لا تستقيم القيم والعادات الا باتباعها من قبل حامليها، فهي الموروث الثقافي الذي يشغل حيزاً مهماً في بنيتهم الفكرية والاجتماعية. من هنا عندما نجد أي تخلف عن الالتزام بهذه القيم إنما يعود إلى أحد أمرين، إما رفض حاملها له او تعرضه لإنقلاب في المفاهيم ما جعل هذه القيم على غير سويتها.
سبب هذا الكلام هو انتشار كل مشتقات الهوية الدينية لليهود على المسلسلات والروايات والمقالات التي تنتجها او تنشرها او تعدها 'النخبة' المالكة لزمام ادوات الرأي العام في العالم العربي هذه الأيام.
سوريا
تكفي متابعة لإعلان مسلسل 'باب الحارة ـ الجزء السابع' على قناة LBCI لتجد 'معتز' ـ شيخ شباب الحارة وعقيدها الذي يتمنطق خنجره كزعيم والمتدين إلى حد الالتزام الكامل ـ  يتمشى في أحد الازقة في حارة لليهود ويرفع رأسه باتجا شباك تقف عليه فتاة حاسرة الرأس تتمايل وترمى لها بهدية ثم تواعده بلقاء ليلي.
وتكتمل القصة باهتزاز شخصية القائد او الزعيم المسلم المتدين وكان التمهيد لهذه العملية جاء عبر فضح زواج والده من ضابط فرنسي امراة تعمل مع المخابرات الفرنسية .
مصر
كذلك في مصر المحروسة تنتشر دعايات مسلسل 'حارة اليهود' الذي نال استحسان الصهاينة في البداية ثم التفتوا إلى ضرورة تغطيته باعتراضات من سفارة الكيان الغاصب في مصر واحتجاجات شكلية على بعض تفاصيله .
رغم أن  صحيفة 'تايم أوف إسرائيل'  رأت أن مسلسل 'حارة اليهود'  يخالف أفكار جميع المسلسلات السابقة التى تحدثت عن الكيان الغاصب بشكل عنصري وسلبي، مقارنة بينه وبين مسلسل 'فارس بلا جواد' التاريخي لعام 2002،  الذى استند على كتاب 'بروتوكولات حكماء صهيون'، موضحة أنه تسبب بسحب سفيرالكيان من القاهرة.
الأردن
أما في الاردن فيتم اليوم الترويج لرواية  طالعتنا صحيفة الحياة بقراءة لرواية لصبحي الفحماوي تحمل عنوان 'صديقتي اليهودية' التي تحكي قصة علاقة قامت بين مسلم عربي ويهودية مكسيكية من أصل ألماني على مدار تسع عشرة وحدة سردية، لكل وحدة تاريخ محدّد تشكل مدة العلاقة التي تحصل فيها الوقائع والذكريات التي تنتهي بلقاء في ليل مظلم ودموع تختلط على وجهين متلاصقين.
في الشكل
لا يمكن ان يتحول المسلم الملتزم بغض الطرف وعدم النظر من وراء الأسوار أو الجدران إلى بصاص نحو الاعالي و'مشربيات' البيوت حتى في حارة لليهود كما في مسلسل 'باب الحارة ـ الجزء السابع'، كذلك فإن الاقتراب من معالجة العلاقات الاجتماعية بطريقة مسلسل 'حارة اليهود' أو بكتابة الروايات مثل 'صديقتي اليهودية' لصبحي الفحماوي إنما تشي بوجود اتجاه يعمل لإعادة دمج لكلمة 'يهود ويهودي ويهودية' بطريقة مغفلة فيتم ترويض الأذن على سماعها، ولاحقا تدخل في سياق الحديث اليومي فتكون طبيعية.
في السياسة
لا مشكلة مع اليهود واليهودية كدين سماوي، لكن المشكلة أننا في ظل إنعدما أفق حل للقطية المركزية للأمة وهي فلسطين.. والطرح القائم على يهودية الدولة هو الحل الوحيد لدى الصهاينة، وبما أن المناعة العربية والاسلامية لديها 'لقاح' ضد هذا التقسيم الديني الموصل إلى تطهير ديني وعرقي من الأراضي المقدسة، لا بد من إيجاد صيغة لتقبل هذه الفكرة في صفوف الرأي العام العربي والإسلامي ربما ونقول ربما يشارك البعض من المثقفين فيها وتحديداً في شهر رمضان المبارد عن غير قصد، أما إن كان يدري فالامر يحتاج إلى هزة اجتماعية تصد هذا الهجوم الملفوف بعباءة الشهر الفضيل.
أسئلة
وكي لا يقال أننا نؤمن بعقلية المؤامرة نسأل:
طيلة الاجزاء السابقة لـ 'باب الحارة' لماذا لم تظهر هذه النزعة الانفتاحية على اليهودية لدى شخصيات المسلسل؟
بل على عكس عملت بعض الحوارات والسلوكيات على ترسيخ مجموعة من القيم قد لا يكون البعض منها من الإسلام في شيء، لكنها شكلت أعرافاً 'شامية' اعتبرها البعض متشددة في حينه وبينهما القناة التي تبث اليوم الجزء السابع.
ثم لماذا يعمل المنتج المصري على مسلسل مختص بحارة اليهود فيما تصر كل السياقات السابقة على اظهارهم كجزء من نسيج الشعب المصري ولا يختلف عن المسلمين او الاقباط في شيء. من أين جاءت هذه الخصوصية هذا العام.
ويستعرض المسلسل قصة الحب التي تجمع ما بين الفتاة اليهودية المصرية 'ليلى'، وضابط الجيش المصري المسلم 'علي'، وتلقي الضوء على علاقة اليهود بالمصريين، وهي التي أظهرها الكاتب بشكل فيه مودة وحب متبادل.
أما في الأردن فرواية صبحي الفحماوي فتفتح تفاصيل الايام التسعة عشر التي قضاها الرواي مع صديقته الابواب مشرعة 'على وعي مسكون بثلاثة آلاف عام من الاضطهاد والتشرّد، يرى في البواخر معتقلات سابحة، وسجونًا متحرّكة، وأماكن للبغاء والاغتصاب والمخدّرات، ووعي عربي مسكون بعقدة الاضطهاد الأوروبي وبالإحساس بالظلم، يرى في البواخر التي تحمل المهاجرين اليهود والمجنّدين إلى فلسطين أحصنة طروادة لاحتلالها. غير أن هذه المواجهة بين الوعيين لا تلتقي عند كره البواخر وحسب، بل تتقاطع في غير محطة إنسانية، ما تعبّر عنه يائيل بالقول: &laqascii117o;رغم وجهتَيْ نظرنا غير المتطابقتين في أشياء كثيرة، إلاّ أن عذابات هجراتنا مشتركة'. هذكا يكتب سلمان زين الدين في الحياة قارئاً في تفاصيلها.
في النماذج الثلاث القاسم المشترك للحباكات هو الحب بين اليهودية والمسلم.. هل هو توارد أفكار جاء في مرحلة واحدة وفي فترة زمنية واحدة..
ولاحظوا يا سادة: سوريا، مصر والاردن.
الدول الثلاث التي اعُتبرت دول المواجهة او دول الطوق مع لبنان للكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين، هذه هي ثقافتها في شهر رمضان المبارك.
لسنا مهجوسين بعقيلة المؤامرة لكنها الحرب الناعمة التي ينفذها الوكيل نيابة عن الأصيل كون الاختراق يكون أسهل وعبر ادوات معرفية لا تنفر المتلقي.
من يواجه هو السؤال أما الأدوات فكثيرة وكثيرة جداً.. أولها الصوم على المفطرات من المسلسلات.