قضايا وآراء » الإسلاموفوبيا: من المسؤول؟

محمد السمّاك

تنفيذاً لقرار اتخذته القمة الإسلامية التي عُقدت في ماليزيا قبل أكثر من عقد من الزمن، تقرر تشكيل لجنة من العلماء المسلمين سُميت لجنة الحكماء. كانت مهمة اللجنة وضع أسس لخطاب إسلامي جديد للتحاور مع مجتمعات العالم المختلفة. وقد جاء تشكيل اللجنة إعراباً عن القلق الإسلامي من جراء تصاعد مشاعر الكراهية ضد المسلمين بعد حادثة 11 أيلول/ سبتمبر 2001 وما تبعها من أحداث إرهابية ومن ردود فعل عدائية.

تمّ اختيار أعضاء اللجنة من عدة دول إسلامية. وعقدت اللجنة اجتماعها الأول في مدينة إسلام آباد. في ذلك الوقت كانت باكستان برئاسة الجنرال بارويز مشرف. وكنتُ واحداً من أعضاء تلك اللجنة التي أنجزت عملها في ثلاثة أيام. ولكن منذ ذلك الوقت لم تُدعَ اللجنة إلى اجتماع ثانٍ.. ولم يُنفَذ شيء مما اقترحته.

ومع تصاعد الأعمال الإرهابية التي تُرتكب باسم الإسلام، ارتفعت وتيرة الكراهية ضد المسلمين في العالم، حتى أن دولاً أوروبية اشترطت لقبول حصتها من المهجرين السوريين ألا يكون بينهم مسلم واحد. ثم كانت تصريحات مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة في الولايات المتحدة دونالد ترامب بعدم السماح للمسلمين بدخول الأراضي الأميركية.

كان من الطبيعي أن ترتفع صرخات الإدانة والاستنكار في العالمين العربي والإسلامي ضد هذه المواقف العنصرية البغيضة. ولكن السؤال الكبير هو ماذا فعل المسلمون أنفسهم؟ وبالتحديد ماذا فعلت منظمة التعاون الإسلامي والمنظمات الثقافية والدينية الإسلامية الأخرى لمقاومة ظاهرة الإسلاموفوبيا؟ وأين هو الخطاب الإسلامي الحضاري المنفتح على الأديان والثقافات العالمية الاخرى؟

الذي تقرر في اجتماع إسلام آباد تضمن برنامجاً للتواصل مع المرجعيات الدينية الكبرى في العالم الفاتيكان مجلس الكنائس العالمي في جنيف- مجلس الكنائس الوطني الأميركي في نيويورك، ومجلس كنائس الشرق الأوسط في بيروت وسواها. كما تضمن برنامجاً آخر للتواصل مع الجامعات الكبرى في العالم وخاصة مع الكليات المتخصصة بالدراسات الشرقية. وتضمن كذلك برنامجاً للتواصل مع مراكز الأبحاث والدراسات ومع الأحزاب السياسية في أوروبا والولايات المتحدة بشكل خاص. وتضمن البرنامج كذلك إعداد دراسات تشرح نظريات الإسلام وباللغات المعتمدة في الأمم المتحدة بشأن قضايا إنسانية واجتماعية ودينية، ونشرها في المجلات الفكرية وفي أمهات الصحف الكبرى في العالم.

ولكن مع الأسف الشديد لم يحدث شيء من ذلك. الذي حدث كان انفجار بركان جديد من براكين التطرف بلباس إسلامي، أطلق سيلاً من الحمم المحرقة والمدمرة استهدفت المدن والعواصم ذاتها التي كانت تنتظر أن يطل عليها المسلمون باللغة الجديدة الموعودة.. لغة السماحة والوسطية والحوار.

وفي لقاء مغلق نظمه الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي عُقد في إسطنبول، كان جدول الأعمال يتضمن مادة وحيدة، وهي: كيف نواجه الإسلاموفوبيا؟ وفي هذا اللقاء أيضاً وضعت خطة عمل انطلاقاً من مقررات لقاء إسلام أباد. ولكن شيئاً عملياً لم يحدث أيضاً.

مع ذلك، فإن من الإنصاف الإشارة إلى مبادرتين عمليتين والإشادة بهما؛ مبادرة قطر بتنظيم مؤتمرات سنوية حوارية بين الأديان وتقديم جائزة سنوية تشجيعاً لأفضل عمل يمد جسوراً من التفاهم والتعارف بين الناس، والمبادرة التي قام بها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله بإنشاء مؤسسة دولية للحوار بين الأديان والثقافات بالشراكة مع كل من إسبانيا والنمسا والفاتيكان، ومقرّها فيينا.

ليس صحيحاً أن العالم يخاف الإسلام. الصحيح أن العالم لا يفهم الإسلام. وهذه مسؤولية المسلمين في الدرجة الأولى. وكلما تباطأ المسلمون في أداء واجبهم في تصحيح الصور النمطية السلبية عن الإسلام، يتحول الخوف إلى رهاب.. والرهاب إلى كراهية.. والكراهية إلى اضطهاد. وهذا ما حصل مع اليهود من قبل.. فهل نتعلم قبل فوات الأوان؟

المصدر: صحيفة المستقبل

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد