قضايا وآراء » هموم البشريّة حين تختصرها الإعلانات

نور أبو فرّاج
يرى البعض في الإعلانات مقياساً يعكس جزءاً من حاجات جمهور المستهلكين الذين تستهدفهم، فيما يرى آخرون أن الحاجات الحقيقية والجوهرية للناس حول العالم في وادٍ، والإعلانات في وادٍ آخر تماماً، خصوصاً حين يحاول المعلنون، معتمدين على أكبر درجة ممكنة من الإبداع وخفة الدم، خلق حاجات ثانوية، وإقناع العالم بأن الحياة لا يمكن أن تستمر من دون إشباعها.
في إعلان طريف انتشر خلال الأيّام الماضية، تحاول وكالة السفر الدنماركيّة &laqascii117o;سبيز ترافل" إقناع الدنماركيين بممارسة المزيد من الجنس بغية إنجاب الأطفال ورفع معدل الولادات في البلاد، في شريط يجمع بين الاستطلاعات والدراسات الاجتماعيّة، والتحفيز للسفر (2:29). فالمزيد من الرحلات الرومانسية، تساهم في تحفيز الرغبة.
يبدأ الإعلان بالحديث عن أن نظام الرفاهة في الدنمارك يتعرض لضغط شديد نتيجة كهولة المجتمع وانخفاض معدّل الولادات. وهو الأمر الذي يُقلق المجتمع ككل، وتحديداً الأمهات اللواتي لم يختبرن شعور رؤية أحفادهنّ. ولأنّ الأمهات لا يستطعن دفع أبنائهنّ لممارسة الجنس والإنجاب بحسب الإعلان، فهنّ قادرات على الأقلّ على تهيئة &laqascii117o;الجو الرومانسي" المناسب لذلك، عبر إرسال أبنائهم للقيام برحلات مشمسة تتخللها ممارسة التمارين الرياضية والسباحة. يتوجه الإعلان بحديثه للأمهات فيدعوهن لإرسال أبنائهن للرحلة المناسبة، كي يحصلن على الحفيد الذي يردنه. ينتهي الإعلان بمشهد ساخر لمئات الأمهات اللواتي يلوّحن مودّعات طيارة تحلّق في الجو، ويتبع ذلك بشعار الحملة &laqascii117o;افعلها من أجل الدنمارك، افعلها من أجل الأمّهات".
وللمفارقة، فإنّ هذا الإعلان يأتي بعد إعلانات نشرتها الدنمارك في صحف لبنانيّة باللغتين العربيّة والانكليزيّة، تهدّد المهاجرين السوريين بالسجن، إن حاولوا العبور إلى أراضيها. مع العلم أنّ دراسات عدّة نشرت في الصحف الأوروبيّة خلال الأسابيع الماضية، أشارت إلى أنّ اللاجئين قد يكونون خشبة الخلاص المنتظرة للدول التي تعاني من معدّلات شيخوخة مرتفعة، وأنّهم قد يساهمون في رفع نسب الإنجاب. وبذلك فإنّ إعلان وكالة السفر يظهر حاجة الدنمارك إلى دماء شابّة، شرط أن تكون &laqascii117o;نقيّة"، أي دنماركيّة حصراً.
في سياق آخر، تعكس سلسلة الإعلانات الجديدة لسيارة شيفروليه، المدى الذي وصل إليه المستهلك الأميركي أو الغربي، في هوسه بالتكنولوجيا، بعدما أمست في قمة هرم حاجاته. في إعلان ضمن سلسلة مؤلفة من ثمانية إعلانات جديدة، يتم خداع عدد من الأشخاص، بعد دعوتهم للمشاركة في مجموعات تجريبية ضمن أبحاث للتسويق. وهناك يطلب من المشاركين تسليم هواتفهم المحمولة للشخص الذي يدير الجلسة. وبحركة مفاجئة توضع الهواتف في &laqascii117o;آلة فرم" تحطّمها إلى أجزاء صغيرة، على مرأى من أصحابها المندهشين والذين يصرخون محاولين حماية هواتفهم. يسأل الباحث المزيّف بعد ذلك المشاركين، عن مشاعرهم إزاء فقدانهم للاتصال مع العالم. ليزّف لهم في ما بعد &laqascii117o;الخبر السعيد"، بأن هواتفهم ما تزال سالمة. ثم يكشف بعد ذلك عن سيارة شيفروليه الجديدة المزودة بالجيل الرابع من تغطية شبكة الإنترنت &laqascii117o;كي لا يفقد المرء الاتصال بالإنترنت حتى ولو لحظة واحدة".
وفي إعلان جديد آخر لمستحضرات التجميل &laqascii117o;دوف"، تكمل العلامة التجارية المشروع الذي بدأته حول رفع تقدير النساء لذواتهن، وتغيير صورتهن السلبية إزاء أجسادهن ومظهرهن الخارجي. إعلان دوف الجديد يستهدف هذه المرة المراهقات في محاولةٍ لتعديل مواقفهن إزاء مظهرهن. في الشريط نرى أن الفتيات الطويلات يتمنيّن لو كنّ أقصر قامة. ذوات الشعر المجعّد يردن شعراً مسترسلاً وأملس. صاحبات البشرة الداكنة يرغبن ببشرة فاتحة. الفتيات اللواتي يمتلكن بشرة بيضاء يغطيها النمش يتقن لبشرة قاتمة. كما لو أن جميع المراهقات تشتركن بذات الهواجس، وكل واحدة منهن تمتلك ما قد ترغب به الأخرى.
في المحصّلة قد يكون من العبث السؤال إن كانت الإعلانات، على تنوعها، تعكس حاجات مجتمعها، أو تؤمن صورة دقيقة عن هواجس ومخاوف الأفراد ضمن ظروفٍ اجتماعية واقتصادية وثقافية مختلفة. قد يكون الخوف الأكبر عند البعض، فقدان إشارة تغطية الإنترنت. ويكون إنجاب الأطفال في مجتمع آخر الأولوية الأولى لبلادٍ تشيخ دون دماء جديدة. قد يكون المظهر الخارجي وعدم الرضا عن الذات مصدر القلق الأكبر لفئة أخرى. بكل الحالات، يكون الحل كما تقترحه الإعلانات، تذكرة طائرة أو صابونة أو سيارة.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد