رامي كوسا
حين يُذكر تنظيم &laqascii117o;داعش"، فإنّ الصورة الانطباعية الأولى الّتي تترامى إلى أذهاننا قد تجعلنا نتخيّل أننا نتعامل مع نسخٍ عصريةٍ من إنسان الكهف الّذي لا يمتّ للتكنولوجيا بصلة. ربمّا يكون لهيئات أولئك المقاتلين دورٌ في تشكيلِ هذا الافتراضِ السّاذج، لكنّ الأكيد أن بعض &laqascii117o;محلّلي" حلف الممانعة ساهموا في تسخيف قيمة هذا الوحش المشرقيّ، وإيهامِ الشّارع المُعادي له بأنّ خصمهم ليس أكثر من تجمّعٍ متخلّف تسهلُ إبادته حين يُقرّر أصحاب الشّأن ذلك.
في واقع الأمر، فإنّ تسمية &laqascii117o;الدولة الإسلامية في العراق والشّام" ليست عبثية على الإطلاق. وبمعنى آخر، فإنّ نشاط هذه القوّة الراديكالية ليس عشوائياً تحرّكه شهوةُ أصحابه إلى سفك الدم. على العكس تماماً، فإنّ &laqascii117o;داعش" هذه تشتغل بمنطق الدولة بعناصرها الثلاثة (الإقليم، الشعب، السلطة السياسية) ولنا في &laqascii117o;ولاية الرقّة" الّتي تشكّل مركز ثقل التنظيم في سوريا مثالٌ بيّن. بعبارةٍ أبسط: &laqascii117o;داعش يحتل الأرض، يُعيد تأهيل الشعب (ترغيباً أو ترهيباً)، ويحكمه سياسياً". ومن لا زال يعتقد بأنّ &laqascii117o;داعش" يموّل خارجياً (فقط)، عليه أن يُعيد حساباته ويسأل عن الكسب الماديّ المهول الّذي يحقّقه التنظيم من استثمار النفط ضمن البقع الجغرافية الّتي يسيطر عليها. لكنّ هذا وحده ليس كافياً لصناعة دولةٍ دينية لا زالت تقاتل العالم كلّه من دون أن يتداعى كيانها الّذي يشكّل معادلاً إسلامياً لإسرائيل اليهودية. فصمود الدولة &laqascii117o;الإسلامية" له أسبابٌ يتعلّق بعضها بقدرة هذه &laqascii117o;الدولة" على استمالةِ حواضن شعبية واسعة، إضافةً إلى اشتغالها الذكيّ على الاستفادة من نقاط ضعف خصومها، والّتي يجيء العجز الإعلاميّ في صدارتها.
في بداية نشاطه الإعلاميّ، قدّم تنظيم &laqascii117o;داعش" قرابة خمسةِ &laqascii117o;فيلرات" ترويجية، لا تزيد مدّة الواحد منها عن أربع دقائق. هذا التمهيد شكّل توطئة لشريطٍ فيلميّ طويل حمل عنوان &laqascii117o;لهيب الحرب" (55 دقيقة). في هذا الفيلم أثبت التنظيم أنّه يعي تماماً قيمة سلاح الميديا، حيث إنّ المحتوى جاء مدروساً تماماً لجهة بدء العرضِ بجملة تعليقاتٍ تُسخّف حديث جورج بوش الابن عن انتصارات أميركية في العراق. صنّاع الفيلم نعتوا بوش بالكاذب، وكذلك فعلوا مع الرئيس الحالي باراك أوباما، وذلك قبل أن ينتقلوا للحديث عن التراتبية الهرميّة لمقاتلي التنظيم، حيث يحلّ &laqascii117o;الاستشهاديّون" في المرتبة الأولى، يليهم &laqascii117o;صيّادو المدرّعات"، ومن ثمّ &laqascii117o;الاقتحاميّون" الّذين يعملون على إحداث خروقاتٍ بشريّة في تحصينات الخصوم تمهيداً لتقدّم أرتال المقاتلين وفق خطوط سيرٍ معدّة مسبقاً. بعد ذلك يبدأ الشريط بعرض مقاطع توثّق عملياتٍ عسكرية خاضها التنظيم على جبهاتٍ عدّة، ويُلحظ أنّ صنّاع الفيلم قد استخدموا ثلاث كاميرات لتصوير الاشتباكات بصورةٍ تمكّنهم من استعمالِ أكثر من خيارٍ أثناء عمليات المونتاج الّذي استخدمت فيه مؤثّراتٌ بصريّة وصوتية احترافية، وأضيفت من خلاله أناشيد جهادية (حفظها أغلبنا) إلى &laqascii117o;نيران الحرب" فشكّلت، أي الأناشيد، الموسيقى التصويرية للفيلم الّذي دُعّم بصوتِ راوٍ يتحدّث اللغة الإنكليزية بطلاقة، الأمر الّذي يعني أنّ الشريط كان موجّهاً للغرب بصورةٍ رئيسة، وهذا ما جعل المشاهد الدموية المباشرة غيرَ حاضرةٍ في محتواه. حسناً، هذا كلّه لا تقوم به أقوامٌ جاهلةٌ تسهُل إبادتها حين يقرّر أصحاب الشّأن ذلك.
في ما بعد، وحين قرّر &laqascii117o;داعش" أن يوجّه رسائله الإعلاميّة إلى خصومه العسكريين، جاءت الإصدارات مختلفةً تماماً عن &laqascii117o;لهيب الحرب"، وذلك لجهة المحتوى وشكل الطرح، حيث تعمّد التنظيم أن يستهدف الحاضنة الشعبية لأعدائه وذلك من خلال اشتغاله على عنصرِ الترهيب بصورةٍ رئيسة.
ذبح الرهينة الأميركي ستيفن سوتلوف، ذبح الرهينة البريطانيّ ديفيد هاينز، مذبحة &laqascii117o;داعش" بحقّ من قال التنظيم إنّهم جنودٌ وطيّارون ينتمون إلى الجيش السّوري بعدما تمّ أسرهم من مطار الطبقة العسكريّ، حرق الطيّار الأردنيّ معاذ الكساسبة، وضع الأسرى العراقيين ضمن أقفاصٍ معدنيةٍ وإغراقهم أحياءَ في مدينة الموصل، ربط أعناقِ سجناءَ عراقيين بسلسلةٍ متفجّرة وقتلهم دفعةً واحدة في محافظة نينوى، ذبح الأقباط المصريين وإلقاؤهم في المتوسّط. هذه الأمثلة وغيرها يجمعها قاسمٌ مشترك رئيس هو &laqascii117o;الترهيب".
يعلم تنظيم &laqascii117o;داعش" أن خصمه الحقيقيّ في سوريا هو الجيش السوريّ، فمن دون الجيش ليست هناك قوّة وازنةٌ تستطيع أن تستأصل &laqascii117o;الدولة الإسلاميّة" من الجغرافيا، وهذا ما يبرّر حرص التنظيم على استهدافِ الحاضنة الشعبية للجيش من خلال نشرِ مقاطع فيلمية لإعدامات استعراضية ينفّذها &laqascii117o;داعش" بحقّ عسكريين سوريين. آخر ما حرّر في هذا الصّدد كان نشر التنظيم شريطاً كابوسياً لإعدام جنديّ سوريّ دهساً بالدّبّابة، الأمر الّذي خلق حالة ذعرٍ في الأوساط المدنية الّتي ما عادت قادرةً على تخمين درجة الوحشية الّتي يُمكن أن يبلغها &laqascii117o;داعش" في التعامل مع خصومه. أعـــــداء &laqascii117o;داعش" ساهموا بنشر الفيديو عبر &laqascii117o;السوشيال ميديا"، الأمر الّذي يعني أنّ رهاب &laqascii117o;الدولة الإسلاميّة" وصلَ إلى مستخدمين كثر. في واقع الأمر، لم يكن &laqascii117o;داعش" يمنّي النفس بأكثر من ذلك.
إن إجراء مراجعةٍ لأشرطة الإعدامات الّتي يبثّها &laqascii117o;داعش" عبر &laqascii117o;السوشيال ميديا"، تظهر أنّ التنظيم لا يكتفي بتوثيق لحظة الإعدام، وهو على العكس من ذلك يمنح الفيديو بعداً درامياً مدروساً.
تبدأ المقاطع جميعها بلقطاتٍ تظهر انكسارَ وجوه الرّهائن أمام مقاتلي التنظيم، قبل أن يتمّ تعريف المشاهدين بالسّبب الّذي قاد الرهينة نحو هذا المصير الكابوسيّ، وكأنّ &laqascii117o;داعش" يقول لجمهور الفيديو إنّ هذه سوف تكون نهاية خصومنا كلّهم، ليصار لاحقاً إلى استعراضِ عملية الإعدام الوحشيّ، علماً أنّ التنظيم يعتمد في إخراج أشرطته الهيتشكوكية على أسلبةٍ مدروسة من حيث تنوّع الكوادر واستخدامِ الأناشيد الجهادية ومؤثّرات الصورة. بعد كلّ ما قيل يحقّ لنا أن نسأل شبكات الأخبار &laqascii117o;الموالية" والشارع الواقف في صفّ الدولة السورية وجيشها الّذي يقاتل على اتّساع البلاد: بحقّ السماء، لماذا تقومون بمشاركة هذه الأشرطة على صفحاتكم؟
لماذا لم يكلّف أحدٌ منكم نفسه، قبلَ نشر الفيديو، عناء الإجابة عن سؤالٍ رئيس: &laqascii117o;لماذا قام داعش بتصوير هذا الفيديو؟"، أغلب الظنّ أنّ التنظيم لم يفعل ذلك كي يشجّع صناعة السينما. &laqascii117o;داعش" حين صنع الشّريط، كان يعلم أنّ هناك في الشّارع المقابل من سوف يساهم في جعله ينتشر مثل النار في الهشيم، فالتنظيم الّذي تسهل إبادته حين يقرّر أصحاب الشأن ذلك، صار متمرّساً في علم نفس الحرب وفي كيفية الاشتغال على هذا العنصر من خلال الميديا الّتي لم يقدّر بعضُ الخصوم قيمتها بعد، فهم لا زالوا يسمحون لمراسليهم بالتقاطِ السيلفي في مواقع عسكرية تكشفُ بعضاً من ترسانات الجيش، ولا زالوا يسمحون لأفرادٍ لا يملكون ألفباء الدراية الإعلامية بإدارة صفحاتٍ يتابعها مئات آلاف المستخدمين، ولا زالوا يسمحون لبعضِ &laqascii117o;المحلّلين" بأن يشغّلوا عداداتٍ تعطي مواعيد دقيقةً لانتهاءِ الأزمة السورية، ولا زالوا يسمحون لبعضِ المحلّلين بالحديث عن عدوٍ كسيحٍ تسهل إبادته حين يقرّر أصحاب الشّأن ذلك.
حين نقرأ خصمنا جيداً، ونحدّد عناصر قوّته وعناصر ضعفه، ونستبعد هواة الدجل السياسي والتحليلي من منابرنا، ونكفّ عن تسخيف العدوّ في كلّ مناسبة، عندها فقط، يمكن أن يكون الطريق سالكاً لهزيمة العدوّ حين يقرّر أصحاب الشأن ذلك.
المصدر: صحيفة السفير