مأمون الحاج
بثّت قناة &laqascii117o;العربية" العرض الأوَّل لفيلمها الوثائقي الجديد &laqascii117o;أديان إيران وشعوبها"، على أربعة أجزاء بعنوان &laqascii117o;يوم تحصى السنون"، و&laqascii117o;شعوب"، و&laqascii117o;خارج الحياة،" و &laqascii117o;الأفعى لا تنجب حمامة" (بين 19 و22/ 11).
سبق ذلك ترويج دعائي مكثَّف عبر القناة وموقعها الالكترونيّ للسلسلة التي تعالج &laqascii117o;الموزاييك الديني والإثني الذي يُشكّل جوهر المجتمع الإيراني ومصدر ثراء تاريخي له، والذي راح يختفي منذ تبني السلالة الصفوية الإسلام الشيعي"، وصولاً إلى ثورة 1979 وحكم &laqascii117o;ولاية الفقيه"، حيث &laqascii117o;ازدواجيّة الهويّة الشيعيّة/ الفارسيّة" على حساب بقيّة الهويات. وترتكز السلسلة بحسب الأخبار الترويجيّة لها على &laqascii117o;شهادات خبراء إيرانيين وممثّلين لبعض الأقليّات".
تسلسل أجزاء الفيلم من التعريف بأقليات إيران الدينية والطائفية في الجزء الأول، إلى الأقليات الإثنية في الثاني، وصولاً إلى الثورة الإسلامية في الثالث بطورها الأول مع الخميني، وفي الرابع بطورها الثاني مع الخامنئي، ليس إلا سياقاً خارجيّاً وشكليّاً. إذ يعيد الفيلم قراءة التاريخ الإيرانيّ من زاوية واحدة هي &laqascii117o;انتقاد نظام الثورة الإسلامية القمعي"، ويوظف لهذه المهمة أجزاء متنوعة وفوضوية إلى حد بعيد إذا ما قيست بالتسلسل المنطقي والتاريخي الحقيقي.
مع بداية الفيلم، تتحدّث أستاذة القانون الدولي في أكسفورد الإيرانيّة نازيلا قانع، حول معالجة الدستور الإيراني الحالي لمسألة الأقليات ووضعها في البرلمان. تنهال بعدها شهادات لممثّلي أقليّات ومنظّمات &laqascii117o;حقوق إنسان" تعيد صياغة المضمون ذاته الذي ذهبت إليه قانع، وكل باسم طائفته أو أقليته الإثنية. بين هؤلاء كاهن إيراني مسيحي، يسرد سريعاً تاريخ المسيحيين الإيرانيين منذ المسيح وحتى الوقت الراهن، مذكراً بأنّ القسم الأكبر من مسيحيي إيران من الأرمن وأنّهم هاجروا إلى إيران بكثافة أيام الدولة الصفوية، ويفوته أن يذكر سبب الهجرة تلك المتمثل بالمذابح العثمانية.
وعن الفجوات الأخرى في التأريخ للأقليات في إيران حدّث ولا حرج، إذ يمكن لأي دارس لتاريخ النحل والأعراق في المنطقة أن يلتقط العديد من الثغرات المشابهة في العرض. من ذلك مثلاً تخصيص أكثر من 5 دقائق للحديث عن الديانة البهائية التي نشأت العام 1844، وصولاً إلى تبرئتها تبرئة حاسمة ونهائية مما يقال عن علاقة ما بينها وبين &laqascii117o;إسرائيل". وذلك أمر، بغض النظر عن صحته من عدمها، يبدو خروجاً عن سياق الفيلم ووظيفته، غايته سدّ ذرائع القمع الإيراني المفترض ضدّ تلك الديانة.
يبدأ الجزء الثاني (شعوب)، مع قانع التي تقول كلاماً في غاية الأهمية، إذ تتحدث في مثال افتراضي: &laqascii117o;إذا سألت إيرانياً عادياً من أين أنت؟ أو هل أنت إيراني؟ فسيقول نعم أنا من طهران، ولكن إن عرفته أكثر فسيقول لك إنّه مثلاً من أب كردي وأم آذرية... وإلخ". وتستنتج: &laqascii117o;الغالبية مهيمنة جداً بحيث ما عاد الناس يفتخرون بهوياتهم، بمميزاتهم كأقليات". عند هذا الحد تكشف لنا الأكاديمية الإيرانية/ البريطانية، عن مسألة في غاية العمق، فما يسمى بالموزاييك الطائفي والإثني هو ما ينبغي لشعوب هذه المنطقة أن تتشبث به، وهو ما تحبّه &laqascii117o;العربية" بشدة ما دام خارج حدود السعوديّة. أما الهويّات الوطنية الجامعة، فتلك هويات قمعية استبدادية، وكأنّ أوروبا بأسرها لم تمر بعصر الأنوار، وكأنّ أكاديميها يتحدثون اليوم باسم كنيسة القرون الوسطى وضد قيم الثورة الفرنسية.. الهوية الوطنية أقل شأناً وأقل مدعاة للفخر من الهوية الموزاييكية التفتيتية، بحسب قانع.
يمرّ ضمن الجزء الثاني الحديث المكرّر عن عدم وجود مساجد للسنّة في طهران، وهي المعلومة المغلوطة التي يلوكها الإعلام الخليجي مرَّة بعد أخرى وبلا انقطاع. ويستكمل الفيلم الحديث عن القوميات، فيركز على السطوة الفارسية على القوميات الأخرى عبر تاريخ إيران وبخاصة في عهد النظام القائم، ويفوت صنّاع الفيلم حقيقة معروفة هي أنّ &laqascii117o;المرشد الأعلى" الحالي، آذري وليس فارسياً.
في الجزءين الثالث والرابع، يرتفع منسوب الحديث السياسي المباشر، فيستحضر أحد الشهود شخصية مهدي بازركان رئيس الوزراء الأول بعد الثورة، والذي استقال بعد أقل من سنة من توليه المنصب. ويبدأ الحديث حول القمع الذي تعرّض له مهدي واضطره إلى الاستقالة، ولكن كما الأحداث الأخرى كلّها، يفوت الفيلم أن يذكر أن سبب استقالة بازركان هو رفض المرشد تبني سياسة &laqascii117o;اقتصاد السوق الحر".
في الجزء الأخير &laqascii117o;الأفعى لا تنجب حمامة"، يجري التركيز على ازدواجيّة السلطة في إيران، بين حكومات وأحزاب شكليّة، ودولة عميقة يديرها المرشد ويشغل الحرس الثوري الإيراني دوراً تنفيذيّاً أساسيّاً فيها، لينتهي نهاية &laqascii117o;تفاؤلية" تستند إلى احتجاجات العام 2009، عقب الانتخابات الرئاسيّة التي فاز بموجبها أحمدي نجاد بولاية ثانية.
من المثير للاستغراب أنّ &laqascii117o;الوثائقي" لم يكن وثائقياً إلا بالحدود الدنيا، فكم المواد التوثيقية الجدية فيه يكاد لا يشغل بضع دقائق في فيلم من ساعتين، إلى جانب أنّ الشاهد/ المتحدّث/ الموثّق، هو دائماً الشخص نفسه، وهو ما يتضارب مع جدّية عمليّة التوثيق، خاصة أن الصوت/ الرأي المقابل، غاب نهائياً من المشهد.
بالمجمل، وبغضّ النظر عن أحقيّة انتقاد النظام الإيراني، فإنّ الانتقاد هذا يتحوَّل هزلاً حين يأتي من جانب قناة تمولها دولة كالسعودية، والتي أرسلت رسالتين أساسيتين في فيلمها هذا، الأولى للجمهور العربي في استكمال لعملية الشحن الطائفي، وهي الأقل أهمية لأنّ مفردات هذه الرسالة هي مفردات يومية ومتكررة في الإعلام الخليجي عموماً. أما الثانية فهي رسالة للحلفاء الغربيين الذين بدأوا بالانفضاض عن &laqascii117o;المشروع السعودي". محتوى تلك الرسالة أنّ إيران دولة داعمة للإرهاب، الأمر الذي تمّ تمريره عبر أقوال الشهود الذين ذهبوا إلى أنّ إيران هي داعم أساسي لطالبان ولحركات متطرفة أخرى، لأنها تحس بالعزلة ضمن &laqascii117o;العالم السني" وتحتاج إلى &laqascii117o;حلفاء".
المصدر: صحيفة السفير