نور أبو فرّاج
تقدّم بعض وسائل الإعلام صورةً عن أوروبا بوصفها &laqascii117o;القارة المضيافة" التي تفتح أبوابها للهاربين من الديكتاتوريات والفصائل الإسلامية، ما يكبّدها أعباء اقتصاديّة واجتماعيّة، تهدِّد رفاهها ونسيجها الاجتماعي. بالنظر إلى سجل الإعلام الأسود في المتاجرة بالقضايا الإنسانية، لخدمة أغراض سياسية أو اقتصادية، لا بد من السؤال عن أبعاد الاهتمام الإعلامي المكثّف بقضايا اللاجئين، بعد سنوات من غياب قوارب المهاجرين في البحر عن أغلفة الصحف، وعناوين نشرات الأخبار.
تظهر الإحصاءات أنّ القارّة العجوز تشهد توافداً غير مسبوق من الناحية العدديّة للاجئين، إلا أنّ المعالجات الإعلاميَّة تجاهلت لأشهر بوادر الأزمة. وبعدما تفاقمت موجات الهجرة الآن، ووصلت إلى حدّ مأساوي، نجد الإعلام مكتفياً باتباع نمط تغطية &laqascii117o;إنسانويّ"، من خلال عرض آلاف الصور من مخيمات اللجوء، وقوارب النجاة والقطارات والغابات... وبين هذا الكمّ الكبير من العرض للأحوال الإنسانيّة، قد يخيّل أنّ صحوة ضميريّة مفاجئة تهزّ بعض الصحف ووسائل الإعلام الأشدّ عنصريّة. في المقابل، قد تقع على عددٍ متواضع من التحليلات لـ &laqascii117o;إيجابيّات" اللجوء بالنسبة لأوروبا، كما في مقال نشرته &laqascii117o;ذا غارديان" بقلم لوسي بي ماركوس وحمل عنوان: &laqascii117o;أزمة اللجوء إلى أوروبا فرصة كبيرة للبزنس" (11/9). يستعرض المقال بعض منافع استضافة اللاجئين على المدى البعيد، إذ تكتب ماركوس: &laqascii117o;غالباً يكون اللاجئون إلى أوروبا شباناً، متعلّمين، يمتلكون مهارات، ومستعدين للاندماج سريعاً في المجتمع. هم الترياق لشيخوخة السكان وانخفاض معدلات الولادة. ويأتي الكثيرون منهم مستعدين للعمل". تتحدَّث الكاتبة عن أن الكثير من اللاجئين سيعودون يوماً إلى موطنهم، حيث سيساهمون في إعادة بنائه، مع الإبقاء على روابط وطيدة بالبلدان التي قدَّمت لهم الملجأ. وتستطرد: &laqascii117o;لا ينبغي الاستخفاف بأهميّة هذا الاستثمار في عملية البناء المستقبلي للدول، إضافةً للعلاقات الاقتصاديّة، بالرغم من أنّ العائد قد يبدو بعيداً الآن. فالاستثمار في اللاجئين اليوم قد يحدث كل الفرق في بناء شركاء تجاريين مستقبليين أقوياء".
إلى جانب المنافع الاقتصادية التي يبدو أن ملاحظتها أيسر، هناك مكاسب سياسيَّة تحققها أوروبا من استقبال اللاجئين، إلا أنّنا نكاد لا نعثر على ذكرٍ لها في وسائل الإعلام، مع إصرار بعض المنابر على الترويج لفكرة أنّ أوروبا تفتح ذراعيها للاجئين &laqascii117o;لوجه الله". لكنّ بعض التحليلات الإعلاميّة تشذّ عن ذلك الطرح، مقدّمة فرضيّة أنّ فتح الباب لطالبي اللجوء والمهاجرين يأتي ضمن إستراتيجيّة تقوم على محاولة توليد &laqascii117o;عامل توتّر في الداخل الأوروبي"، لإنتاج صراعات قد تأخذ في ما بعد شكلاً عنصريّاً أو قوميّاً، بغية تنفيس الأزمات الاقتصاديّة الخانقة. تلك الفرضيات &laqascii117o;مجردة" ولا يمكن قراءتها بالخط العريض على صفحات الجرائد، لكنّها تنعكس ضمنياً في اختيار بعض أولويّات النشر. على سبيل المثال، تحوّل الاهتمام على مدى أيّام من معابر اللجوء السريّة، إلى قصّة إخباريّة أخرى، ترتبط بالمصوّرة الهنغاريّة بترا لازسلو التي عرقلت لاجئاً سورياً يحمل طفلاً بينما كان يركض هرباً من الشرطة. وبين الشاجبين لما قامت به لازسلو، وبعض من حاولوا &laqascii117o;تلطيف" فعلتها، كرّس الاهتمام الإعلامي المكثّف بها صورة أوروبا غير المتسامحة، والغارقة في الكراهيّة، وغير المضيافة البتّة.
وفي سياقٍ متصل، قوبل مقطع فيديو صوّر خلسة في أحد المخيمات التي تستقبل المهاجرين على الحدود الصربية، بالكثير من الاستنكار من قبل &laqascii117o;فايس نيوز" و &laqascii117o;ذا غارديان" وغيرهما من المنابر الإعلامية (11/9). وفي الشريط نرى رجال الشرطة الهنغارية يرمون الطعام للمهاجرين بصورة تنطوي على إهانة، وتقارب الطريقة التي يقدم فيها الطعام &laqascii117o;للحيوانات"، وفق رأي البعض. وكان المقطع قد صوّر من قبل زوجة السياسي الأسترالي ألكسندر سبريتزندورفر، وبثّ على &laqascii117o;يوتيوب"، لتبادر الشرطة الهنغارية إلى فتح تحقيق في الموضوع.
تقدم الأمثلة السابقة مؤشراتٍ على أن الإعلام قد يصوّب اهتمامه في المستقبل القريب نحو أحداث عنفٍ بين مهاجرين عرب ومسلمين، وبين متطرفين ومتشدّدين أوروبيين، بذات الطريقة التي كان يتمّ الترويج بها لأحداث عنف عنصرية يذهب ضحيّتها شبان سود البشرة في الولايات المتحدة. فمع أنّ تلك الأحداث تقع كلّ يوم تقريباً، ومن الصعب إحصاؤها، إلا أنّ تسليط الضوء على بعضها يأتي انتقائياً.
يتفاوت اهتمام الإعلام بملفّ اللاجئين الإنساني، مع توظيفه سياسياً بشكل واضح، في الصراعات الانتخابيّة في بريطانيا وفرنسا خصوصاً. فمع تزايد وصول المهاجرين إلى شواطئ أوروبا، وما يتعرّضون له من تنكيل على سكك الحديد وفي الغابات، ومع وحشيّة التعاطي معهم من قبل بعض عناصر الشركة خصوصاً في هنغاريا، تنوّعت مستويات التغطية الإخباريّة، لكنّها لم تخض في أبعاد الأزمة المعقّدة، بل انصبّت على الشعور بالشفقة تجاه صور اللاجئين الذين يصلون إلى الشطآن أو يموتون غرقاً من دون أن تكتب لهم النجاة. ومع حصر الاهتمام الإعلامي باتجاه وحيد، من المبرّر السؤال عمّا ستخلّفه هذه التغطية، وما أجنداتها المستقبليّة، وكيف ستنعكس سياسياً على ملفّ بهذه الصعوبة والتعقيد.
المصدر: صحيفة السفير