نور أبو فرّاج
تحاول الحكومة القطريّة جاهدة ترك الضوء مسلّطاً على عمارة ملاعبها المعدّة لاستضافة &laqascii117o;كأس العالم 2022"، لكنّ كلّ محاولاتها تبوء بالفشل، مع إصرار صحافيين &laqascii117o;فضوليين" على التنقيب أبعد من ذلك. منذ أشهرٍ تنشغل وسائل الإعلام الغربيّة بالتقصّي حول ظروف العمل الشاقة التي وصلت في نظر كثيرين إلى مصاف الاستعباد. خلال العامين الماضيين، أجريت تحقيقات موسّعة حول قانون العمل في قطر ونظام كفالة العمال الأجانب، مع تزايد أعداد مَن لقوا حتفهم خلال العمل في ورش بناء منشآت كأس العالم.
لكن تطوّراً جديداً طرأ على الحكاية، بعدما قامت السلطات القطريّة قبل أيام باعتقال مراسل &laqascii117o;بي بي سي" مارك لوبل وأفراد طاقمه المكوّن من مصوّر وسائق ومترجم، أثناء بحثهم عن معلومات إضافيّة حول ظروف العمال. أثار الاعتقال استنكار الإعلام الغربي، خصوصاً أنّ حكومة قطر كانت المبادرة إلى دعوة فريق القناة وغيره من وسائل الإعلام، في إطار نشاطها الإعلامي المكثّف، لترميم الضرر الذي لحق بصورتها. احتجز أفراد الطاقم قيد التحقيق ليومين، ثمّ أطلق سراحهم، وتمكّنوا من استكمال &laqascii117o;الجولة السياحية الرسمية" في مناطق إقامة العمال المهاجرين &laqascii117o;المفتوحة للصحافة".
وتعدّ حادثة اعتقال فريق &laqascii117o;بي بي سي" الثانية من نوعها خلال أقلّ من شهرين، إذ احتجزت الشرطة القطرية الصحافي الألماني فلوريان باور وفريقه في 25 آذار/ مارس الماضي، أثناء تصويره عمالاً أجانب في مواقع بناء.
انتظرت الحكومة القطريّة مساء أمس الأوّل، لإصدار بيان توضيحي، عبر مسؤول مكتبها الإعلامي سيف آل ثاني، قال فيه إنّ &laqascii117o;فريق &laqascii117o;بي بي سي" حاول الدخول إلى مخيم للعمال ليلاً، من دون انتظار برنامج الجولة التي تقيمها الحكومة، ويكون بذلك اعتدى على أملاك خاصة، ما ينافي القانون في قطر، كما في غالبية الدول". وتابع أن &laqascii117o;مراسل &laqascii117o;بي بي سي" جعل من نفسه القصة الرئيسية، نأمل ألا يكون هذا قصده".
لكنّ الردّ الرسمي القطري، لم يضيّق من رقعة الاهتمام الإعلامي بالقضيّة، إذ استضافت &laqascii117o;بي بي سي" لوبل في حديث عبر الراديو، أكّد فيه أنّه شعر &laqascii117o;بالتهديد" حين علم أنّ الحكومة القطرية كانت تراقب حركاته كافّة وتصوره منذ وصوله إلى الدوحة. ونشرت &laqascii117o;ذا غارديان" سلسلة تقارير حول الموضوع، حمل أحدها عنوان &laqascii117o;جهود العلاقات العامة القطرية حول فضيحة شروط العمل أعطت نتائج عكسية مع اعتقال فريق &laqascii117o;بي بي سي". يسلط المقال الضوء على جهود مؤسسة &laqascii117o;بورتلاند للاتصالات" البريطانية التي بدأت بتقديم خدماتها الاستشارية في مجال العلاقات العامة لقطر قبل عام، لقاء مبالغ مالية ضخمة. يعكس المقال &laqascii117o;زهوَ" الصحيفة البريطانية بالدور الذي لعبته في كشف فضيحة استغلال العمّال الآسيويين والأجانب في قطر، حينما أشارت إلى اعترافات بعض المسؤولين القطريين بأن تحقيقاتها كانت دافعاً لهم من أجل التغيير، وأنها سببت &laqascii117o;كوابيس" لوزير العمل القطري.
وبالتأكيد، تجاهلت قناة &laqascii117o;الجزيرة" الإشارة إلى الفوضى التي أحدثها اعتقال فريق &laqascii117o;بي بي سي"، ما يعكس حذر قطر في التعاطي مع وسائل الإعلام، وخشيتها من حصول أيّ خطأ جديد قد يزيد الوضع سوءاً.
يمكن القول إن الحكومة القطرية كانت مُحقّة في شيء واحد فقط. فالأمر فعلاً لا يتمحوَر حول الصحافيين المعتقلين. بالطبع وسائل الإعلام تركض وراء السبق الصحافي والأخبار المثيرة، وتترك الأبواب المشرّعة وتفضّل الدخول من الشبابيك والأبواب الخلفية. هكذا كانت مهنة الصحافة، وهكذا ستبقى. لكن وبعيداً عن الأهداف المُبطّنة لوسائل الإعلام، كثيراً ما يقع الصحافيون على قصصٍ حقيقية وصادمة، يُراد لها أن تُدفن أو تبقى طي الكتمان. القضية فعلاً ليست الصحافي الذي اعتقل ليومين من دون أن يتعرّض للأذى، بل هي مئات العمال النيباليين الذين لاقوا حتفهم خلال عامي 2013 و2014. هي حكاية الدول فائقة الغنى التي تفضّل أن تدفع مبالغ طائلة من أجل أن تلمّع صورتها عبر أنشطة العلاقات العامة، بدلاً من تأمين ظروف عمل إنسانية أو أجور عادلة للعمال. هي حكاية الملاعب الباذخة التي تُبنى فوق جثث مئات العمال.
المصدر: صحيفة السفير