قضايا وآراء » الصورة التي غيّرت حياة بائع الأقلام


pensseller_300
نور أبو فرّاج


كان عام 2015 عاماً مكتظاً بالصوّر، وتحديداً تلك المؤلمة التي جسدت معاناة الناس، وحرّكت الرأي العام تجاه قضايا محددة. من بين آلاف اللقطات التي تم تداولها ونشرها، نالت صور اللاجئين والمهاجرين، الحصة الأكبر من الاهتمام والجدّل. كان لبعض تلك الصور أهمية توثيقية أو إعلامية، فيما تجلَت أهمية البعض الآخر، بالنتائج التي ترتبت على بثّها. وخير مثال على النمط الثاني، صورة &laqascii117o;بائع الأقلام" عبد الحليم العطّار.
قد يتذكر البعض قصة تلك الصورة (راجع &laqascii117o;السفير" 1/9/2015). كمثل أي يومٍ آخر، كان عبد الحليم العطّار، اللاجئ السوري الفلسطيني الأصل من مخيّم اليرموك، يجول في شوارع بيروت ويبيع الأقلام بينما يحمل على كتفه ابنته الصغيرة النائمة ريم. نشر جيسور سايمونارسن، أحد مؤسسي حساب &laqascii117o;أخبار النزاع"، صورة العطّار على &laqascii117o;تويتر". انطلقت بعد ذلك حملة جنونية على مواقع التواصل الاجتماعي، لجمع التبرعات لبائع الأقلام وابنته. بدا الأمر كما لو أن هناك عوالم أو أكوانا متوازية؛ العالم الافتراضي الذي أصبح فيه العطّار مشهوراً، وبدأت الأموال تتجمع في حساب بنكي فُتح خصيصاً له، والواقع الحقيقي الذي ما زال فيه العطّار بائعاً مُعدماً يحاول كسب قوت يومه. لكن سرعان ما وجد النشطاء طريقهم إلى عبد الحليم، ليتحد العالمان: الافتراضي والواقعي. أصبح العطّار، الذي كان يوماً عاثر الحظ، غنيّاً ومحطاً لاهتمام وسائل الإعلام.
في مقابلة مع قناة &laqascii117o;سكاي نيوز عربية" (30/8)، يسرد العطّار كيف اكتشف أن &laqascii117o;العالم بأسره كان يبحث عنه". تمنى الرجل حينذاك أن ينظّم الناشطون حملات تبرع لجميع اللاجئين وإيجاد حل شامل للأزمة السورية. بدا صادقاً في أمنيته، من دون أن يعلم أنه ربح ورقة يانصيب من نوعٍ خاص، حملتها له مواقع التواصل الاجتماعي، حين شاءت الصدف أن تنال صورته هو دون غيره، كل ذلك الاهتمام.
لم تنته قصةُ بائع الأقلام عند ذلك الحد، فكما يحصل في أي فيلمٍ سينمائي، اختارت وسائل الإعلام أن تعود إليه بعد أشهرٍ من استلامه جزءاً من أموال التبرعات، لترصد التحوّلات التي حدثت في حياته.
في مقالٍ نشرته صحيفة &laqascii117o;إندبندنت" حديثاً (3/12)، نكتشف أن عبد الحليم العطّار استطاع أن يفتتح في بيروت ثلاثة مشاريع تجارية بأموال التبرّعات التي وصلت إلى 191 ألف دولار. حيث أنشأ مخبزاً ومطعماً ومحلاً لبيع الكباب وظّف فيها 16 لاجئاً سورياً، كما تبرّع بما يقارب (25) ألف دولار لأصدقائه وأقربائه الذين ما زالوا يعيشون في منطقة الحرب. وخلال الأسبوع الماضي، تناقل روّاد &laqascii117o;تويتر" صورا جديدة للأب والابنة، يظهران فيها سعيدين وبصحة جيدة. هما الآن يعيشان في شقة مريحة، ويجلسان أمام كومبيوتر محمول، كي يشاهدا &laqascii117o;صورة الغفلة" التي غيرت حياتهما.
كان عبد الحليم العطّار كريماً بما يكفي كي يقتسم جزءاً من نقوده مع آخرين، أو يفكّر في حلولٍ قد تنتشل عدة أسرٍ لاجئة من الفقر. لكن أزمة اللاجئين بأبعادها الحقيقية أكبر من أن تُحّل عن طريق المساعدات الفردية وجمع الأموال بدواعي التعاطف.
لا يمكن الجزّم ما إذا كانت القصة انتهت عند هذا الحد، أو أن فصولاً أخرى قد تظهر في السنوات القادمة. لكن المؤّكد أن وسائل الإعلام ستعود دائماً للبحث عن الرجل الذي كان يوماً، مجرّد بائع أقلام، لتأكيد جدوى هكذا نوع من المبادرات الإنسانية وللتركيز على الدور البطولي الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الحكاية.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد