قضايا وآراء » BBC تكشف بعض أسرار العلويين

يامن صابور
عرضت قناة &laqascii117o;بي بي سي عربي" مساء أمس الأوّل برنامجاً وثائقيّاً من إنتاجها بعنوان &laqascii117o;حديث العلويين". يسعى الوثائقي بحسب ترويج القناة له للإضاءة على المجتمع العلوي وما يميزه من فكر وثقافة وفلسفة غنية ما تزال مجهولة لكثيرين، باستطلاع آراء رجال دين يتحدَّثون أمام الكاميرا لأوَّل مرَّة، وشهادات مثقَّفين في خمس دول مختلفة.
يبدأ البرنامج بعرض أحد أبرز التقاليد السائدة في المجتمع العلوي وهي زيارة المقامات. تصور &laqascii117o;بي بي سي" الإقبال الشعبي على مقام يقع بالقرب من مدينة إنطاكية في عيد الغدير، أحد أهمّ الأعياد لدى الطائفة. يقدم الوثائقي تسلسلاً مختصراً وسريعاً لتاريخ العلويين، وكيف تحصّنوا في جبال الساحل السوري هرباً من الاضطهادات المتتالية في زمن حكم المماليك والعثمانيين، وصولاً إلى زمن الحرب العالميّة الأولى، وانهيار السلطنة العثمانيّة، وانسحابها من سوريا الكبرى، وحلول الانتداب الفرنسي مكانها. يومها قسم الفرنسيون البلاد إلى دول على أسس طائفية، فحصل العلويون على رقعة صغيرة سميت بدولة العلويين. شجَّعت سلطة الانتداب يومها الأقليات على الالتحاق بالجيش لتضمّ صفوفه العلويين والمسيحيين والأرمن والشركس ممّن قادتهم الحرب العالمية الثانية بعيداً عن أراضيهم. ويخبرنا البرنامج أن فرنسا بعد انتهاء الحرب اختارت مدينة مرسيليا كي تكون مستقراً للجنود السوريين المتقاعدين، ويبرز الوثائقي لدى مقابلته أحد أبناء هؤلاء الجنود استمرار ارتباطهم بقراهم البعيدة وتاريخهم المضطرب. وبعد انتهاء الحرب وجلاء الجيوش الفرنسيَّة عن سوريا ونشوء الدولة السوريَّة المستقلَّة، شارك العلويون في بناء الدولة، وانضمّوا بكثافة إلى الأحزاب العلمانيَّة الناشئة.
رافق البرنامج الشيخ ذو الفقار غزال، سليل عائلة رجال الدين العريقة في الساحل السوري، في رحلته الشاقة للوصول إلى تركيا من أجل المشاركة في احتفالات عيد الغدير واللقاء مع الأقرباء ووجوه أخرى من المجتمع العلوي في تركيا. وقابل البرنامج عدداً من السكان من مختلف الأجيال الذين يحافظون على ارتباطهم مع أقربائهم في سوريا، وعلى حنين للماضي يوم كان الجبل ـ رمز ارتباط العلويين بالأرض والتاريخ ـ موحّداً إلى أن قامت فرنسا بسلخ لواء الاسكندرون عن الأرض السوريّة، وقامت تركيا فيما بعد بضمه إلى دولتها الناشئة بعد الحرب. عبّر البعض لكاميرا البرنامج عن خشيتهم من ضياع هويتهم وتراثهم ولغتهم، حيث توجد اليوم فجوة ما بين الأجداد المتكلمين بالعربية والأحفاد المتكلمين بالتركية.
تعرّض الوثائقي أيضاً لإشكاليَّة وصم العلويين بأنهم فرقة باطنية بسبب شحّ المعلومات المتعلّقة بهم وبممارساتهم. دفع كلّ من الشيخ غزال والأكاديمي محمد الأحمد بعدم صحة ذلك الوصف، كون العلويين الذين مزجوا ما بين الدين والفلسفة والطبيعة، اضطروا عبر التاريخ إلى التواري وإخفاء معتقداتهم، مثلهم مثل فرق أخرى، كإخوان الصفا والدروز والاسماعيليين، ممن كانت لهم قراءاتهم الدينية والفكرية الخاصة. وعمد البعض إلى خلط الأساطير بالحقائق وصدرت عدة فتاوى بتكفيرهم من قبل علماء متشددين، ما تسبب بموجة اضطهاد واسعة ضدّهم جعلتهم يلجأون إلى اعتزال الاختلاط وحياة المدن، لعدَّة قرون.
أعطانا وثائقيّ &laqascii117o;بي بي سي" لمحة مضيئة عن إعلام يلتزم دوره في التوعية ونشر المعلومات بدل التحريض الطائفي الذي يسود اليوم الكثير من الشاشات. ولكنّه أغفل الغوص في عمق الإشكاليات، وترك الباب مفتوحاً لبعض الأسئلة من دون إجابات، أو قدم إجابات غير وافية عبر منح المثقفين ممن شاركوا في البرنامج وقتاً قصيراً لمداخلاتهم.
وعد ترويج البرنامج بالكثير، ولكنّه قدَّم القليل عبر عناوين عريضة تناولت مواضيع القيمة الفكرية والروحية لشخص علي بن أبي طالب عند العلويين، وارتباط الدين بالفلسفة والأديان الأخرى ودائرة المقدسات الواسعة عندهم، وتشمل رموزاً إسلامية ومسيحية. وعلى الرغم من محاولة البرنامج الابتعاد عن هموم الحرب، إلا أنّها ألقت بظلالها على عمليّة تصوير البرنامج ذاتها، لتقتصر على علويي إنطاكية ولواء اسكندرون، من دون التطرّق لعلويي الساحل السوري، ضحايا التهديد والتحريض الإعلامي المستمرّين.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد