محمد موسى
لم تُحرك التطورات التلفزيونية الكبيرة والمفصلية في العالم الغربي في الأعوام الثلاثة الأخيرة، مياه التلفزيون في المنطقة العربية. وكأن القنوات والشركات العربية الإنتاجية مُطمئنة أو مُستسلمة للنموذج التقليدي للتلفزيون الموجود حالياً، الذي يتلخّص بمحطات تبثّ ترفيهاً متنوعاً بلا مقابل، من دون أن يضيف الإنترنت الكثير الى علاقة المشاهد العربي بما يعرض على محطاته، عدا تحوّل مشاهدين عرب كُثِر إليه للتلقّي المجاني للمواد التلفزيونية العربية المجانية أصلاً على القنوات التلفزيونية، ويصل بعضها الى مواقع إلكترونية مثل &laqascii117o;يوتيوب".
كما لا يوجد في الأفق ما يشير الى قرب زعزعة النموذج الاقتصادي التلفزيوني العربي القائم منذ عشرات السنين. فالإعلانات ما زالت مصدر الدخل الوحيد لكثير من المحطات العربية، فيما يستمتع بعض القنوات العربية بدعم حكومات ومؤسسات لمقاصد مُختلفة. في الوقت الذي تغيب مبادرات عربية عصرية تراهن على العلاقة بين الإنترنت والتلفزيون، وتؤسّس عليها لبدء مشاريع ترتكز الى نموذج اقتصادي يقوم فيه المستهلك بدفع مبالغ شهرية مقابل ما يحصل عليه من ترفيه فنيّ لا يشبه بالضرورة ما تبثّه القنوات التلفزيونية، بل يحاول أن يبتكر تركيبته الفنيّة المختلفة التي تناسب الواسطة التي يُبثّ عبرها، والجمهور الذي تتوجّه إليه.
كان متوقعاً أن يلهم نموذج شركات المشاهدة وفق الطلب العالمية (نتفليكس، أمازون...) محطات أو شركات عربية للتفكير بمشاريع مشابهة لمشاهديها، بخاصة أن التلفزيون ما زال في موقعه في المقدمة: الجهاز الإعلامي الأول في الشرق العربي، ليغدو بالتالي الاستثمار في التلفزيون أمراً بديهياً للراغبين في الوصول الى الجمهور والظفر بحصتهم من السوق الإعلامية، التي ربما تبدو مُزدحمة بسبب العدد الهائل من القنوات الفضائية العربية، على رغم أن المُختلف ما زال نادراً فيها. هذا الأمر لم يتحقّق، كما لا يبدو أن الشركات العالمية تحضر لدخول السوق العربية، وكما فعلت في السوق الأوروبية والجنوب أميركية، لأسباب عدة، أعقدها الرقابة على المواد الفنيّة في المنطقة العربية، وهو أمر شائك كثيراً. على خلاف السوق الأوروبية مثلاً، التي تلتزم معايير رقابية قريبة كثيراً من تلك التي تسير عليها هذه الشركات في بلدها الأصلي في الولايات المتحدة.
ولعلّ الفارق الجوهري الذي يجعل السوق العربية وغيرها من أسواق الدول النامية صعبة على تشكيل نماذج اقتصادية إعلامية جديدة، هو اعتياد المشاهد فيها على المشاهدة المجانية، فالقنوات المشفرة في العالم العربي لم تبلغ من النجاح الذي يضعها في مصاف الظاهرة. على خلاف المشاهد الغربي، الذي كان اشتراكه وأحياناً انتقاله الى شركات الإنترنت وتوديعه الاشتراك التلفزيوني العادي أمراً هيناً. فهو اعتاد الدفع لمشاهدة التلفزيون، بل إن ما تفرضه هذه الشركات من مبالغ شهرية يُعَدّ زهيداً مقارنة باشتراكات &laqascii117o;الكيبل" في دول غربية.
المصدر: صحيفة الحياة