قضايا وآراء » نحن الجزيرة: هل تغسل دموع المذيعين ذنوب القناة؟

نور أبو فرّاج
حين تهدّج صوته وارتجف وهو يستطلع ردود الفعل إثر هجمات باريس (17/11)، تحوّل غراهام ستاتشل مراسل &laqascii117o;BBC" إلى &laqascii117o;قصةٍ إخبارية"، ليحرف بذلك الاهتمام نحوه، بدلاً من الحدث الأساسي الذي كان يغطيه.
ذلك ليس بالحدث المُستجد، فتاريخ التغطيات الإخبارية مليء بأمثلةٍ عن مذيعين فشلوا في حبس دموعهم أثناء تغطية الحروب والمآسي. والسؤال حول &laqascii117o;كم من شخصية المذيع الحقيقية يجب أن تظهر أو تخفى؟" يُعاد طرحه في كل حادثة مشابهة، بين من يجادل بأن مشاعر المذيعين يجب ألا تؤثر على تلقي الرسالة الإعلامية أو تعكس تحيزاً من أي نوع، وبين من يعتبر أن الإعلامي، إنساناً أولاً وأخيراً، والأحداث التي يُغطيها لا بد أن تؤثر فيه.
لكن يبدو أن قناة &laqascii117o;الجزيرة" حسمت من جهتها النقاش، واختارت تظهير الجانب الإنساني والشخصي من حياة مذيعيها إلى أقصى حد. أطلقت القناة حديثاً حملةً إعلاميةً جديدة لا تزال مستمرةً، تحمل شعار: &laqascii117o;نحن الجزيرة"، وتتضمن حسب ما جاء في الموقع الإلكتروني للقناة &laqascii117o;سلسلة من المبادرات الهادفة إلى تشجيع الحوار وتعزيز التفاهم وإعلاء قيم الاحترام والتسامح تجاه الآراء والمواقف المختلفة".
انطلقت الحملة بالتزامن مع الاستعدادات للاحتفال بالذكرى العشرين لتأسيس القناة، وتتضمن بشكل أساسي حلقات تلفزيونية بعنوان &laqascii117o;نحن الجزيرة" تستعرض قصص بعض الذين ساهموا في نجاح القناة، وتضيء على الجوانب الإنسانية والخاصة في حياة كوادرها ومذيعيها، بغرض &laqascii117o;إظهار تنوّع الجزيرة والتعدد الذي تتمتع به"، أي بكلمات أخرى: تحويل &laqascii117o;الإعلامي" من ناقل للرسالة الإخبارية، ليصبح هو بذاته خبراً. تتضمن الحملة أيضاً إطلاق وسم &laqascii117o;دردش مع الجزيرة" ومبادرة &laqascii117o;الباب المفتوح" لتشجيع حوار القناة مع جمهورها.
في الحلقة الأولى من &laqascii117o;نحن الجزيرة" (19/11)، يستمع الجمهور إلى الإعلامي التونسي محمد كريشان، وهو يتحدث عن نشأته وطفولته، ويتذكر الصفعة الوحيدة التي تلقّاها من أبيه. يتضمن اللقاء عرض لقطات أرشيفية، يظهر فيها كريشان في جلسة خاصة مع المغني المصري الشيخ إمام، إلى جانب صور فوتوغرافية له مع قياديين وشخصيات سياسيّة. يتحدث كريشان أيضاً عن نشاطه السياسي وملاحقته أمنياً في تونس حين كان شاباً صغيراً. يكشف بصراحة شديدة في أجزاءٍ أخرى من اللقاء، دوافع انتقاله للعمل في &laqascii117o;الجزيرة"، مكرهاً في البداية. يركز اللقاء على تظهير &laqascii117o;كريشان الإنسان"، ولذلك مثلاً يستعيد لحظة بكى فيها على الهواء مباشرةً أثناء تغطية حرب العراق.
وفي حلقة جديدة من &laqascii117o;نحن الجزيرة" (27/11) يمكن للمشاهد أن يتعرف على فيروز زياني المذيعة والأم لخمسة أطفال. تتذكر زياني نشأتها في بيت متواضع مزدحم بالأعمام والعمّات، وتستعيد حادثة موت جدّتها الحاجة فاطمة التي ربّتها، بينما تغالب دموعها. مرةً أخرى، تستعيد &laqascii117o;الجزيرة" أيضاً لحظات بكت فيها فيروز زياني وهي تحاور أماً لطفلٍ فلسطيني. يبدو الأمر كما لو أن القناة تحاول التركيّز على تلك اللحظات المبللة بالدموع، بحيث تلغي طابعها العفوي كـ &laqascii117o;تفاعلٍ حي ومشروع مع الأحداث المؤلمة"، وتحولها إلى رسالة ترويجية تؤكد على &laqascii117o;إنسانية الجزيرة". لا تكتفي سلسلة نحن &laqascii117o;الجزيرة" بلقاء وجوه &laqascii117o;الجزيرة" المعروفة على الشاشة، بل تذهب وراء الكواليس لتعريف المشاهد على خبراء الترجمة الفورية، أو بعض المصورين والمراسلين الصحافيين العاملين في القناة.
وضمن ذات الحملة، تعرض القناة شريطاً ترويجياً (2:15 د) يتحدث عن ازدواجية المعايير في النظر إلى القضايا المختلفة: &laqascii117o;الحاكم قد يكون ديكتاتوراً في نظر البعض وديموقراطياً في نظر مناصريه"، وكذلك الأمر فيما يتعلق بمفاهيم مثل الشَغَب وحرية التعبير، والإرهاب. يؤكد التعليق على الشريط أن &laqascii117o;لكلٍ منا معتقداته وشعائره.. لكن يظل الإنسان هو الرسالة"، مضيفاً أن فريق &laqascii117o;الجزيرة" جاء من مختلف بلاد العرب، لكن &laqascii117o;كلما تباينت الزوايا، اتضحت الصورة، ورآها العالم بعين الجزيرة".
كانت الجزيرة كمشروعٍ إعلامي أو سياسي، ستبقى فكرة مجرّدة، من دون كوادرها البشرية من محررين ومخرجين ومذيعين. وهؤلاء منحوا القناة وجهها البشري. حُفظ أداؤهم الإعلامي ونبرات صوتهم في ذاكرة متابعيها أثناء تغطية أحداث استثنائية، كحرب غزة وبداية ثورات الربيع العربي. ومن هنا ربمّا تنبع أهميّة حملة &laqascii117o;نحن الجزيرة"، إذ أنّ تراجع شعبية القناة، قد ينعكس بدوره على شعبية مذيعيها. بالتأكيّد، أحسنت &laqascii117o;الجزيرة" في اختيار كوادرها، وهي تستفيد اليوم من مواهبهم وذكرياتهم وحيواتهم الشخصية، في محاولة جديدة لاستعادة اهتمام مشاهديها، وترميم صورتها جرّاء الاتهامات التي وصفتها بالتحيز أو عدم التوازن في تغطية العديد من الملفات الساخنة، كمصر وسوريا. نعم سيحب المُشاهد رِقة فيروز زياني الأم، ولن يخفي إعجابه بمسيرة كريشان الطويلة كإعلاميٍ طموح. لكن ذلك لن يحول دون اعتراضه على سياسة" الجزيرة" التحريرية، وتوجهاتها التي تنعكس في المصطلحات التي تكرّسها أو المواضيع التي توليها الأهمية الكبرى. بمجرد أن تبدأ نشرة الأخبار، لن ينظر الجمهور إلى المذيعين بوصفهم &laqascii117o;طلبة مشاغبين وأمهات محبّات".
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد