قضايا وآراء » صرخة الصحافة السودانيّة: إضراب عن الطعام


درّة قمب

ينفّذ ثلاثون صحافيّاً وصحافيّة إضراباً عن الطعام في العاصمة السودانيّة، احتجاجاً على تعليق صدور صحيفة &laqascii117o;التيّار". يعدّ ذلك تصعيداً غير مسبوق من قبل الصحافيين في بلد مصنّف بين الأسوأ لناحية حريّة الصحافة. يشهد السودان أسبوعيّاً حالات اعتقال لصحافيين، ومصادرة صحف بعد الطبع، إلى جانب وقف أخرى عن الصدور من دون تحديد سبب أو مدّة زمنيّة لعودتها.

أعلن صحافيّو جريدة &laqascii117o;التيّار" السودانيّة الإضراب المفتوح عن الطعام، احتجاجاً على تعليق صدورها. نقل بذلك تاريخ النضال النقابي في البلاد، إلى مرحلة غير مسبوقة.
للمرّة الثالثة خلال أربعة أعوام يواجه صحافيو &laqascii117o;التيار" الإيقاف الجماعي عن العمل إلى أجل غير مسمّى. في العام 2014، نجحت إدارة الصحيفة بانتزاع حكم من المحكمة الدستوريَّة، أعلى سلطة قضائية في السودان، بعدم قانونيّة منع صدور الصحيفة بأمر من جهاز الأمن والمخابرات السوداني. أنهى ذلك الحكم معركة قانونية استمرّت لعامين لم تصدر خلالهما الصحيفة.
ليست حالة &laqascii117o;التيّار" فريدة أو نادرة في الخرطوم، إذ تعاني معظم الصحف السودانيّة من الإيقاف المتكرّر من دون تحديد مدى زمنيّ، بأمر من السلطات الأمنيّة. مع العلم أنّ الصحف تنال موافقة أمنيّة قبل إجازة صدروها عن &laqascii117o;مجلس الصحافية والمطبوعات"، الجهة الرسمية المخوّلة منح المصادقات اﻻدارية والتقنية للجرائد. ولكن، لم يتح للمجلس ممارسة صلاحيّاته إلا نادراً، إذ يتولّاها جهاز المخابرات الذي ينفّذ عقوباته على الصحف والصحافيين من دون العودة إلى المجلس أو القضاء.
تحصي المؤسسات المهتمّة بحريّة الصحافة في السودان بشكل أسبوعي، حالات اعتقال صحافيين، أو استدعاءهم للتحقيق، أو مصادرة الصحف بعد الطبع. وثمّة قناعة راسخة لدى الصحافيين والمدافعين عن حرية الصحافة والتعبير بأن السلطات العليا في السودان، لا يروقها وجود صحافة مستقلّة، خصوصاً بعدما صرّح الرئيس السوداني عمر البشير قبل بضعة أشهر أنّ &laqascii117o;أداء الصحافة في البلاد ليس على ما يرام"، متوعّداً بوضعها تحت إشرافه المباشر. ذلك ما حدث بالفعل، مع تأليفه &laqascii117o;لجنة لمتابعة اﻷداء الإعلامي"، تعمل تحت رعايته.

تصعيد غير مسبوق
يمثّل إضراب صحافيي &laqascii117o;التيار" عن الطعام بدءاً من 1 آذار الحالي، تصعيداً غير مسبوق في حراك الصحافيين السودانيين المطلبي، إذ يتخطى الفعل خانة الوقفات اﻻحتجاجية عند كلّ تجاوز جديد لجهاز الأمن. علماً أنّ الأمن تمادى العام الماضي لدرجة مصادرة 14 صحيفة في واحد، من أصل 26 صحيفة سياسية يومية.
يدخل صحافيّو التيّار إضرابهم بتضامن واسع من زملائهم في الصحف ووسائل اﻻعلام الأخرى، إلى جانب أحزاب سياسية معارضة، ونقابات مهنية مناوئة للسلطة، وناشطين سياسيين، ومدافعين عن حقوق اﻻنسان وحرية الصحافة والتعبير. وتبرّع أطباء بمراقبة الحالة الصحيّة للمضربين، بينما توافد المئات إلى مقّر الصحيفة وسط الخرطوم ظهر أمس الأوّل للتعبير عن دعمهم، ومن بينهم صحافيون محسوبون على السلطة. الطريف في الأمر أن الصحافيين الموالين للسلطة باتوا محرجين لدرجة انضمّ فيها رئيس &laqascii117o;اتحاد الصحافيين" الصادق الرزيقي إلى وقفة احتجاجيّة نفّذها صحافيو &laqascii117o;التيّار" اﻻسبوع الماضي. والاتحاد المذكور هو الكيان النقابي الرسمي الوحيد للصحافيين في السودان.

تضييق ومصادرة واعتقالات
حلّ السودان في المرتبة 174 من أصل 179 على مؤشّر حريّة الصحافة الصادر عن &laqascii117o;مراسلون بلا حدود" نهاية 2015، بسبب اعتماد الأمن سياسة الملاحقات، وفرض توجيهات على إدارات الصحف عبر الهاتف، وإنشاء شركة توزيع تحتكر توزيع الصحف في أنحاء البلاد كافّة، بجانب امتلاكه المطبعة حيث تطبع أغلب الصحف، وشركة إعلانات تحتكر بصورة شبه كاملة سوق اﻻعلان.
وأحصت منظمة &laqascii117o;جهر" المتخصصة بحرية الصحافة في السودان أكثر من ستين حالة مصادرة للصحف بعد الطبع العام الماضي وحده، منها 13 مصادرة لصحيفة &laqascii117o;التيّار". وذلك إجراء مقصود منه تكبيد الصحف خسائر فادحة تردعها عن أي فعل لا يعجب السلطة. يضاف إلى المصادرة إجراءات أخرى، منها البلاغات بحقّ الصحف والصحافيين أمام المحاكم، واستدعاؤهم للتحقيق معهم بعيداً عن النيابات وأقسام الشرطة.
لا تنفصل حالة الصحافة في السودان عن المشهد العام، فيما يتعلق بالحريات ومساحات التعبير، لكنّها تبدو أقسى. فإلى جانب شحّ الرواتب (بين 150 و200 دولار)، هناك رقابة مسبقة على الصحف، وعقاب فردي لا يتوقّف عند المصادرة. ولا تتلقّى الصحف تعويضاً عن خسائرها في العادة، باستثناء حالة واحدة، حين نجحت صحيفة &laqascii117o;الميدان" الناطقة باسم &laqascii117o;الحزب الشيوعي السوداني"، بنيل حكم بالتعويض ضدّ جهاز الأمن والمخابرات، في العام 2014.

مماطلة
تصعيد صحافيي &laqascii117o;التيّار" في إضرابهم عن الطعام، يعدّ خطوة مهمّة، تخالف المعتاد من الوسائل الاحتجاجيّة في السودان. لم يسبق للصحافيين السودانيين أن صعّدوا إلى هذا الحدّ. ولم يتجاوز تصعيدهم سقف تنفيذ اعتصام في العام 2007 على خلفيّة اعتقال مجموعة في الولاية الشمالية كانت تغطّي مظاهرات مناوئة لخطوة حكوميّة متعلّقة بإنشاء سدود في المنطقة.
مسار التصعيد الجديد من شأنه أن يضع السلطة أمام مسؤولية كبيرة خصوصاً أن المحكمة الدستورية تنظر في طعن إدارة الصحيفة على قرار تعليق صدورها، فيما يماطل جهاز الأمن والمخابرات لتعطيل القضيّة، يحسب رأي العديد من الصحافيين، من خلال طلبه مهلة ثانية للردّ على المحكمة بشأن مسوّغاته لاتخاذ تلك الخطوة. وبالانتظار، هناك حياة ثلاثين صحافيّاً وصحافيّة رهن ردّ الاستخبارات، ومن بعدها قرار المحكمة الدستوريّة التي تنعقد دوريّاً وليس يوميّاً كباقي المحاكم العادية.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد