قضايا وآراء » حزب الله الإرهابي

عبد الله زغيب

لم يكن مفاجأة من العيار الثقيل ذهاب دول مجلس التعاون الخليجي نحو اعتبار حزب الله اللبناني منظمة إرهابية، خاصة أن الأزمة كان لها سردية واضحة المعالم، والى حدّ ما لا تقبل التأويل. ومنذ انطلاق العلاقة الظرفية وغير السوية بين الطرفين، بدا التقارب فيها محكوماً باعتبارات تراكمت في ذاكرة ووعي وإدراك الأنظمة الخليجية بقيادة السعودية، وكذلك قيادة حزب الله.
فالمواجهة لم تعد مجرد تنافس وظيفي عبر أطراف تنوب عن الأصيل في المعترك السياسي، كما كان يحصل على الساحة الداخلية اللبنانية، طوال سنوات الهدوء التي تلت اتفاق الطائف، خاصة أن تلك السنوات شهدت صعوداً قوياً لـ حلفاء الرياض في الداخل اللبناني، بدت معه المملكة الأقدر على التحكم بمسار السياستين الخارجية والمحلية اللبنانية، برغم كل ما ظهر من دور سوري قوي في صياغة لبنان ما بعد الطائف. إذ إن الرياض تمكّنت من إيجاد واقع ينطلق من &laqascii117o;حمائية" مفرطة إذا ما تعلق الأمر بـ حصتها في الترويكا اللبنانية الحاكمة قبل نحو خمس عشرة سنة، فيما تمارس عمليات التفاوض وعقد الصفقات مع الدول الوازنة في الداخل، وحول حصّة هذه الدول وامتداداتها الداخليّة.

السعودية والحزب و ترويكا التسعينيات

الخلاف بين السعودية و حزب الله كان الحاضر الدائم في عملية بناء الخيارات السياسية الخارجية اللبنانية، وكذلك صياغة التحالفات والائتلافات في الداخل اللبناني، مضاف إليها قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لما لدى السعودية من اعتراض تاريخي قوي على الأسلوب وكذلك المنهج الذي يعتمده &laqascii117o;حزب الله" وفصائل فلسطينية أخرى في مواجهة إسرائيل. وهذا الواقع تحكّم بنسق الحياة السياسية اللبنانية لفترة عقد ونصف، وقد أنتج مع الوقت رتابة معيّنة من الخلاف المقنن. إذ تمكن الطرفان ولمدة طويلة من رسم خطوط حمر نفسية، تحدّ من زخم التصعيد السياسي والإعلامي، وتمنع بالتالي انهيار المنظومة التي تحكّمت بلبنان، القائمة على مثلث أميركي - سوري - سعودي زائد إيران في المرحلة الأولى. ومع اشتداد القوة الإيرانية في الخليج وكذلك في الداخل اللبناني، حلّت طهران محل الولايات المتحدة كلاعب &laqascii117o;أصيل" في الداخل اللبناني الى جانب الرياض ودمشق.
بقي الخلاف غير الودّي قائماً طوال فترة السكون المصاحب لتيسير عمل الترويكا اللبنانية الحاكمة. إذ ساهم بقاء الحزب، خارج المعترك المحلي بتفصيلاته، في عدم اصطدامه بالرياض كما حصل منذ حرب تموز العام 2006 حتى اليوم. حيث اكتفى &laqascii117o;حزب الله" طوال فترة التسعينيات من القرن الماضي، بدور الحليف القوي للمنخرطين الأساسيين. لكنه لم يكن يوماً طرفاً فاعلاً بشكل مباشر في المعترك الاقتصادي ـ السياسي، أو ما اصطلح على تسميته في لبنان &laqascii117o;بعهد المحاصصة". وهذا بطبيعة الحال لا يعني أنه كان غائباً عن الساحة الداخلية، ولا يرفع عنه المسؤولية التاريخية التي يحتّمها القدر المعيّن من انخراطه في الساحة، خاصة أن خياراته الانتخابية حدّدت بقدر كبير الشكل النهائي للحكومات اللبنانية المتعاقبة. فالحزب في زمن الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان وبقاعه الغربي، ركّز في عمله الداخلي على إنشاء منظومة حماية سياسية للمقاومة المسلحة، اعتمدت على علاقاته العامة وعلى تحالفاته المحلية.

تموز 2006.. بداية القطيعة

لم تكن الحرب الإسرائيلية على لبنان العام 2006 السبب المباشر لتحوّل التوتر بين حزب الله والسعودية الى حيّزه الأحمر الحار. فقد شكل العدوان هذا خاتمة تراكمات انطلقت مع عملية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط 2005، وما تبعها من انقلاب جذري في طبيعة التعاطي المباشر بين أقطاب الساحة السياسية اللبنانية. إذ مثّل الاغتيال فرصة تاريخية أمام حلفاء الرياض في الداخل للتخلص نهائياً من &laqascii117o;الوجود" العسكري السوري الثقيل، بالتوازي مع تقليم أظافر حلفاء سوريا وإيران في الداخل. وقد جاءت حرب تموز في حمأة الانقسام السياسي هذا، وهي شكلت بالمحصلة النهائية استكمالاً لحصاد اغتيال الحريري في الداخل اللبناني. إذ كما تمكنت مفاعيل اغتياله من إخراج الجيش السوري من لبنان وإضعاف حلفاء دمشق، كان يفترض بحرب تموز تحييد حزب الله بشكل نهائي عن الساحة، لما في الأمر من منفعة مباشرة للإسرائيليين ومن خلفهم الأميركيين، وكذلك لمنظومة الاعتدال العربي بقيادة السعودية، وهذا ما لم يحصل.

7أيار: ما قبل المواجهة

أحداث السابع من أيار 2008 في لبنان وما تلاها، كانت من أكثر النماذج تعبيراً عن طبيعة الخلاف المستور بين حزب الله والسعودية، إذ استشعرت الرياض وقتها بفائض قوة غير مسبوق، مردّه الإحساس بإنهاك &laqascii117o;حزب الله" في المرحلة التالية لحرب تموز. وكذلك تمكّن حلفاؤها في الداخل من تكوين رأي عام قوي متقبّل لقرارات &laqascii117o;المواجهة" غير المباشرة مع الخصوم، في ظل تراجع ملحوظ في قدرة الشام على التأثير.
فكان صدور قرارين من مجلس الوزراء اللبناني برئاسة فؤاد السنيورة، بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بـ حزب الله وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي وقتها العميد وفيق شقير، مقدمة لما اعتبره الحزب انقلاباً سعودياً بالتعاون مع حلفائها في الداخل، على البيان الوزاري الذي مُنحت على أساسه حكومة السنيورة الثقة، وبالتحديد &laqascii117o;حماية" المقاومة. فأخذ الحزب وقتها قراراً بخوض مواجهة عسكرية مباشرة و &laqascii117o;مدروسة" مع خصوم الداخل، خاصة في بيروت والجبل، الأمر الذي &laqascii117o;أثمر" انكفاءً من حلفاء الرياض على الساحة المحليّة، وهو ما يسّر انتخاب رئيس للجمهورية، ضمن ما سُمّي وقتها &laqascii117o;اتفاق الدوحة". وقد شكل ذلك سحباً قطرياً غير مباشر للبساط من تحت أقدام السعودية، استناداً الى نتائج &laqascii117o;مواجهات" السابع من أيار. لكن هذا لم يعنِ أن الرياض خسرت مقعدها على طاولة القرار اللبناني. بل كان الأمر تراجعاً تكتيكياً بفعل الضرورة، لعدم قدرتها على خلق واقع موازٍ لقدرة &laqascii117o;حزب الله" العسكرية في الداخل، ولعلمها بأن ملفات أخرى ما زالت مفتوحة، يمكن من خلالها أن تستمرّ في محاولة &laqascii117o;صيد" الحزب، وبالتحديد ملف محاكمة القتلة المزعومين للراحل الحريري.

عن ربيع البحرين

شكلت ثورة 14 شباط في البحرين مدخلاً مباشراً لتظهير الخلاف العميق بين حزب الله والسعودية، وبرغم أن الحزب ومنذ انطلاقة الربيع العربي اتخذ موقفاً مناصراً للحراك الشعبي، خاصة في مصر وتونس، إلا أن خصوصية البحرين الطائفية من منظور الحزب وكذلك من منظور الرياض، أدّت إلى تصعيد الموقف إلى حد لم يصله من قبل. فالسعودية انطلقت من قناعة مفادها ضرورة الحفاظ على التهدئة في أقطار مجلس التعاون كافة، نظراً لمدى عمق الارتباط المجتمعي والثقافي هناك، ما يعني غياب المناعة الوطنية أمام تمدد الظواهر الاجتماعية، خاصة أنها تنطلق وتُبنى على مطالب موحّدة، وعلى واقع حقوقي مأزوم وموحّد كذلك. هكذا، جاء موقف الحزب المناصر لحراك دوار اللؤلؤة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وفي الساعات الاولى لدخول قوات درع الجزيرة بقيادة الرياض الى المنامة، لاقى حزب الله الموقف الإيراني بشكل أقل حدية. اذ وبرغم ذهاب طهران إلى اتهام الرياض مباشرة بغزو البحرين، آثر الحزب اللبناني اتخاذ موقف أكثر تفهماً للواقعية البحرينية، مشدداً عبر سلسلة خطب لأمينه العام على ضرورة اعتماد الحوار مخرجاً للأزمة هناك بين المعارضة بما تمثل من ثقل شعبي والسلطة بما تمثل من امتداد خليجي. لكنه موقف لم يكن كافياً على الإطلاق لمنع البحرين من اتهامه، وعلى مراحل، بـ التآمر لتنفيذ عمليات أمنية في الداخل، توّجتها المنامة بإدراجه على لائحة التنظيمات الإرهابية الخاصة بها نهاية 2015.

اليمن والحرب المفتوحة

برغم الفارق الكبير بين الساحتين السورية واليمنية، قياساً الى هوية المنخرطين، وحجم المصالح الاستراتيجية التي استجلبت تدخلات دولية ثقيلة في الحالة السورية، وتدخلات إقليمية في الحالة اليمنية، إلا أن الصدام النهائي بين الرعاة الإقليميين، شكل بداية النهاية لصراع أمني وسياسي واقتصادي طويل من خلف الكواليس، وأسّس لمواجهة نارية مباشرة. فقد اكتسب الدور الإيراني في اليمن أهمية فائقة لناحية بناء الموقف النهائي من الأزمة هناك لدى قيادة &laqascii117o;حزب الله"، وكذلك النسيج القوي من العلاقات الحسنة مع الحراك الجنوبي و أنصار الله، ما خلق قوة ضاغطة على الحزب للخروج بموقف واضح من انطلاق عاصفة الحزم. وكان حزب الله بهذا الصدد جريئاً في انتقاد الرياض وتسمية عملياتها في اليمن بـ العدوان. ما يعني، ضمناً، أن الحزب اتخذ قراراً مباشراً باعتبار النظام السعودي عدواً له ولأصدقائه، بعدما قررت الرياض لعب دور شرطي الخليج لتعويض التراجع الأميركي عن المنطقة.
لم تغفر السعودية للحزب تدخلاته غير المسبوقة في ما تعتبره شأناً خاصاً، بالتحديد في ملفات اليمن والبحرين، وبدرجة أقل سوريا. فالرياض اعتادت قدراً من الرفاهية في صناعة القرارات وتبني الخيارات، بمعزل عن احتمالات التأزم، خاصة أنها حظيت لوقت طويل برعاية أميركية بريطانية مباشرة، منحتها قبة وقائية ومناعة إقليمية من تبعات انخراطاتها، بمعزل عن حجم قدراتها الذاتية التي أثبت وزنها الثقيل والنوعي من خلال حربها على اليمن. هكذا، استسهلت الرياض عملية تغيير الواقع الداخلي في أي جبهة تقرّر التدخل فيها، حتى ما قبل انطلاق أحداث الربيع العربي، ومن دون حساب للنتائج. وهي في إدراجها حزب الله على لائحة الإرهاب الخاص بدول مجلس التعاون، تضيف الحزب عملياً الى لائحة أعدائها التاريخيين، الذين صدف أنهم ليسوا فقط أعداء المشروعين الاميركي والصهيوني في المنطقة، بل كانوا وبعضهم ما زال، القوة العسكرية الأساسية التي تحاول خلق توازن مع المحور الآخر، وذلك بمعزل عن القياس الأخلاقي لطبيعة ساحات القتال تلك. هكذا، جاء حزب الله الإرهابي متمماً للائحة بدأت بمصر جمال عبدالناصر وإيران الثورة الإسلامية وعراق صدام حسين ثم سوريا في عهد بشار الأسد.
 
المصدر: جريدة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد