زينب حاوي
93.37 كلم مربع هي مساحة &laqascii117o;مضايا" السورية الواقعة في ريف دمشق. مساحة صغيرة، لكنها أضحت خلال الأيام القليلة الماضية مختبراً لكل القوى المتقاتلة على الأرض السورية المحترقة. برزت في المعركة نجاعة استخدام الإعلام التقليدي والحديث، للنيل من الخصوم وخلق رأي عام مناهض لهم بناء على أرضية كاذبة ومفبركة أو بعضها كذلك. مضايا كما سوريا، كانت أرضاً خصبة لتجارب المنظومات والإختبارات الإعلامية، لصالح غياب حقيقة ما يحدث.
حتى اليوم، و&laqascii117o;بفضل" التجاذب والاستقطاب الإعلامي السياسي، لم نعلم حقيقة ما يحدث حقاً في مضايا: هل أهلها يموتون جوعاً؟ وهل اسُتغلوا إعلامياً لخدمة مآرب سياسية واضحة؟ ومن المسؤول عن هذه المعاناة؟ الصورة لن تكون واضحة وحاسمة، لكن الواضح والحاسم هو مطبخ صناعة هذه البروباغندا التي ذهبت حدّ تسليع معاناة إنسانية رهيبة. هكذا أضحت الصور والشرائط المزور منها والواقعي، أداة سهلة في هذا الترويج، قابلتها حملة قادتها قناة &laqascii117o;المنار" عبر سلسلة تقارير إخبارية آخرها صوّر من داخل مضايا السورية، يظهر ـــ كما بدا في الشريط ـــ الأهالي وهم يتهمون المسلحّين بمصادرة إعاشتهم وبيعها بأسعار مرتفعة. هذه الحملة قد لا تستطيع الوقوف في وجه الآلة الدعائية الضخمة، لكنها على الأقل أشارت الى كمّ التزوير الحاصل في صور الأطفال والعجّز، وكسرت كوة صغيرة في سير الحملة الدعائية القائمة. في المقابل، وفي هذه البقعة الصغيرة نفسها، أخذت كاميرات قناة &laqascii117o;العربي" القطرية، تعرض على مدار الساعة فيديوات قالت إنّها من داخل مضايا تحت عنوان &laqascii117o;مضايا: حصار خانق... ومدنيون بإنتظار الموت". مضمون هذه الفيديوات أنّ النظام السوري و&laqascii117o;حزب الله" يستخدمان &laqascii117o;سلاح التجويع الجماعي" كـ &laqascii117o;أداة مشروعة بينما دول العالم لم تتحرك للمناصرة رغم تغنيها بالحريات والديمقراطيات". خطاب انتشر قبلاً على مواقع التواصل الإجتماعي عند &laqascii117o;إعلاميي الثورة"، وعلى الفضائيات السعودية والقطرية في استفاقة جديدة على حقوق الإنسان. وعلى سبيل النكتة، بدأ تقرير عرضته قناة &laqascii117o;العربية" أمس بعنوان &laqascii117o;مضايا السورية تئن جوعاً... والحصار مستمر"، بجملة قلّ نظيرها في هذا الإعلام: &laqascii117o;في القرن الحادي والعشرين، لا يمكن لإنسان أن يتخيل أن طفلاً قد يموت جوعاً بسبب الحصار والحرب، في زمن تفرض فيه كافة المواثيق والقوانين الدولية والأخلاقية وحتى الدينية تحييد المدنيين خلال الحروب".
إذاً اختلطت المعايير هنا. باتت حقوق الإنسان شماعة تعلّق تبعاً لإزدواجية المعايير، فإذا طرحنا سؤالاً مقابلاً: &laqascii117o;ماذا عن العدوان على اليمن وسقوط المدنيين وآخرهم استهداف مركز &laqascii117o;النور للمكفوفين" في صنعاء؟"، طبعاً ستغيب الإجابة هنا. إذاًَ، هي حروب بالجملة ضحاياها المدنيون، وقادتها ليسوا العسكر بل الأذرع الإعلامية. ورغم عشرات الحسابات الإفتراضية والتقارير التلفزيونية المناهضة للتزوير، إلا أنّ حملة &laqascii117o;مضايا" نجحت في تحقيق أهدافها. سلاحها إنساني محض كفيل بتوسيع القاعدة الشعبية المؤيدة، حتى مَن هم خارج التجاذب بين الأطراف المتصارعة في سوريا. نجحت الحملة في تحويل الأنظار الى هذه البقعة (ولو لم تظهر حقيقة ما يحدث فعلياً). ولعلّ أبرز أهدافها هي اتهام &laqascii117o;حزب الله" دون غيره بالضلوع في عملية الحصار والتجويع. الهدف ــ كما حصل بعيد عام 2005 ـ هو تشويه صورة هذا الحزب عبر حملة أخرى تقاد الكترونياً على وجه التحديد تتمثل في سلسلة هاشتاغات أبرزها &laqascii117o;#نصر_الله_قاتل_الأطفال"، #نصر_الله_مجرم_حرب".. ولعلّ أبرز مقال كتب عن هذا الأمر يوضح هذا التوجه، نشر في موقع &laqascii117o;الجزيرة" بعنوان &laqascii117o;مضايا..حين تصبح الممانعة أكثر إجراماً". هنا، برزت لغة الإجرام، لكنها بالتأكيد تغيب عن أدبيات هذه المنابر وصحافييها عندما يتعلق الأمر بـ &laqascii117o;داعش" وأخواتها، فتغيب الإدانات وحتى تصنيف هذه المنظمات على أنها &laqascii117o;إرهابية" بالرغم من فظاعة إرتكاباتها الدموية. وفي هذا الإطار أيضاً يأتي ربط &laqascii117o;حزب الله" بما قام به بعض الساقطين أخلاقياً على مواقع التواصل الإجتماعي من خلال نشرهم صور الطعام والموائد العامرة بهدف السخرية من أهل مضايا. هذه الصور سرعان ما ألصقت بالحزب أيضاً. حتى &laqascii117o;bbc عربي" التي تمارس الحياد مع الصهاينة في احتلالهم وممارساتهم الدموية اليومية، مارست الإنحياز وتبني هذا الترويج. هكذا، عنونت أول من أمس، على موقعها الإلكتروني &laqascii117o;مناصرون لحزب الله يسخرون من حصار مضايا".
وبجوجلة لكل ما تقدم، اختصرت معاناة مضايا، كل المشهدية الإعلامية المحتدمة، بين الأفرقاء المتصارعين. ومع الوقت، أخرجت عصارتها، وأهدافها التي استخدمت المدنيين السوريين للقفز على مشاريع سياسية أبعد ما تكون عن الهم الانساني.
المصدر: صحيفة الأخبار