سعدالله الخليل
بين الانطلاقة النظرية لمباحثات جنيف 3، والتي أرادها الموفد الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا مجرد إشارة بدء ماراتون طويل الأجل، والإصرار السوري على أنّ ما يجري في جنيف لا يتعدّى جولة إبداء حسن النية من الجانب السوري، بانتظار إتمام موجبات انعقاد الملتقى الدولي بمعرفة الوفود المقابلة أولاً وقوائم التنظيمات الإرهابية التي من المفترض أن تصدرها الأردن وتصادق عليها الأطراف الدولية قبل الدخول في المفاوضات جدّياً.
في الشكل والشعار وما هو معلن، فإنّ ما يدور في جنيف شأن سوري ـ سوري، فيما المضمون وشياطين التفاصيل تؤكد بأنها تتجاوز الحدود السورية وتلقي الأبعاد الإقليمية والدولية ثقلها على مضامينها، تماماً كما ألقت تلك الأطراف بثقلها على الأزمة السورية بشكل عام منذ بدايتها وما تزال حتى اللحظة.
أمام جنيف تنصّلت عواصم الغرب من تفاهمات فيينا ورمت القرار الدولي 2245 وراء ظهرها بالطريقة والآلية نفسيهما اللتين تعاطت فيهما مع عشرات القرارات الأممية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، والتي تؤكد وتصرّ على تجفيف منابع الإرهاب وتمويله ومنع التعاطي مع المنظمات الإرهابية وغيرها من العناوين التي بقيت حبراً على ورق من دون أن يتقدّم تنفيذها خطوة إلى الأمام، لغايات في نفس يعقوب، وعجز عن الوصول إلى إعلان واضح لماهية التنظيمات الإرهابية، لأنّ كلّ فصيل مسلّح هو نتاج قوى إقليمية دولية مساهمة في الحرب على سورية، فكيف يمكن للأردن أن تدرج فصيلاً سعودياً على القائمة؟ وأية قوة دولية قادرة على إدراج فصيل تركي أو قطري؟ وهو ما يؤكد بأنّ الألغام الكامنة في مسار جنيف لا تتوقف عند مشاركة محمد علوش كممثل لفصيل سعودي على الأرض السورية!
ربما تنجح روسيا وسورية في إلزام الغرب بالامتثال للقرار الدولي 2245، وربما تضطر الدول الكبرى إلى الرضوخ للضغط الروسي في ميادين السياسة وتطورات الميدان السوري في قول الأشياء بمسمّياتها، وبذلك تكسب مرتين بأن تعيد إلى القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة هيبتها واحترامها الضائعين منذ الحرب الباردة، وتضع المسألة السورية على سكة الحلّ السياسي الصحيح، وإنْ لم تتمكن فلا حرج من قرار دولي يعيد تصويب المسألة السورية إلى خيارات الحوار السوري ـ السوري والدولة المدنية البعيدة عن إقصاء أيّ مكوّن من مكوّناتها وإنهاء الحديث عن إسقاط الدولة، بدءاً من رأس الدولة وانتهاء بأصغر المؤسسات السورية التي طالب القرار بالحفاظ عليها.
كسبت سورية وحلفاؤها في القرار ولعبت على الوتر ذاته الذي لعبه الغرب في إدارة المعركة على الأرض السورية، ففي الوقت الذي سعى الغرب لتمرير الوقت وإعادة تدوير فصائل مسلحة على الأرض السورية وإدخالها في العملية السياسية، فإنّ موسكو ودمشق قطعتا الطريق على تلك الخطوات بالإصرار على تمسكها بالحق بمعرفة أسماء الوفود المشاركة بالعملية السياسية وقائمة الإرهابيين، ودون ذلك فإنّ وقف إطلاق النار في حكم المستبعَد، ولا يمكن القبول به، وبذلك كان ردّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف واضحاً لفريق الرياض المفاوض الذي اشترط وقف الغارات الروسية والسورية قبل الانتهاء من تنظيمي «داعش» و«النصرة»، على اعتبار أنّ وقف إطلاق النار يقابله إغلاق الحدود السورية ـ التركية، وبالتالي فإنّ المعارك الدائرة في أرياف حلب واللاذقية ما هي الا ترجمة عملية لتلك الرسائل، ففي الوقت الذي يصرّ الوفد السوري في جنيف على الثوابت السياسية فإنّ الرسائل الميدانية أبلغت التأكيد على تلك الثوابت وبأنّ المواجهة الميدانية مع الإرهاب لا تقبل القسمة ولا التهاون.
من نُبُّل والزهراء إلى جنيف رسائل روسية سورية غاية في البلاغة تقطع الطريق الأميركية السعودية على تكهّنات مشاركة علوش وأمثاله في الحوار السوري ـ السوري، وفحوى الرسالة بأنّ مَن صبر خمس سنوات على تأخر العملية السياسية قادر على تحمّل صبر ساعة…
المصدر: صحيفة البناء