قضايا وآراء » الشاشات الخليجيّة متّشحة بالسواد: حدادٌ وعزم

يامن صابور
ليست الحرب بنزهة هينة على الجبهة؛ حقيقة باتت معروفة للجميع، بدأت دول الخليج العربي حديثاً بالتوثق منها بالطريقة الصعبة، بعد خسارة الإمارات لخمس وأربعين جندياً، والبحرين لخمسة، بفعل انفجار في مأرب، سبّبه صاروخ أطلقه الحوثيون واستهدف مخازن ذخيرة الجيش الإماراتي هناك. صدمة تلقاها الإعلام الخليجي الغريب عن أخبار محلية مماثلة، فتعامل معها بالسواد والحداد بداية، ليحوّلها لاحقاً إلى طاقة دفع للتوغل أبعد في مستنقعات الحرب وخسائرها.
حداد رسمي ساد الإمارات وشاشات المؤسسات الإعلامية فيها، إذ أخذت تبثّ آيات من القرآن الكريم ونشرات إخبارية فقط، مع إعلان يوم 30 تشرين الثاني من كل عام، يوماً وطنياً للشهيد.
اتشحت المذيعات بالسواد على معظم الشاشات الخليجية وحل الخطاب المسجوع والشعري المليء بصور التضحية المبذولة من أجل بناء الأوطان، والشجاعة في التصدي للأخطار، محل المسلسلات والأفلام وبرامج المسابقات والتسلية. خطاب لم يكن يوماً مألوفاً على شاشات لطالما روجت للترفيه والسياحة و &laqascii117o;البزنس". واكبت شاشات مؤسسة دبي الإعلامية وتلفزيون أبو ظبي وصول جثامين &laqascii117o;جنود الإمارات البواسل"، وبثّت الكلمات التأبينية، وتابعت اتصالات التعزية والمؤازرة التي يتلقاها حكام البلاد من طرف رؤساء وزعماء العالم.
من جهتها، تعاملت المحطات الإخبارية: &laqascii117o;الجزيرة" والعربية" مثالاً، مع صدمة الأخبار الأولى لخسائر بشرية في صفوف جيوش، من خلال عكسها وتحويلها عبر بروباغندا منظمة، إلى حالة من العنفوان الوطني والإرادة الصلبة في مواجهة المخاطر الخارجية، بحسب التقارير الإخباريّة العديدة التي عرضتها المحطتان. وأجمعت المداخلات التلفزيونيَّة التي أجرتها المحطتان مع المسؤولين والصحافيين في الإمارات، ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، على تصميم إماراتي وبحريني على &laqascii117o;المضي قدماً حتى عودة الشرعية إلى اليمن"، وأن &laqascii117o;الأولويات ثابتة ولا تتغير في مواجهة التهديدات"، وأن الهدف هو &laqascii117o;تحرير اليمن وتطهيره." ودعا البعض إلى عدم استخدام مصطلح &laqascii117o;خسائر" فهؤلاء الجنود هم &laqascii117o;رايات مضيئة" للأجيال القادمة وللمستقبل المشرق. وتم إبراز خبر إرسال ألفٍ من القوات المسلحة القطرية إلى اليمن، من أجل تعزيز قوات التحالف هناك، في كل نشرة إخبارية. كما حصلت زيارات كل من الشيخين محمد بن راشد ومحمد بن زايد إلى مجالس العزاء على تغطية إعلامية مكثفة، وتحولت خيم العزاء هذه بحسب &laqascii117o;العربية" لاجتماعات للفرح والفخر والاعتزاز مع إلقاء الشعر الحماسي. وأجرت القناة مقابلات مع جرحى ومصابي الإمارات الناجين من انفجار مأرب، أكدوا فيها عزمهم على العودة إلى اليمن بعد تعافيهم، وأبدوا أسفهم لعدم استشهادهم مع باقي الرفاق.
تترجم تلك التغطية الإعلامية المحمومة، توجّهاً جديداً ناشئاً في دول الخليج عامّة، يسعى إلى نشر ثقافة العسكرة في مجتمعات اعتادت العيش في كنف دول ريعية تؤمن احتياجات مواطنيها ورفاهيتهم. ولا يشكل برنامج &laqascii117o;حياتي والعسكرية" الذي يعرض على شاشة تلفزيون &laqascii117o;أبو ظبي" سوى الشاهد الأبرز على هذا التوجه في تمجيد مستجدّ للحياة العسكرية وشخوصها، وفي بثّ الرغبة بين الشبان من أجل الالتحاق بصفوف القوات المسلحة والخدمة فيها.
قرّر إعلام الخليج فجأة، استعارة خطاب دول المواجهة العربية التي اختبرت الحرب مع إسرائيل والإرهاب، وأخذ يعلي قيم الشهادة، ورفض منطق الانهزام والتخاذل، أمام أعداد الضحايا على جبهات الحرب العبثية في اليمن.
وبعيداً عن الخسائر البليغة في الأرواح والممتلكات، تشكل هذه التوجهات الإعلاميّة والحروب المختلقة، دعاية نشطة لتجارة السلاح لدى دول تمتلك الكثير من المال، وتكدس الكثير من السلاح غير المستخدم. وإذا ما تمّ تحييد خطر صدام حسين وجيش العراق بعد حرب الكويت، فتجار السلاح والدم لديهم &laqascii117o;بعبع" جاهز على الدوام للاستخدام؛ فمن الأخطار الإقليمية إلى التهديدات الإرهابية، أصبح للدول الخليجية برامج عسكريّة تستلزم الكثير من الإنفاق، والكثير الأكثر من الخسائر... وبالطبع، مشهد إعلاميّ جديد.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد