نينار الخطيب
تدفّقت مئات صور الأطفال والشباب المصابين بالنحول بسبب سوء التغذية على مواقع التواصل خلال الأيّام الماضية، وسط الأخبار عن حصار مدينة مضايا في ريف دمشق، وانقطاع المواد الغذائيّة عن أهلها لأكثر من شهرين. تحوّلت الصور إلى قضيّة رأي عام عالميّ، وسط تبادل الاتهامات بين طرفي الصراع، إذ اتهم المعارضون الحكومة السورية وحزب الله الذي يشارك في معارك الزبداني المحاذية بتجويع المدنيين، في حين اتّهم الطرف الآخر المسلّحين المعارضين في المدينة بمنع وصول المساعدات إلى الأهالي.
صور مضايا كانت محطّ اهتمام الإعلام العالمي الذي شكل أداة ضغط على المنظمات الإنسانيّة العالميّة والأطراف المتنازعة لحلّ الأزمة. وبالرغم من تضارب المعلومات حول ما تشهده المدينة، شهدت مواقع التواصل تعاطفاً واسعاً مع أهلها. وانقسم &laqascii117o;فايسبوك" بين من ينشرون صورا مزيّفة قيل إنّها من داخل المدينة لأشخاص مصابين بالنحول الشديد، ومن يحاولون التأكّد من مصادر تلك الصور التي تبيّن أنّها قديمة بمعظمها، ونشرت قبل سنوات، لا بل أنّها أخذت من بلدان مختلفة، ولم تلتقط في سوريا حتّى. ذلك ما يعيد إلى الأذهان محطّات كثيرة خلال سنوات الأزمة السوريّة، تبنّى فيها الإعلام التقليدي ومواقع التواصل صوراً تبيّن لاحقاً أنّها مزيّفة.
حملة التشكيك بحقيقة الصور، لم تلقَ استجابة من القنوات العربيّة التي واصلت نشر بعض الصور على أنّها من مضايا، مثل صورة نشرها موقع قناة &laqascii117o;الجزيرة" القطريّة لرجل نحيل جداً نائم على قارعة الطريق، تبين أنها صورة لمتشرد أوروبي موجودة على الانترنت منذ العام 2009.
من جهتها، وأمام الحملة الإعلاميّة التي تحمّل &laqascii117o;حزب الله" مسؤوليّة الحصار في مضايا، عرضت قناة &laqascii117o;المنار" تقريراً تلفزيونياً فندت فيه عدداً كبيراً من الصور التي نشرت على أنها من مضايا، مبينة أنها تعود إلى أزمات إنسانية أخرى.
مذيع قناة &laqascii117o;الجزيرة" فيصل القاسم وجد نظريّة حول الصور المزيّفة، إذ دعا متابعيه للحذر، قائلاً: &laqascii117o;مواقع المخابرات السورية تنشر صورا مفبركة وتقول إنها للجوعى في مضايا، فتأخذها مواقع المعارضة ثم يخرج إعلام الممانعة والمقاولة ليكذبها ويقول إنها مفبركة، وذلك لضرب مصداقية الحملة الإعلامية التي تحاول فضح الممارسات النازية لنظام بشار الأسد وميليشيات حسن نصرالله في الزبداني ومضايا. لا تنشروا أي صورة للجوعى إلا إذا تأكدتم منها، فهناك الكثير من الصور توزعها مواقع المخابرات".
على المقلب الآخر، بدأت حملة مضادة على مواقع التواصل عبر وسم &laqascii117o;متضامن مع حصار مضايا"، وجد الناشطون عبرها، لسبب ما، أنّ السخرية من أخبار المجاعة في حرب لم توفّر أهوالها أحداً، أمر طريف. فنشروا صوراً لبرّادات، ولموائد طعام، معلنين تضامنهم مع المحاصرين، ما جعلهم محطّ اهتمام الصحف العالميّة، فعنونت &laqascii117o;ذا اندبندنت": &laqascii117o;مضايا: أنصار النظام السوري يتبادلون صور الأطعمة التي يسخرون فيها من تجويع المدنيين المحاصرين في المدينة". كما نشرت صحيفة &laqascii117o;تليغراف" البريطانية مادة بعنوان: &laqascii117o;داعمو الأسد يسخرون من المحاصرين في مضايا بصور الأطعمة".
انضمّ المخرج اللبناني شربل خليل إلى حملة الشامتين، فنشر صورة لرجال من قبيلة إفريقيّة، يبدو أنّهم مصابون بسوء التغذية، وغرّد: &laqascii117o;رئيس بلدية مضايا المحاصرة وأعضاء المجلس البلدي في آخر صورة لهم! أين الضمير؟". إشارة المخرج إلى وجود صور مزوّرة عن مضايا، جاءت محملّة بعنصريّة مزدوجة، ولاقت تعليقات سلبيّة كثيرة على مواقع التواصل.
من جهتها، حاولت قناة &laqascii117o;الميادين" التثبّت من كافّة المعلومات حول مضايا قبل بثّها، وانفردت بلقاء مع الناطق الرسمي باسم الصليب الأحمر الدولي في سوريا باول كرزيسياك الذي قال إنّه من الصعب التأكّد من الصور المنتشرة حول مضايا، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنّه دخل المدينة إلى جانب الزبداني والفوعة وكفريا وشهد على أنّ الأهالي يعانون من الجوع. تصريح أثار الجدل حول موعد تسلّم المساعدات، والجهات التي تسلّمتها.
الكاتب والأكاديمي السوري محمد صالح الفتيح كتب عبر حسابه على موقع &laqascii117o;فايسبوك": &laqascii117o;تستخدم المعارضة السورية الصور المنسوبة لمضايا لترويج رواية معيّنة لدى الإعلام الغربي ولدى المنظّمات الدوليّة. ونفس هذا الإعلام الغربي والمنظمات الدولية يتداول تصريحات مختلفة تماماً لنفس الشخص الذي استقبلته &laqascii117o;الميادين" ـ باول كرزيسياك الناطق الرسمي باسم الصليب الأحمر الدولي في سوريا". وتابع: &laqascii117o;لا يوجد في الإعلام الغربي أي ذكر لحصار كفريا والفوعة، وهذا يثبت فشل كل الإعلام الممانع. كل &laqascii117o;الزيطة والزنبليطة" التي تقومون بها حول حصار كفريا والفوعة لا فائدة منها ما دامت لا تصل للإعلام العالمي".
هكذا، وببركة مواقع التواصل، تحوّلت الأخبار الآتية من مضايا إلى حفلة مزايدات إعلاميّة، لتدخل قضايا الجوع في زواريب التمييز، والترويج والترويج المضاد للأطراف المتنازعة.
المصدر: صحيفة السفير