ماجدة موريس
عــلى كل الشـاشات المصرية تقريباً ـ عدا شـاشــات التـلفـزيـون العام ـ يبدو الإعلاميون في القنوات الخاصة وكأنهم أكثر الناس غضباً مما يحدث من تجاوزات وقصور وأحداث وكوارث تطل على الجميع يومياً. وآخر هذه الأحداث الكارثية غرق مدينة الإسكندرية في موجة مياه عاتية تأتي في موعدها السنوي ضمن جدول الظواهر الطبيعية التي تحل بمصر تحت اسم &laqascii117o;نوة الصليبة" النوة أحياناً ما تكون لطيفة وغير موجعة لمدينة بحجم الإسكندرية العاصمة الثانية، ولكنها تفاجئ الجميع في بعض الأوقات بارتفاع كاسح، وهو ما حدث صباح الأحد وأغرق عدداً كبيراً من شوارع المدينة وأحيائها في بحور من المياه التي امتدت لتكسر الفاصل بين البحر وطريق الكورنيش. فبدا الاثنان وكأنهما بحر واحد. أخذت المياه في طريقها عدداً من البيوت الضعيفة وتلك التي انهار أساسها لأسباب أخرى، وكذلك تسببت في موت خمسة بسبب أسلاك الترام التي تلامست بكهربائها مع المياه. وبدلاً من أن توجه قنوات التلفزيون الخاصة الناس في الإسكندرية لمساعدة بعضهم بعضاً سارعت إلى اتهام المحافظ بأنه سبب غرق المدينة، فلماذا لم يأخذ احتياطه؟ بل أن برنامجين يحظيان بمتابعة كبيرة هما &laqascii117o;مانشيت" (قناة أون) و &laqascii117o;على مسؤوليتي" (صدى البلد) ظلا يعرضان مشاهد مما يحدث في المدينة وهما يطالبان بإقالة محافظها في نبرة تحريض عالية ضد رجل لم يكمل سبعة أشهر في منصبه. وبدلاً من أن يفتح أي إعلامي ملف &laqascii117o;النوات" الشتوية في المدينة، وهو كبير، كان الحل الأسهل هو البحث عن إتهام أحد لإراحة الناس وكأننا في فيلم درامي لا بد من أن نجد حلاً في نهايته لأية عقدة.
واللافت أن كل البرامج الأخرى تقريباً حذت حذو المنهج نفسه وهو تقديم صور مثيرة للغضب مثل صورة المواطن الذي وقف بجانب ثلاجته بينما أثاث المنزل يتراجع مع المياه التي أغرقته، وهي صورة أرسلها ناس عاديون. ولم تستعد أي منها لقطات مما جرى في العام الماضي بينما كانت فيه المدينة غارقة في المياه ومحافظها السابق في الشارع ومعه الخبراء والمختصون يحاولون علاج الخلل في شبكات الصرف، وقبلها أيضاً حين تضخمت شبكات المجاري وعجز القيمون عن العمل بفعل مخلفات الأبنية. علماً أن الإسكنرية نفسها كانت في الماضي مثالاً للمدينة البحرية الجميلة في احتضانها الأمطار، وذلك نتيجة وجود شبكة صرف نموذجية تكفل لكل محبي المشي السير بهناء تحت رذاذ المطر من دون أن تغرق أقدامهم في المياه.
إنها قصة مدينة لها تاريخ عريق وتعيش الآن أياماً صعبة بسبب الإهمال والفشل الإداري منذ عقود. القصة ليس كما شخصها بعض الإعلاميين ممن اختزل المشكلة بأداء مُحافظ رحل في مساء اليوم نفسه، لكنّ المشاكل استمرت والمخالفات ازدادت. وبدلاً من برامج استقصائية جدية، الإعلام يطالب فقط بالقصاص. وهكذا كان أداؤه أيام الانتخابات. هو موجود من أجل تقديم الحدث. وضبط المخالف أو الجاني.
المصدر: صحيفة الحياة