صلاح بوسريف(*)إحراق كتاب الغزالي &laqascii117o;إحياء علوم الدين" على عهد المرابطين في المغرب هو مثال هذا النوع من محاكمة الكتاب بعد ذلك صودرت كتب في زمن سنوات الرصاص وصودرت حتى في حكم اليسار.
يمكن التأصيل لمصادَرة الكُتُب وإحراقِها، في المغرب، بحادثة إحراق كتاب &laqascii117o;إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي، على عهد حُكْم المرابطين. فحين أمر يوسف بن تاشفين بإحراق هذا الكتاب، فهو كان يَسْتَرْشِد بما أفْتَى به الفقهاء، أو بعض الفقهاء، ممن كان لهم تأثير كبير، وكان مشهوداً لهم بالورع، وبالتزام مذهب السلف، انطلاقاً من الإمام مالك، ومن سَاروا على مذهبه. ورغم اختلاف المؤرِّخين في أسباب مُصادرة الكتاب وإحراقه، رغم ما كان لأبي حامد من مكانة عند المرابطين، فإنَّ أغلب هؤلاء أجمعوا على طبيعة الكتاب الكلامية، وما ورد فيه من أقوال للفلاسفة، واستشهاده ببعض الكُتُب منها المُحَرَّفَة، مثل الإنجيل. وأيضاً ما فيه من تصوُّف. أو كما يقول عبد الواحد المركشي &laqascii117o;وقرّر الفقهاء عند أمير المسلمين تقبيح علم الكلام، وكراهة السلف له، وهجرهم من ظهر عليه شيء منه، وأنَّه بدعة في الدِّين".
ورغم ذهاب بعض المؤرِّخين والباحثين إلى الموقف المُعارض، أو المُخالِف لأبي حامد لمسألة &laqascii117o;جهات الدَّخْل للسُّلطان"، أي ما يُؤخَذ من غنائم من غير المسلمين، ومن جزية في المواريث والأوقاف، فإنَّ خطورة الكتاب، بَدَتْ في ما يحمله من أفكار في الفلسفة وعلم الكلام، ثم التصوف، وأنَّ فقهاء المرابطين، وجدوا في ذلك خُروجاً عن طريق السلف. ما يجعل من الكتاب خطراً على هذا الطريق، وعلى حكم المرابطين أنفسهم، ليس في المغرب فقط، بل حتَّى في الأندلس.
فالتاريخ يحفظ لنا العديد من الحالات والمواقف التي اتَّخَذَتْها الدولة في مواجَهَة لكُتُب، وفي منعها وإحراقها. وفي المغرب، لديْنا فقط في العصر الحديث، ما يكفي من معطيات لتأكيد ذلك، لعلَّ أبرزها، خلال مرحلة الثمانينيات من القرن الماضي، حيث كان الصراع بين النظام واليسار على أَشُدِّه، ُمصادرة رواية عبد القادر الشاوي، الذي هو اليوم سفير للمغرب &laqascii117o;كان وأخواتها"، وكتاب &laqascii117o;الخبز الحافي" لمحمد شكري، الذي كان مدير شركة التوزيع، صرَّح في لقاء حول الكتاب، أنَّ قرار المنع كان بالهاتف، بقرار من وزير الداخلية إدريس البصري، وليس بقرار مكتوب، كما يحدثُ في العادة، في مثل هذه الحالات. وإذا اعتبرْنا المجلاَّت كُتُباً، ففي نفس الفترة، صادرت السلطات المغربية، أهم المجلاَّت الثقافية التي كانت تجد إقبالاً، وكانت كلها تصدر عن جهات لها فكر جديد، مختلف، وفيها جرأة في التحليل والقراءة، من مثل مجلات &laqascii117o;الثقافة الجديدة" و &laqascii117o;جسور" و &laqascii117o;البديل" و &laqascii117o;الزمن المغربي".
لا يمكن حَصْر المُصادرة والمنع في هذه الأعمال، فقط، أو في المجلات، وفي زمن ما سُمِّيَ عندنا بسنوات الرصاص، بل إنَّ المُصادرة حدثت حتَّى في حكومة &laqascii117o;اليسار"، أو حكومة التناوب، بمصادرة جريدة &laqascii117o;الأيام"، ومصادرة مجلة &laqascii117o;نيشان"، ما يعني أنَّ تاريخ المُصادرة والمنع، هو تاريخ يرتبط بالدولة، مهما كان مُسَيِّروها، أو من يتحكَّم في بعض دواليبها، سواء أكان في اليمين، أو في اليسار. دون الحديث عن مُصادرة الكُتُب التي تُتَرْجَم من لغاتٍ أخرى إلى العربية، لما قد تحمله من أفكار ذات طبيعة دينية، أو سياسية، تمسّ النظام في جوهره، في طبيعة حكمه.
(*) كاتب مغربيالمصدر: صحيفة السفير