القطيف - نداء آل سيف
أكد مثقفون أن العلاقة بين الصحافة والمثقف تشوبها الكثير من الخلل والتوتر، مشيرين إلى الحاجة إلى إعادة بناء علاقة من جديد تقوم على التكافؤ من دون إلحاق الضرر بأحد الطرفين. واتهم هؤلاء، في استطلاع لـ&laqascii117o;الحياة"، بعض الصحف في تحويل العلاقة مع المثقف من المركزية داخل عالم الصحافة في العالم، إلى شيء ثانوي تفوقه الإعلانات والأخبار، قيمة وحضوراً وأولوية.
وقال الدكتور زيد الفضيل إن الصحافة مثلت بما قدمته من معرفة رشيدة، خلال مختلف العقود الماضية، السبيل الأمثل لتشكيل حركة وعي الفرد المجتمع، &laqascii117o;بل كانت مستودع العقل والوجدان العربي"، منوهاً إلى أنه شارك فيها كتابة وتفاعلاً &laqascii117o;كثيراً من مثقفي أمتنا العربية على طول امتداد خريطتنا الجغرافية".
وأضاف أنه خلال تلك العقود المشار إليها كانت الصحافة في خدمة المثقف، &laqascii117o;وكانت لا تقبل كاتباً فيها إلا من بلغ شأناً كبيراً في عالم المعرفة، حتى لا تخسر قيمتها ويذبل متابعوها، كما حرص رؤساء تحريرها على استقطاب البارزين في الشأن المعرفي بوجه عام على صعيد مختلف الحقول.
أما اليوم فأتصور أن الأمر بات مختلفاً عما كان، إذ ذبلت الصحافة من ناحية كونها مصدراً معرفياً، ليس لتوسع مسارات المعرفة كما يقال، وإن كان ذلك سبباً وجيهاً، وإنما من جراء تناقص الاهتمام بالشأن القرائي بوجه عام، علاوة على انعدام معايير الكتابة الصحافية في صحف عدة".
وأكد الفضيل أن الأخطر شأناً، &laqascii117o;حين تتحول الصحافة من مُوجِّه للمعرفة الرشيدة التي تتميز بمتانة أسلوبها ودقة تعبيراتها ونضج تحليلها وصدق خبرها، إلى مُستقبلة وعاكسة لواقع المجتمع وطبيعته"، موضحاً أن هذا مكمن الخطورة &laqascii117o;التي سيكون لها أثرها السلبي في مختلف أجيالنا المعاصرة، وعلى طبيعة تكويننا المعرفي في مقبل الأيام، وهو ما صار واضحاً في شكل حركية التبادل الكتابي على شبكات التواصل الاجتماعي، وبخاصة مجموعات &laqascii117o;واتسآب"، التي عكست حالة الخواء الذهني، وكشفت حجم الفقر المعرفي عند كثير من المنتمين إلى الحقل الثقافي والمعرفي بوجه عام". ولفت إلى أن الصحافة تكون مضرة بالمثقف والكاتب في شكل عام، &laqascii117o;حين تصبح الصحافة بهذا الحال، فتحمل مضامين موتها معها.
وتكون مضرة بالمثقف الحقيقي جنساً ومضموناً، إذ لن يستشعر معها ذاته، إن لم تهلكه بمتطلباتها البسيطة، وتصبح عبئاً عليه، والأدهى حين يمتد ضررها إلى تلك النطفة الجنينية البازغة في عالم الثقافة، التي بدل أن تجد ملاذاً يطور من ملكاتها ومعارفها، تواجه واقعاً يساعد على كبت مهاراتها وتشويهه بما ينشر من صور أدبية غير بليغة ولا ترقى للنشر المعرفي". وقال إن العلاقة بين المثقف والصحافة، &laqascii117o;ظلت علاقة تحكمها متغيرات كثيرة، فليست عملية التوافق بينهما دائماً تحدث في المستوى نفسه من التكافؤ"، معللاً السبب أن المثقف الحقيقي دائماً يهمه أحداث التغيير وتعزيز الوعي، وتوجيه المجتمع نحو الاستثمار الأمثل في طاقاته ومقوماته التنموية.
وبين أن المثقف دائماً ما يعاني من الصحافة، &laqascii117o;كونها في أحيان كثيرة تصبح غير قادرة على إيصال الرسالة الصحيحة للمجتمع، وفي الوقت نفسه قد تضع الصحافة الكثير من القيود على المثقف وبخاصة الخطوط الحمراء حول ما يكتب وكيفية إيصال رسائله"، مشيراً إلى أن العلاقة في حقيقتها تمر في عمليات كر وفر متبادل، &laqascii117o;ولكن في النهاية لابد من معرفة أن الصحافة والمثقف لا يمكن أن يستغني أحدهما عن الآخر، ودائماً ما يكون الهم الوطني منطقة مشتركة بينهما تمنح الاثنين فرصة لإظهار المزيد من التعاون والتشارك في سبيل تطور الوطن ونموه". وأوضح الكاتب الصحافي الدكتور علي الخشيبان أن السؤال عن العلاقة بين المثقف والصحافة &laqascii117o;سؤال مهم وكبير وضروري في هذه المرحلة، ويحتاج إلى تفكير ودراسة ومساحة كبيرة"، لافتاً إلى أن الحاجة إلى إعادة العلاقة بينهما من جديد، &laqascii117o;فالمثقف تحولت علاقته من المركزية داخل عالم الصحافة في العالم، إلى شيء ثانوي تفوقه الإعلانات والأخبار، قيمة وحضور وأولوية. وهذه الحال تنسحب على الثقافة قبل المثقف. وهذه أزمة حقيقية". وقال إن بعض المثقفين &laqascii117o;يعتقدون بأن الصحافة لا تخدم الثقافة ولا المثقف، بحكم أن المشروع الثقافي للمثقف أكبر من أن تحتويه الصحف اليومية وأنها تشتته، مضيفاً: &laqascii117o;وهذا رأي فيه نسبة من الصحة إلى حد ما. وإن كنت لا أميل إلى هذا الرأي". وأفاد بأن العلاقة بين الصحافة والمثقف &laqascii117o;أصبحت غير متكافئة بحكم اختلاف الأولويات بين الصحافة والمثقفين، وبات لكل صحيفة طابع معين مختلف عن الصحف الأخرى"، لافتاً إلى أن الصحافة تكون مضرة بالمثقف والكاتب في شكل عام، &laqascii117o;حينما لا تقدم المضمون الذي يخدم الثقافة والمجتمع، ويتحول جل تركيزها تناول المواضيع الفرعية التي لا تحتل الأولوية ولا تعالج الإشكاليات الثقافية التي تخدم الإنسان، ولا تعطي المثقف الأولوية في الطرح". وأوضح الخشيبان أن من يتابع حركة الصحافة في الوطن العربي &laqascii117o;يجد أنها مختلفة ومتفاوتة في ترتيب الأولويات والالتزام بالمبادئ والقيم".
وأكدت الشاعرة هند المطيري أن المثقف والصحافة قطبان متنافران، &laqascii117o;لا الصحافة تصل إلى المثقف ولا المثقف يصل إلى الصحافة"، موضحة أن الصحافة &laqascii117o;تريد مثقفاً تصنعه وتقولبه وتستثمره في مصلحتها، فيعيش مخلداً لتوجهاتها، متغنياً بإبداعاتها التي قد لا يبصرها غيره". وقالت إن المثقف المختلف &laqascii117o;الذي لم تصنعه الصحف" يعيش بعيداً من الصحافة، التي لا تمد له يداً ولا تقبل منه رأياً".
وقالت: &laqascii117o;كم من مثقف مبدع يكتب باقتدار حول قضايا المجتمع والفكر والسياسة، لكنه لا يجد من الصحافة قبولاً، لأنها باختصار اختارت من تريد أن يكتب فيها ولها وعنها، وكم من صحيفة ماتت في قلوب الناس؛ لأنهم يدركون حجم التصنع الذي يظهره كتابها، باصطناع أفكارها"، موضحة أن الصحف لا تريد المثقف، هي فقط تبحث عن المحرر الذي يكتب ولا يفكر، لذا يعيش كثير من المثقفين الحقيقيين بعيداً عن مناقع الصحف وبلاقع الصحافة".
وطرح الكاتب عبدالله العتيق عدداً من الأسئلة، منها: هل المثقف في حاجة إلى صحافة؟ وهل يقبل بأي صحافة؟ هل الصحافة في حاجة إلى المثقف؟ وهل تريد المثقف مثقفاً ينشر من خلالها الثقافة أم تريده ناطقاً عنها موافقاً لها؟
وذكر أن كليهما غني عن الآخر، &laqascii117o;وفي الوقت نفسه كلاهما لا يريد الآخر، المثقف في حاجة إلى صحافة تنشر ثقافته وفكره، والصحافة في حاجة إليه ليثريها بما لديه من أطروحات، تواكب أحداث وقتها. لكنهما في الحين نفسه كأنهما لا يريدان بعضهما بعضاً".
وأفاد بأن غالبية المثقفين لا ينظر إلى الإنتاج الصحافي، على أنه إنتاج يثريه ويعليه ويُشهره، &laqascii117o;لذلك فهو يزهد فيها. فالصحافة لا تريد المثقف لكونه مثقفاً، بل تريده كاتباً فيها لها، لذلك فهي تضع عليه بعضاً من الرقابة، و&laqascii117o;مقص الرقيب" يطول كثيراً مما يكتبه المثقفون". ولفت إلى أن التكافؤ بين المثقف وبين الصحافة غائب، &laqascii117o;فكلاهما يعتبر نفسه رأساً لن يرضخ للآخر، في حال ينبغي لهما أن يكونا خادمين للثقافة التي ينتميان إليها". ووجّه العتيق تساؤلات إلى كل من المثقف والصحافة عن الثقافة التي ينتميان إليها: ما هي؟ وما رسالتهما فيها؟ وما رؤيتهما من خلالها؟ وما ثقافتهم الخاصة التي يحملانها للعقل الإنساني؟ &laqascii117o;عندها سنعرف مدى العلاقة بينهما، وهل هي في تكافؤ أم لا، وهل ستكون مستقبلاً؟".
المصدر: صحيفة الحياة