في التقرير غير صحيح، حينها لكل حادث حديث.
ويرى غالي أن هذه القضية ضد الأسمر ودوني هي خطر على كل المنظمات الحقوقية في لبنان، فمن الممكن، وفق المسار الذي ستتخذه القضية، أن يصبح عمل المنظمات مقيداً وتقاريرها مكبلة بمسارات قضائية لا طائل منها، مطالباً القضاء اللبناني بفتح تحقيق مستقلّ بخصوص مزاعم التعذيب الواردة في التقرير، فيحاسب المقترفين. وإن لم يكن التقرير صحيحاً، تكون حالة قدح وذم.
آليات حماية
وطالبت &laqascii117o;ألف - تحرك من أجل حقوق الإنسان" في بيان لها، السلطات اللبنانية بالتوقف عن إعاقة عمل المدافعين عن حقوق الإنسان واستحداث آلية لحمايتهم وحماية عملهم، داعية السلطات القضائية الى التحقيق في المعلومات الواردة في تقرير المركز اللبناني لحقوق الإنسان، ومحاسبة المرتكبين من خلال محاكمة عادلة وموضوعية.
وعن صلاحية محكمة المطبوعات للنظر في هذه القضية، والادعاء على الأشخاص لا على الجمعية، يقول المحامي والباحث في القانون نزار صاغية، إن كل القضايا المشابهة المتعلقة بما ينشر في الإعلام هي من صلاحية محكمة المطبوعات من حيث المبدأ، والتقرير المطبوع موضوع الحديث يعتبر عملاً منشوراً. أما رفع القضية على الأشخاص لا على الجمعية، فهو لا يشكل فارقاً مهماً، ففي آخر الأمر الأسمر ودوني سيكونان في الموقع نفسه أمام القضاء باعتبارهما مسؤولين عن التقرير ولهما دورهما في الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان.
في النهاية، يحذر الأسمر من محاولات استخدام القضاء اللبناني لكمّ الأفواه، ويأمل، من بين الاحتمالات التي قد تفضي إليها المحاكمة بعد المرافعة المقبلة في شهر حزيران ، بأن تصل المحكمة إلى حكم يقضي بأن التقرير لم يقصد التشهير أو القدح والذم، حتى لو لم يتخذ القاضي موقفاً من صحة حصول التعذيب.
المصدر: صحيفة الحياة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد