القاهرة ـ أمينة خيري
علا الصراخ الحقوقي وانتفض الصياح الحُريّاتي ومعهما الحراك الشعبي، حين تفجّرت رياح &laqascii117o;الربيع العربي" محفّزة بطوفان الشبكة العنكبوتيّة، كي تعلن غضبة كبرى على المنطقة العربيّة. إذ اختلط في المنطقة حابل القهر والظلم والفساد بنابل الشرق الأوسط الجديد، في عبوة ناسفة متقدّمة الصنع، وسريعة الإيقاع، ومتوغلة الانتشار، ومنخفضة التكلفة، ونافذة الأثر. كانت دقة فأرة كفيلة بنشر خبر (أو إشاعة) وتنبيه المواطنين الأبرياء (أو المنتفعين المجرمين)، ونشر قيم المعرفة والحق والخير (أو التجهيل والظلم والشر)، وإعلان المسؤوليّة عن إنجاز (أو تفجير أو ذبح أو تفخيخ)!
غالبية التفجيرات ونشاطات الذبح والتفخيخ التي يعجّ بها العالم العربي، تخرج إلى نور المعرفة وشعاع الانتشار وشاشات التفاز، عبر صفحة في &laqascii117o;فايسبوك"، وتغريدة على &laqascii117o;تويتر"، وتدوينة لجماعة أو تنظيم أو ميليشا. ولكل من تلك التراكيب وجود &laqascii117o;رسمي" بالغ الحداثة ودائم التحديث، على الشبكة العنكبوتيّة التي كانت حتى الأمس القريب هي الملاك الحارس لـ &laqascii117o;الربيع العربي:، وصوت المقهورين الطاغي، وطريق الضعفاء إلى الحرية والديموقراطية وأشياء أخرى لا تخطر على البال.
منصة الجهاد العنكبوتية
طرأت خواطر عدة على بال كثيرين ممن تجرعوا رياحاً عربيّة أمطرت تنظيمات إخوانيّة وأخرى جهاديّة وثالثة تكفيريّة ودولة داعشيّة. دارت غالبية الخواطر حول دور الشبكة العنكبوتية في ازدهار تلك التنظيمات وتقويتها وتنميتها، حتى باتت صاحبة اليد العليا في الشرق الأوسط الجديد الجاري &laqascii117o;تحميله". وظلّت الخواطر حبيسة الأدمغة وقاصرة على الجلسات المغلقة والمناقشات غير المعلنة، خوفاً من تهمة معاداة الحريات ووصمة محاربة الديموقراطيّات الناشئة في العالم العربي الجاري... تحريره!
وحاضراً، يحدث التحرّر الحقيقي مع ضوء أخضر من الغرب الديموقراطي الذي يقدّس الحقوق، ويعبد الحريّات، ويشكّل نبراساً مضيئاً لقيمة الإنسان ومصباحاً منيراً لمعاني السمو والرقي وترجيح كفة الحرية الإنسانية على كل ما عداها. ولا يخفت من ذلك الوهج حدوث قليل من التناحر الطائفي أو بعض الاقتتال الداخلي أو مقدار من الانتحار الوطني.
وعلى الصعيد العربي، قلما جرؤ أحدهم على الحديث عن متابعة أو مراقبة، ناهيك عن منع أو تقييد أو تحجيم، يطاول الشبكة العنكبوتيّة. وبذا، تطوّر دور الشبكة، وخرجت من سياقها الحقوقي والحرياتي في أيام &laqascii117o;الربيع" الأولى، بل تحوّل جانب كبير منها منصة للجهاد والجهاديين، والتكفير والتكفيريين، وداعش والدواعشيين، وفي أقوال أخرى الإرهاب والإرهابيّين. صحيح أن بعض ما تبقى من دول وما تيسّر من حكومات أراد اختبار ردود الفعل بالحديث عن تفكير في مراقبة أو متابعة، إلا أن الجماعات الحقوقيّة وجمعيات الحرية بادرت إلى صب الغضب وسكب اتهامات كبت الحريات وقمع الحقوق.
ظلّ منطق الإغلاق والتضييق والمطاردة للفضاء العنكبوتي، مرفوضاً ملعوناً موصوماً بمعاداة الحقوق ومحاربة الحريات، وهو منطق ذائع الصيت في المنطقة العربيّة ربما بحكم تاريخها الذي يشهد بأن التضييق هو أسلوب حياة، تارة باسم الدين وأخرى باسم العادات وثالثة باسم الأمن القومي. وظلّ المنطق مقبولاً (أو ربما مهضوماً بحكم عدم وجود بدائل) حتى هبت رياح الربيع العربيّة مصحوبة بلعنات أميركيّة على تضييق الحريات ومراقبة التغريدات والتدوينات.
أوقدت تلك الرياح، على رغم انتاجها حروباً داعشيّة خرقاء وتوغّلاً لجماعات دينيّة باسم الدين وتحت راية الخلافة، لهيب المعارضة العنكبوتية لأية تلميحات رسمية بمراقبة الشبكة أو حجب مواقع أو تتبع مستخدمين.
التجنيد شبكيّاً
حتّم اختيار &laqascii117o;داعش" وأمثالها سُبُل الحكم التي تروق لها، لجوءها إلى الإنترنت لتكون تكتيكاً بالغ الحداثة للترويج لنشاطاتها والبحث عن منضمين جدد، وتسويق فكرها القادم من قلب القرون الوسطى.
وورد في تقرير حكومي أميركي صدر أخيراً بعنوان &laqascii117o;مواجهة سفر الإرهابي والمقاتل الأجنبي"، النص التالي: &laqascii117o;أبدعت &laqascii117o;داعش" في استخدام تكنولوجيا القرن الـ 21 للترويج لفكرها القادم من العصور الوسطى (مع ما يحمله من) القتل الجماعي والتعذيب والاغتصاب والعبودية وتحطيم الآثار. وتمكنت من جذب ما يزيد على 25 ألف محارب أجنبي، بينهم ما لا يقل عن 4500 محارب من أوروبا وأميركا الشماليّة".
وعلى رغم أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أعلن غير مرّة، نيّتة مواجهة الإرهاب والتطرّف، بواسطة الأفكار وفُرَص العمل اللذين رآهما مكمّلين لتزعّمه ما يسمّى &laqascii117o;التحالف الدولي للقضاء على &laqascii117o;داعش"، إلا أن مسألة محاربة الفكر بالفكر عبر الإنترنت مازالت في طور... الفكر!
ففي حزيران (يونيو) المنصرم، تحدّثت فيكتوريا غراند، وهي مديرة السياسة في &laqascii117o;غوغل"، أمام مؤتمر عالمي، مشيرة إلى أن &laqascii117o;داعش" تعيش لحظة فيروسيّة على مواقع التواصل الاجتماعي، ووجهات النظر المضادة لها تبدو أضعف منها بكثير بل لا مجال أصلاً للحديث عن مساواة في قوة كل منهما، فما بالك بتغلب الفكر المعتدل الوسطي على المتشدّد المتطرّف"؟
هناك فشل أميركي واضح في محاربة &laqascii117o;داعش"، سواء بالضربات الجويّة التي ربما تستغرق سنوات وفق تصريحات عسكريّة أميركيّة، أو وسيلة مكافحة الفكر بالفكر التي تكلّلت بفشل سريع وفق تأكيدات الخارجيّة الأميركيّة.
ويطرح ذلك الفشل أسئلة مشروعة حول إمكان الإبقاء على الإنترنت فضاءً مفتوحاً بلا حدود ولا قيود، باستثناء تلك التي تمارسها الدول الكبرى لتأمين نفسها والحفاظ على سيادتها ومصالحها، شريطة أن تبقى سريّة الى حين ظهور سنودن جديد.
المصدر: صحيفة الحياة