قضايا وآراء » إعلام الوقت الضائع

ماجدة موريس
حال فريدة يعيشها الإعــــلام المصـري الآن بعد إقالة وزارة إبراهيم محلب، وانتظار تشكيل وزارة جديدة برئاسة شريف إسماعيل، ويمكن تلخيصها في أن الوقت ما بين إقالة (أو استقالة) وزارة بكاملها وانتظار وزارة أخرى هو وقت ضائع على الجميع، الحكومةِ والمواطنين والدولة كلها، إذ لا يمكن اتخاذ قرارات مهمة فيه ولا الحسم في أي قضية. وهو ما أوقع الإعلام والإعلاميين في حيرة بالغة وأصاب برامجهم بفقر واضح لاستبعادهم (نجوم الصف الأول)، أي الوزراء كمتحدثين في الاستوديو وعبر الهاتف، وبالتالي إثبات قوة هذا الإعلامي أو ذاك وبرنامجه وقناته. وبالطبع أيضاً فإنّ وقت الانتظار بين وزارتين كان سبباً في الاتجاه إلى التركيز على القضايا الأكثر إثارة، ومنها ما كان سبباً مباشراً لإقالة الوزارة مثل قضية فساد وزير الزراعة السابق والتي انتهت بالقبض عليه، غير أن قراراً بحظر النشر في القضية أضاع من يد الإعلام هذه &laqascii117o;الوجبة الشهية" التي تتيح فرصاً واسعة للبحث في ملفات جديدة وقديمة.

جاء حظر النشر ليضيف إلى متاعب الإعلام، عبئاً جديداً هو البحث عن التغطيات الملائمة لوقت لا يعرف أحد متى ينتهي وتتوقف فيه قرارات 36 وزيراً ورئيسهم، ثم قضايا كبرى حظر القضاء النشر فيها. وهنا أدرك الإعلاميون أن الناس هم ثروتهم الباقية سواء كانوا الخبراء والمتخصصين في القضايا التي لا تذهب أهميتها، مثل قضايا التعليم والصحة وغلاء الأسعار، أم المواطنين العاديين الذين أصبحوا هدفاً لقنوات التلفزيون، يومياً، ترسل إليهم بعثاتهم في الشوارع لتسألهم عن آرائهم في أداء الحكومة المقالة، ثم يتطور السؤال إلى الوزراء الذين يعتقد المواطن أنهم يستحقون البقاء من الوزارة السابقة، وفي اليوم التالي يصبح السؤال أكثر مباشرة: ماذا تريد من الحكومة الجديدة حال تشكيلها؟ والحقيقة أن إجابات الكثير من المواطنين جاءت لافتة في الاتفاق على خمسة وزراء لا أكثر باعتبارهم قدموا إنجازات ملموسة (الكهرباء والتموين)، وبين استفتاء وآخر، يذهب الخبراء إلى الاستديوات لتحليل أداء الحكومة السابقة، (والتي ما زالت موجودة من أجل تسيير الأعمال) وتقديم أداء آخر مدعم بالأرقام والحسابات والنظريات لما فعلته الوزارة من أخطاء، بل يتجاوز الخبراء هذا إلى الدخول في سياقات أيديولوجية حول الصراع بين فكر الرأسمالية المتوحشة وسياسات الاقتصاد الداعمة للفقراء.

وهكذا أصبح الوقت الضائع فرصة لتسليط الأضواء على سياسات نخبة مارست القيادة، في وقت صعب. وهو اهتمام إعلامي ربما لن تحظى به الحكومة الجديدة التي سوف تعلن بعد أيام. ولكن، من المؤكد أن الالتفات الإعلامي الكامل للأسماء الجديدة فيها ومحاولات البحث عن تاريخها وخفاياها مع ارتفاع الحاجة إلى اتخاذ قرارات جديدة ينتظرها الناس سوف تعيد السباق الإعلامي إلى حاله المعهودة من التنافس والرغبة في الاستئثار بأصحاب القرار. فالإعلام يعتبر نفسه الآن جزءاً مهماً في صناعة السياسة، وفي توجيه الحكومة، وفي اختراع قضايا وهمية إذا لم يجد القضايا الحقيقية.
المصدر: صحيفة الحياة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد