قضايا وآراء » البورنو الداعشي يستمرّ: من إحراق الكساسبة إلى تفجير تدمر

مأمون الحاج
بدأ &laqascii117o;داعش" العام 2015 بنشر فيديو إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً (3 كانون الثاني). وإن كانت فيديوهات إعدام الصحافيين الأميركيين، جايمس فولي وسيتفن سوتلوف، والمواطن البريطاني دايفيد هاينز، العام 2014، قد أمّنت المادة الترويجية اللازمة لإطلاق وتعزيز التحالف الأميركي ضد &laqascii117o;داعش"، فإنّ إعدام الكساسبة شكل استمراراً لخط التنظيم في توسيع نطاق أعدائه، أو نطاق التحالف الأميركي، مع ميزة نوعية هي فتح الباب أمام أشكال إعدام جديدة ومتنوعة، يرافقها تصوير سينمائي عالي الاحترافية.
خطّ التنظيم الدعاية الإعلاميّة المصاحبة لنشاطه هذا العام، بالتنويع في أشكال الإعدامات، ضمن فيديوهات شغلت الإعلام بشكل متفاوت: الذبح &laqascii117o;التقليدي"، الحرق، الإغراق البطيء داخل قفص معدني، تفجير سيارة يوضع ضمنها المحكوم عليهم، وتفجير زورق، إطلاق قذيفة باتجاه سيارة يوضع ضمنها المحكومون، الصلب حتى الموت، ربط حبل متفجر إلى رقاب المحكومين وتفجيره، تعليق قذيفة هاون إلى صدر المحكوم وإطلاق النار عليها، ربط المحكوم إلى شجرة وإطلاق قذيفة &laqascii117o;آر بي جي" نحوه، الدهس بدبابة، وغيرها...
الهدف الأساسي من وراء ذلك التنوع هو عدم السماح للناس &laqascii117o;بالاعتياد" على الصورة، لأنّ الاعتياد يعني انتهاء الذهول والدهشة، ويعني مساحة جيدة للتفكير المنطقي تعيد الدفاعات النفسية الطبيعية إلى حال متزن يصعب ترهيبه أو إدهاشه، تلك تقنية ترويجيّة شبيهة بما يفعله منتجو أفلام الـ &laqascii117o;بورنو" الذين يسعون إلى إسباغ أشكال جديدة ومتطرفة ومشوهة بشكل دائم ومتزايد، على مسألة ممارسة الجنس، بوصفها &laqascii117o;مسألة طبيعيّة"، بما يحوّلها إلى بضاعة رائجة ومدهشة.
خلال عام 2015، صاغ &laqascii117o;داعش" دعايته بما يكمل صورته كظاهرة، تبدو كمحصلة عامة تكثيفاً ملموساً للنظرة الاستشراقية الإنكليزية والفرنسية للشرق وللإسلام (السبايا والكبت الجنسي والحيوانية الجنسية، التقطيع والذبح والخ...، التي تكرس التخلف والحيوانية، وأيضاً السحر والغموض والشعوذة التي يرى فيها نقاد الاستشراق سكباً لأوروبا القروسطية على الشرق).
بعد شريط الكساسبة، جاء فيديو إعدام 21 مصرياً قبطياً على الشواطئ الليبية (15/2/2015)، ليعيد إلى الأذهان الاتجاه &laqascii117o;الإيديولوجي" لـ &laqascii117o;داعش" بوصفه تطوراً نوعياً وكمياً عن &laqascii117o;القاعدة". فهذه الأخيرة اشتغلت تحت شعار &laqascii117o;الحرب على الصليبيين"، أما &laqascii117o;داعش" فقد تجاوز ذلك الشعار من حرب على &laqascii117o;الصليبيين" إلى حرب عليهم وعلى &laqascii117o;الخوارج" وأترابهم، إلى حرب على البشريّة بأسرها، تقودها &laqascii117o;دولة الخلافة" التي سيطرت على تدمر بعد ذلك بأشهر (21/5)، لتصل مع ذلك الحدث إلى ذروة &laqascii117o;الدهشة" مع نشرها صوراً لتفجير آثار انشغل الإعلام برثائها لأسابيع. وزاد التنظيم على ذلك، بجعل بعض المعابد الأثريّة &laqascii117o;مسرحاً" لتسجيلاته المتقنة عن عمليّات الإعدام.
بالتوازي والتكامل مع &laqascii117o;إنتاجات" داعش الإعلامية، إن افترضناها جسماً مستقلاً، عمل الإعلام العالمي والعربي ضمناً على المشاركة في نسج دعاية ضخمة لهذا التنظيم، ومن مواقع ووجهات نظر مختلفة، خدمت بمجملها &laqascii117o;رسالة داعش" وغاياته... ففي الوقت الذي أبدت وسائل الإعلام المختلفة عداءها &laqascii117o;الشرس" للتنظيم، عملت على تظهير هذا العداء بالحديث المستمر عنه، يوماً بعد يوم، ونشرة أخبار إثر أخرى، بما شكل امتداداً وتكريساً وتعميقاً للعنف الذي يمارسه، ومن ثم توظيفه ليخدم الدعاية السياسية المرادة للتنظيم.
فالإعلام الأميركي، برّر سياساته وحربه بهذه الدعاية، والأوروبي فعل كذلك، بالإضافة إلى تبرير رفع درجات القمع والرقابة الداخلية، كما في حالة فرنسا مثلاً وفرض حالة الطوارئ. من جهته، اشتغل الإعلام الخليجي على تعظيم شأن أميركا ودورها الإنقاذي بالتوازي مع ربط &laqascii117o;داعش" بإيران وبالنظام السوري بشكل طائفي. والإعلام السوري نفسه ربط &laqascii117o;داعش" بالوهابية وبالخليج، ونادراً ما ربطها بالولايات المتحدة، فقناة &laqascii117o;سما" مثلاً لم تتورع عن بث مقاطع من فيديوهات الذبح بعد تمويهها، وكأنّ ذلك يقلل من الأثر النفسي المرهب والمرعب للمشهد.
أنهت &laqascii117o;داعش" عام 2015 بعمليّات أرادتها &laqascii117o;مذهلةً" بوقعها، وإن كانت صورها قليلة، وتحديداً لناحية الاعتداءات المتزامنة على مقاهٍ ومسارح في باريس. وكأنّ الفيديوهات المنشورة على &laqascii117o;يوتيوب" لعمليّات تعذيب تجري في &laqascii117o;صحراء بعيدة ما"، لم تعد كافية وحدها لإحداث الصدمة المطلوبة لدى المتلقّي الغربي. في اعتداءات باريس، لم يصنع التنظيم الصور كما يريد، لم ينتجها، لم يصوّرها بتقنيات سينمائيّة عالية الجودة. هكذا، جاءت الصور خالية تقريباً من الدماء، ومليئة بالشموع والورود. تلك أيضاً دعاية غير مباشرة للتنظيم، ممثّل الشرّ المطلق، عدّو &laqascii117o;الشموع والورود"، تماماً كما يريدنا أن نراه.

&laqascii117o;دولة البطّ"
لم تتوان الدعاية المضادة لـ &laqascii117o;داعش" عن الردّ على التنظيم، بأطرف السبل. خلال الأسابيع الماضية، شنّ روّاد الإنترنت غزوةً على صورة التنظيم التي أرادها مرعبة ودمويّة. هكذا، قام عشرات المستخدمين بتعديل صوره المنتشرة على الشبكة، واستبدلوا رؤوس عناصر برؤوس دمى البطّ المطاطيّة الصفراء.
انتشرت صور البطّ على مواقع التواصل، وحمّلت بواسطة &laqascii117o;فوتوشوب" فراشي استحمام، وأدوات تنظيف، عوضاَ عن الرشاشات. أحد المستخدمين استبدل رأس البغدادي برأس بطّة، ولقبه &laqascii117o;أبو موكواك"، وأجرى معه حواراً كان بمجمله مؤلّفاً من عبارة واحدة هي &laqascii117o;كواك".
شكّلت تلك الحملة أسلوباً ناجحاً لتجريد &laqascii117o;داعش" من أدواته الترويجيّة، من خلال تعرية صور مقاتليه المتشحين بالسواد من &laqascii117o;رعبها"، وتحويلها إلى لعبة ومادّة للضحك والسخرية.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد