مأمون الحاج
شهد ملف اللجوء السوري خلال العام 2015 نقلة نوعية كبيرة نحو &laqascii117o;الضوء الإعلامي"، العالمي والعربي والمحلي، خصوصاً بعد انتشار صورة الطفل السوري الغريق إيلان شنو (إيلان كردي) على أحد الشواطئ التركية في أيلول الماضي، وما تلاها وبني عليها. يضاف إليها الفيديو الشهير لعرقلة الصحافيّة المجرية بترا لاسزلو للاجئ السوري أسامة عبد المحسن وابنه عند الحدود المجرية، وما تلا ذلك من استضافة ريال مدريد لهما ومن ثم حصول أسامة على وظيفة مدرب في مدينة خيتافي الإسبانية.
لم يشكل العام الحالي استثناءً في ما يخص تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، إذ تقدر الإحصائيات أن عدد لاجئي هذا العام يربو قليلاً عن 800 ألف من أصل أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري خلال سنوات الأزمة الخمس. كما أنّه لا يشكل استثناء بما يخص نوعية الضحايا ونوعية العنف الذي تعرّضوا له، يتضح ذلك بالوقوف عند إحصاءات الأطفال السوريين الغرقى مثلاً، وغيرها من الإحصاءات عبر سنوات الأزمة. كما أنّ أزمة اللجوء التي قال الإعلام أنّها تفاقمت هذا العام، هي امتداد لأزمة طويلة الأمد، منذ ما قبل اندلاع الأحداث في سوريا، مع هجرة ملايين الفقراء من الجنوب إلى الشمال، عبر موجات ما عرف &laqascii117o;بالحراقة"، وهم اللاجئون من إفريقيا ودول المغرب العربي نحو الجهة الأوروبيّة من المتوسّط.
وإذا كان 2015 قد بدأ &laqascii117o;بداية اعتيادية" من حيث تغطية الإعلام لمسألة اللجوء السوري، بمعنى أنها بداية تستكمل ضمن الوتيرة نفسها لتغطية 2014، إلّا أنّ تصاعداً درامياً في التغطية بدأ مع النصف الثاني من العام، بما يؤكد أنّ هذه &laqascii117o;الانعطافة" في وتائر وطرق التغطية، لها أسباب أبعد من مسألة اللاجئين نفسها..
من المستحيل الإحاطة بكل ما أنتجه الإعلام العالمي والعربي خلال العام 2015 بما يتعلّق بأزمة اللاجئين السوريين وتطوّراتها، إذ يمكن في هذا السياق الوقوف عند آلاف التقارير الإخبارية والمقالات الصحافية، ومئات الحلقات الحوارية، وعشرات الأفلام الوثائقية، وربما أكثر، وغيرها... ولكن ما يمكن تثبيته رغم هذا التنوّع الغزير، هو التركيز الكثيف على &laqascii117o;الجانب الإنساني" باعتباره صك العبور المشترك نحو التوظيف اللاحق. تخرج عن هذا الإجماع آراء وجهات قليلة، لها طابع عنصري مُعلَن، سخرت من المأساة السورية بشكل وقح، وحرّضت ضدّ اللاجئين. بعد إجماعها على &laqascii117o;الجانب الإنساني"، افترقت وسائل الإعلام حسب أهدافها وغاياتها من تغطية الموضوع، وظهر ذلك جليّاً بطرق التغطية ومنطقها. فالإعلام الغربي الذي &laqascii117o;استفاق فجأة" بعد غرق إيلان، ركّز على نقاط أساسيّة عدّة كرّرها بشكل منتظم وواعٍ خلال تغطيته مسألة اللاجئين. أبرز تلك النقاط هي تبرير مختلف التدخّلات في الأزمة السوريّة بدليل &laqascii117o;فشل الدولة السورية" الظاهر في مسألة اللجوء، وكذلك تقديم وجهة النظر الغربيّة المتعلّقة بضرورة استمرار الصراع حتى &laqascii117o;إسقاط النظام". يُضاف إلى ذلك الترويج والاستعراض الأوروبي والألماني المكثّف، والذي يُحيله بعض المحللون إلى محاولة ألمانيا وضع يدها على ورقة ما من أوراق الصراع السوري بما أنّها لا تملك أية أوراق مباشرة.
على الضفة الخليجية، اشتغلت &laqascii117o;الجزيرة" و &laqascii117o;العربية" على خلق &laqascii117o;هوية مذهبية" لملف اللجوء، بما يكرس طريقة العمل والغايات المعروفة لهذه القنوات. بالمقابل جاءت التغطية المحليّة السوريّة خجولة في البدايات، بل ولم تتعاطَ مع الملف جدياً إلّا مع استيقاظ الإعلام الغربي. وفوق ذلك فإنّ إشارات ضدّ اللاجئين ظهرت بشكل متكرّر على شاشات الإعلام السوري، من قبيل تكرار آراء غريبة ومستفزة من قبيل: &laqascii117o;لماذا يهاجِرون؟ سوريا بخير".
بالتوازي، انقسم إعلام الدول المجاورة لسوريا والتي تستضيف ما يصل إلى 95 في المئة من مجمل اللاجئين السوريين، بين مرحّب ومُعرض، انطلاقاً من داوفع إنسانية وسياسية. وفي السياق ظهر مؤخراً فيلم &laqascii117o;الميادين" الوثائقي &laqascii117o;الماشون في الوحل" الذي يظهر فيه جهد كبير للوصول إلى شكل ما من الحيادية، وهذا الجهد نجح جزئياً فقط، فالرواية الإجمالية التي يقدمها العمل تقترب من الرواية الرسميّة السورية للأزمة.
يوشك العام 2015 على الانتهاء، وهنالك حديث خافت تتناوله بعض المواقع عن استقالة أسامة المحسن من وظيفته، كما أنّ صورة إيلان التي تصدّرت الشاشات والجرائد لشهرين متتاليين، وكانت &laqascii117o;خبراً ساخناً" في حينه، تغيب الآن، فوسائل الإعلام تحتاج دوماً إلى قصّة/ مأساة جديدة وساخنة.
المصدر: صحيفة السفير