قضايا وآراء » الجزيرة: قناة داعش عالية الجودة

 


 

علاء حلبي
«المعارضة تسيطر على ثلثي سوريا، والأسد معزول». تحت هذا العنوان عرضت قناة «الجزيرة» القطرية تقريراً إخبارياً أمس الأوّل، ضمن سلسلة تقاريرها المنحازة للفصائل التكفيريّة التي تصنّفها القناة «معارضة سوريّة».
دأبت القناة منذ بداية الأحداث في سوريا على تخصيص معظم مساحة لها للغوص في معظم تفاصيله، تنشر تسجيلات لعنصر «انشقّ من الجيش السوري»، وآخر «انضم للجيش الحر». لكنّ القناة تخلّت قبل أكثر من عام ونصف عن «الجيش الحر»، لينصبّ اهتمامها على «الفصائل الجهادية». هكذا غاب العلم ذو النجمات الثلاث عن شاشتها، وتصدرتها رايات «الجهاد» بألوانها البيضاء والسوداء المشهد.
تحرص «الجزيرة» على اختيار عباراتها بدقّة. فتحت عنوان «المعارضة السوريّة» العريض، تتخلّى عن تسمية «داعش» لمصلحة تسمية «الدولة الإسلامية»، أو «دولة الخلافة». تنفرد بنشر تسجيلات التنظيم أولاً بأول، معيدة للأذهان تغطيتها للحرب في أفغانستان، حين شكّلت منبراً لزعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، الأب الروحي لمعظم التنظيمات المقاتلة على الأرض السورية اليوم.
في التقرير حول سيطرة المعارضة على ثلثي سوريا، توضح معدّته فاطمة التريكي أنّ «للمعارضة ألوانها، فتنظيم الدولة الإسلامية/ دولة الخلافة يسيطر على نصف سوريا، فيما تسيطر بقية الفصائل المنضوية في جيش الفتح على بقية المساحة». تتحاشى القناة ذكر تلك الفصائل التي تقاتل ضمن «جيش الفتح» الذي يقوده تنظيم «جبهة النصرة»، وتقاتل في كنفه تنظيمات قاعدية أخرى منها «حركة أحرار الشام»، و «جند الشام»، وعدة فصائل شيشانية وتركمانستانية.
تتخبط القناة في تقريرها خلال الحديث عن «داعش»، وتمزج بينه وبين الفصائل «المعارضة» الأخرى. تشيد بانتصاره الساحق في تدمر، ثمّ تشير إلى «تحليلات تتحدث عن تراجع النظام أمامه لترك مساحة كبيرة له». تتطرق أيضاً للحدود السورية مع دول الجوار، يزعجها وجود معابر في قبضة الحكومة السورية بين سوريا ولبنان «فالأسد بات معزولاً.. أمامه البحر فقط». نبرة تعيد إلى الأذهان التحليلات القديمة/ الجديدة، حول «خطة تقسيم سوريا»، وتشير إلى أنّ فرار الحكومة السوريّة «من العاصمة السورية إلى اللاذقية»، بات وشيكاً، بحسب خطة التقسيم التي تمثل الفصائل القاعدية رأس حربة تنفيذها.
يحتوي التقرير على أرقام ومعلومات مبهمة، ويحفّز على طرح أسئلة عدّة عن أسباب اختفاء «الجيش الحرّ» من معادلات «الجزيرة» الإخبارية، وسبب اعتمادها المزج بين «داعش» وبقية الفصائل تحت عنوان «المعارضة»، بعدما كانت تعدّ التنظيم «عدوّاً». أسئلة قد لا تحتاج إلى إجابة، فالمتابع للقناة المقرّبة من «القاعدة»، وصاحبة اللقاء الحصري والوحيد مع مؤسس تنظيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني، ومؤسس حركة «أحرار الشام» حسان عبود الذي قتل في إدلب العام الماضي، وهما فرعا القاعدة الشرعيين في سوريا، قد يستنتج الإجابة، خصوصاً إذا تابع برامج القناة المرافقة للنشرات الإخبارية والمليئة بالتحليلات، خصوصاً برنامج «الاتجاه المعاكس» الذي تحول إلى منبر رسمي لبثّ الطائفيّة وتبادل الشتائم والتحريض على قتل الأقليّات.
أعادت «الجزيرة» بثّ التقرير ثلاث مرّات في نشراتها الإخباريّة المتتالية، ونشرته عبر حساباتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لا يعتبر خروجاً عن «مألوف القناة»، بل يجسد بدقة أسلوب عملها. فـ «الجزيرة» تعمل على تضخيم أيّ انتصار للفصائل الجهاديّة التي تتصدر المشهد فعلياً بعد اندثار «الجيش الحر»، لتغدو القناة نسخة محدثة، لقنوات مثل «الوصال»، ولكن بزي رسمي وربطة عنق... ذلك ما يجب أن يوفّر على «داعش» إطلاق قناة رسمية له، فلم الحاجة إلى كلّ تلك التكاليف؟ «الجزيرة» موجودة، وبشاشة عالية الجودة (HD).
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد