كارول كرباج
إعلان &laqascii117o;أم تي في" كالصفعة على الوجه. مؤثرات صوتية حادّة، تليها أرقام &laqascii117o;صادمة"، تكشف المستور: حرمان المناطق المسيحية في لبنان! يتصاعد منسوب الغضب والدراما ليبلغ ذروته في سؤال &laqascii117o;مين عم بدافع عن حقوق المسيحيين؟"، إلى أن يأتي المخلّص وينهي حالة الصراع: &laqascii117o;الأم تي في. بترفع الصوت للحق والعدالة". تتكثّف مشاعر الغبن ضدّ وزير الاشغال العامة والنقل غازي زعيتر، &laqascii117o;اللي بهمّش المناطق المسيحية"، مع أغنية &laqascii117o;قوم فوت نام". أغنيةٌ من المؤكد انّ كاتبها وملحّنها زياد الرحباني لم يتخيّل أنها ستستخدم يوماً كمادة تحريض طائفي.
لا تتلاشى آثار الصفعة بالضرورة مع المشاهدات اللاحقة، لكنّها تساعد جزئياً على وضع الإعلان الذي يبثّ منذ مدّة، في سياقه اللبناني. فلا الحسابات الزبائنيّة غريبة عن الوزير المحسوب على &laqascii117o;حركة أمل"، ولا النعرات الطائفية تخدش آذانه الوطنية. الإعلان مثال مألوف عن &laqascii117o;المواسم الطائفية"، كيف &laqascii117o;بتغيب وبترجع قوية" لحماية مصالح أو إعادة توزيعها. لكن مرحلة ما بعد &laqascii117o;الصفعة" والاستيعاب.. هي عبثية في الواقع. تتساقط الأرقام على رؤوسنا، نحن المشاهدين، بإيقاع متسارع ومدوٍّ من دون أن تعطينا القناة فرصة التقاط أنفاسنا لنفهم &laqascii117o;شو الموضوع؟".
تسعى &laqascii117o;أم تي في" إلى اقناعنا بأن منطقتي كسروان والمتن تحديداً هما الأكثر حرماناً. ولمن لا يعرف لبنان، يمكنه أن يتخيّل أحياء فقيرة تحيط بها أحزمة بؤس معزولة عن محيطها. ولمن يعرفه، سيكون من الصعب عليه أن يكبت قهقهة ساخرة. فالأمر بديهيّ لدرجة الخجل من التذكير أن النسب الأعلى من الفقر تتركّز في عكار والهرمل وبعلبك (وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الإدارة المركزية للإحصاء 2004 ـ 2005). لا تتكبّد &laqascii117o;أم تي في" عناء ذكر مصادر أرقامها، فتستبدل المرجع بعنوان هامشي &laqascii117o;حرمان المناطق المسيحية". ويُفترض بنا أن نعفيها من ذلك أمام واقعٍ بهذه الخطورة.
وبغض النظر عن المصادر وصحتها، والتي تتناقض بالمناسبة مع أرقام وزارة الأشغال العامة والنقل، الأهم هو ما يكمن خلفها. تنطلق &laqascii117o;أم تي في" في معركتها الطاحنة من اعتبار المسيحيين كتلة متجانسة اقتصادياً واجتماعياً: فمسيحيو عكار والنبعة مثلاً هم أنفسهم مسيحيو الكسليك والأشرفية. لا يهم إن كانوا عمالاً، عاطلين عن العمل أم رجال أعمال، يكفي أنّهم مسيحيون، في توقيت سياسي معين، ليصبحوا محرومين. تتفوق القناة على نفسها أيضاً باستعراض أرقام معزولة عن أي سياق ومعنى. تقول لنا إن المسيحيين يدفعون 60 في المئة من الضرائب، بينما حصة هؤلاء 5 في المئة من مشاريع وزارة الأشغال. حسناً، كيف؟ فلننسَ أن كسروان والمتن منطقتان تتركز فيهما أكثر المنشآت الصناعية والتجارية، ما نوع الضرائب التي تتحدّث عنها القناة؟ هل هي ضرائب على المؤسسات أم الاستهلاك والترفيه؟ وهل اكتشفت &laqascii117o;أم تي في" أرقاماً حصرية تُظهر &laqascii117o;ضرائب المسلمين" و&laqascii117o;ضرائب المسيحيين"؟ هل سمع معد/ة الإعلان، المعجب/ة بأغاني زياد الرحباني على ما يبدو، بأغنية &laqascii117o;زمان الطائفية" وكيف &laqascii117o;تقطع (الليرة) من هون لهونيك"؟ لما لا تذكرنا القناة مثلاً بعدم فرض الضرائب على الأرباح العقارية والتعدي على الأملاك العامة البحرية (التي من ضمنها أقضية المسيحيين التي هي حريصة كل الحرص على مصالحهم)؟ ولم لا تحرّضنا ضدّ استدانة الدولة من المصارف المحلّية بفوائد مرتفعة؟
لن تطرح القناة على مشاهديها تلك الأسئلة. لا يهمها ان واحدا في المئة فقط من المودعين يملكون 70 في المئة من الودائع المصرفية. ولا يعنيها أن 48 في المئة على الأقل من الثروة الخاصة تتركّز بين أيدي 0٫3 في المئة من السكان (Global Wealth Data 2013). معركتها واضحة وصريحة: عدم قضم حقوق المسيحيين ضمن صيغة الانماء المتوازن بين الطوائف. تستنكر كيف خصّصت وزارة الأشغال العامّة والنقل 12 مليون دولار للأقضية المسيحية، مقابل 17 مليون دولار لبعلبك والهرمل)، و26 مليون دولار للجنوب لصيانة الطرق في العام 2015. ولكن، ما معنى تلك الأرقام بمعزل عن عدد السكان، المساحة الجغرافية، الاحتياجات ومشاريع السنوات السابقة؟ فهل تطالب القناة بأن يصبح تعزيز السلامة المرورية على الطرقات خاضعاً أيضاً لمنطق &laqascii117o;ستة وستة مكرّر"؟ تستكمل القناة حربها الشرسة ضد تهميش المناطق المسيحية مستخدمةً &laqascii117o;الوقائع" والأرقام. تكشف لنا أن صيدا الزهراني حصلت على 5 مليون دولار، بينما جزين استحصلت على مليون دولار فقط. هنا، ليس من الضروري أن نسأل عن المصدر لأننا أصلاً لا نعرف ما هذه الملايين. وليس لدينا أدنى فكرة لماذا اختارت القناة تلك المنطقتين بالذات. يبدو أنه على القناة أن توظّف أشخاصاً أكثر كفاءة لإعداد حملاتها الإعلانية التحريضية لتكون على مستوى عقول المشاهدين، حتى الطائفيين منهم.
المصدر: صحيفة السفير