نور أبو فرّاج
أينما تحرّكت في دمشق، وغيرها من المدن السوريّة، تسمع الأحاديث ذاتها حول غلاء الأسعار والصعوبات المعيشية. ازدادت الأسعار خمسة أضعاف تقريباً عمّا كانت عليه قبل الأزمة، وتجاوزت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر ما يقارب 80 في المئة، وفق تقدير بعض الاقتصاديين. ولذلك ربما كان لحلقة أمس الأوّل من برنامج &laqascii117o;حديث الناس" على الفضائيّة السوريّة وقعٌ &laqascii117o;خاص". حملت الحلقة عنوان &laqascii117o;حركة الأسواق... تحدّي الحرب والغلاء"، من إعداد نسرين العسّاف وتقديم هبة عجيب.
تبنّى القائمون على البرنامج المقولة التي ترى في حركة الأسواق مؤشراً على &laqascii117o;صمود البلد وإرادة مواطنيه في الحياة". تكرّرت الفكرة ذاتها طوال الحلقة (44 د.)، وعلى ألسنة الجميع، بدءاً من المذيعة، ومروراً بمن استُطلِعت آراؤهم في الشارع، وصولاً إلى الخبراء من مختصين في الاقتصاد وعلم الاجتماع.
في مستهل الحلقة، تتحدث هبة عجيب بإعجاب عن الناس الذين &laqascii117o;ينزلون إلى السوق" كي يتجولوا ويلقوا نظرة على البضائع والأسعار، وإن لم يشتروا شيئاً. كأن ذلك ما يعنيه مصطلح &laqascii117o;حركة السوق" كمفهوم اقتصادي ومالي. تسأل المذيعة عن سبب الاستمرار بالرغم من كل الظروف الصعبة. ومن دون أن تقدّم إجابةً، تكتفي بتأكيد ضرورة الصمود. يتعامل القائمون على البرنامج مع قضيّة غلاء الأسعار باعتبارها قضيّة &laqascii117o;كيفيّة" ترجع إلى أهواء الباعة، إذ يؤكدون أن هناك من يبيع بأسعار مرتفعة، في مقابل وجود متاجر &laqascii117o;رحمانية" تلائم المستهلكين.
تقرأ المذيعة التقديم الخاص بالحلقة من على شاشة كبيرة، وتؤكد أنّ استمرار الأسواق في عملها خلال الحرب &laqascii117o;دليلٌ واضح على الثقة بالمستقبل"، إذ إنّ &laqascii117o;قوى العدوان ضربت أعتى أنواع الحصار على سوريا، فارتفعت الأسعار وعانى الشعب ما عاناه، لكنَّ ذلك لم ينجح في إغلاق الأسواق".
وكالعديد من البرامج التي تهتم بإيصال &laqascii117o;صوت الناس" ووجهات نظرهم، يعرض &laqascii117o;حديث الناس" عدداً من التقارير المُصوّرة من قلب الأسواق الدمشقيَّة، التقت فيها نسرين العسّاف مواطنين وتجّاراً. يتكرَّر سؤال المراسلة كلازمة مُلحّة وحازمة: &laqascii117o;لماذا تشترون؟ لماذا تشترون إن كانت الأسعار غالية؟" وتأتي الإجابات موحّدةً تقريباً: &laqascii117o;نعم نشتري، لأنَّنا مضطرون". في الأستوديو، تجد المذيعة في آراء الناس مؤشراً على الصمود، ولا تخفي إعجابها برجل أكد أنه مضطر للشراء &laqascii117o;كي لا يبقى من دون ثياب"، وترى في قوله &laqascii117o;إصراراً على المتابعة وإثباتاً بأن الحصار لن يستمر على سوريا".
تتلقّى مقدِّمة البرنامج اتصالاً من منى التي تؤكّد أنها لم تعد تنزل إلى السوق نتيجة غلاء الأسعار. لكنَّ عجيب لم تُلقِ بالاً للمرارة التي تنطوي عليها إجابة المُتصلة، كي لا تخرّب ربما &laqascii117o;الرسالة الإيجابية" للبرنامج. بدلاً من ذلك، تسأل المُتصلة عن رأيها بحركة الأسواق، أي أنها تحوّلها بذلك إلى شاهدة تتأمَّل حركة البيع والشراء من دون أن تكون جزءاً منها. وفي نهاية الاتصال تسحب المذيعة اعترافاً من المرأة بأنَّها تشتري &laqascii117o;الحاجات الضرورية على الأقل"، إذاً السوق ماشي!
تتلقّى المذيعة اتصالات من اختصاصي في علم الاجتماع يؤكِّد أنّ &laqascii117o;الأسواق ستوجد دائماً، زمن الحرب أو السلم"، وأنَّ الناس لا يمكنها العيش من دون البيع والشراء. فيما يرى دكتور في الاقتصاد أن حال الأسواق اليوم &laqascii117o;ينسجم مع روح الأزمة".
كحال العديد من البرامج الإعلاميّة السوريّة الرسميّة التي تناقش الأوضاع الاقتصادية، لا يتعدى سقف الشكاوى والاتهامات النيل من أخلاقيات الباعة وإدانة الجشع والاحتكار والتلاعب بالأسعار.
يتلقى &laqascii117o;حديث الناس" اتصالاً من أحد التجّار في اللاذقية، يؤكِّد أنّ التاجر &laqascii117o;مضروب بالحجر الكبير"، بالرغم من أن اللوم يقع على &laqascii117o;الصنايعي والمُنتج". لكن، لسببٍ أو آخر، ينتهي البحث في سبب الغلاء عند هذا الحدّ. حتى استخدام مصطلحات مثل &laqascii117o;تجّار الأزمات" تُوظّف للإشارة إلى التجّار والفاسدين الصغار، وتلقى وزارة التجارة الداخلية أو اللجان المتواضعة لحماية المستهلك نصيباً من اللوم، من دون التطرق مثلاً لدور سياسات مصرف سوريا المركزي، أو ما يحدث في خفايا الأسواق السوداء.
وهكذا تنتهي حلقة &laqascii117o;كلام الناس" تاركةً المشاهد في حيرة من أمره، يسأل عما يجب فعله وفق ما يطرحه البرنامج. هل يكفي أن ينزل إلى الأسواق ويهيم في الشوارع، أو &laqascii117o;يكاسر الباعة" من دون أن يشتري شيئاً، كي يخلق حركة في الأسواق، ويثبت أنه ما زال صامداً؟ هل شراء الحاجات الأساسية مهما بلغ سعرها يعد انتصاراً يستحق كل هذا التهليل؟ اكتفى &laqascii117o;حديث الناس" باستطلاع بعض آراء من كانوا يجولون في السوق أساساً، وتناسى أولئك الذين يلزمون بيوتهم مُكتفين بما دون الحد الأدنى للعيش. ذلك أن العبارات الطنانة المكرورة حول إرادة الصمود وحب الحياة لا تشبع الجياع.
المصدر: صحيفة السفير