قضايا وآراء » أين تركت المعارضة الفلسطينية بصمتها

منى سكرية

ثمة جملة من التساؤلات والملاحظات التي تتعلق بالمشهد السياسي الفلسطيني، وهي تساؤلات حاضرة منذ عقود، ومحورها: هل المعارضة الفلسطينية مارست فعلاً دور المعارضة أم الإعتراض؟ وبالتالي، ما معنى أن تكون معارضاً؟
قد نحصر أسئلتنا وملاحظاتنا حول حقبات امتدت منذ انطلاقة العمل الفلسطيني المسلح منتصف الستينيات من القرن الفائت، وما رافقها من تبلور لحركات وتنظيمات سياسية وتيارات فكرية، وحلقات نقاشية، وبرامج حزبية، وصولاً الى مرحلة &laqascii117o;اتفاقية أوسلو" وما نجم عنها.
وقد تهبط الأسئلة أو تتدفق تباعاً في مراجعة تلك الحقبات ونتائجها السياسية ـ برغم دينامياتها ووقائع إيجابية كثيرة تحسب في خانتها، من تبلور صيغها في العمل المسلح، وسقوط شهداء، واحتجاز أسرى، وبناء مؤسسات شكلت مفصلاً في قضية الشعب الفلسطيني، ورفدت احتياجاته المعيشية والتعليمية. هذا فضلاً عن قيام أحزاب وفصائل قاومت عدواً اسرائيلياً محتلاً، وتقاتلت في ما بينها ومع الآخرين، وطرحت برامج وأصدرت أطناناً من البيانات، واستطاعت وضع القضية على جدول الاهتمام العالمي. ولكن قد تطرأ ـ ولنا الحق في أن نطرح ـ العديد من الأسئلة من نوع: ما الأهمية التي يكتسبها أي نقاش آني عن مراحل حصلت في سياق تطور القضية الفلسطينية تحت بند &laqascii117o;معارضة"؟ وما معنى إصدار توثيق لخطب وبيانات حاججت سياسات المسار الفلسطيني ممثلاً بقوته الأساسية &laqascii117o;فتح"، أي &laqascii117o;أبو عمار"، أي السياسة الرسمية؟ وبماذا تفيد المبارزة في تنسيب كلام معارض لقرارات اتخذت ووصلت الى ما وصل إليه الواقع الفلسطيني؟ بماذا أثّرَت؟ وأين منعت تدهوراً؟ وكيف واجهت التراجع عن الحقوق؟ وما جدوى التركيز على مواقف عارضت طروحات ومبادرات لإيجاد حلول لقضية الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي في الحقبات الماضية؟ لا سيما وأن ترجمتها العملية لم تتعد حدود اللفظ المعترض، كي لا نقول أنها بدت بمثابة &laqascii117o;تمريك" أو تسجيل نزعة ضدية، لا تمنعنا من إتهامها بتوكيد الذات ولفت الإنتباه، فضلاً عن قدرة خطابية وكلامية تدفقت كالسيل، لكنها لم تفلح بتحويل مجرى النهر السياسي ـ التسووي، وتحديداً الفترة التي يعالجها هذا الكتاب بين ايدينا بعنوان &laqascii117o;المعارضة الفلسطينية وقضية التسوية ـ الجبهة الديموقراطية نموذجاً"، والكتاب عبارة عن دراسة في نصوص الخطاب السياسي للجبهة ما بين 1993-1996 للباحث المصري أسامة أحمد أحمد مجاهد، وأصدرها المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات (ملف) ضمن سلسلة &laqascii117o;من الفكر السياسي الفلسطيني المعاصر".
وللتوضيح، فالكتاب يضعنا في حيرة بين واجب مهني يقتضي المتابعة والمعالجة متقيدين بما ورد فيه، وبين واقع يستدعي وضعه جانباً والتركيز على النتائج لتلك المعارضة في سياق مجرياتها السابقة والحالية.
وللمزيد من التوضيح نسأل: إذا كان المؤلف يريد تظهير طهارة مسار &laqascii117o;الجبهة الديموقراطية" بقيادة نايف حواتمة، وخطها النضالي والسياسي المعارض منذ عقود، فلماذا تتمثل الجبهة بأعضاء منها في السلطة الوطنية الفلسطينية حالياً في الضفة الغربية؟ (أي سلطة إتفاقية أوسلو)! (قيس عبد الكريم السامرائي وتيسير خالد)؟ وهل منعت سياسة الإعتراض هذه المزيد من تدهور الوضع الفلسطيني في مرحلتي ما قبل وما بعد أوسلو، وبعد انقضاء 23 عاماً على توقيع الاتفاقية؟
قد يقول قائل أو متابع حالفه الحظ بمواكبة ستينيات القرن الفائت الى اليوم، أن مودة شخصية لم تكن قائمة بين حواتمه وجورج حبش، بانشقاق الأول عن الثاني عندما بدأ، أي حواتمة ومن معه، باستكمال الانتقال إلى الماركسية في العام 1969، هكذا، تبنى حواتمة النهج الماركسي الثوري، لكن ما لبث ان دخل في لعبة التعديلات بعد أحداث الأردن العام 1970، والانتقال الى لبنان، بمعنى انه أصبح أكثر &laqascii117o;لطفاً" ومرونة في المعارضة من ضمن الصف الواحد، والاعتراض اللفظي أكثر منه في التأثير أو العرقلة. وبمعنى جاف - كما يتهم البعض &laqascii117o;الجبهة الديموقراطية" - فإنه لم يبارح &laqascii117o;إبط" حركة &laqascii117o;فتح".
ويستند هؤلاء في اتهاماتهم &laqascii117o;الجبهة" بانتهاج معارضة لفظية، إلى حصولها على حصة مالية من الصندوق الوطني الفلسطيني (الاموال في خزنة &laqascii117o;الختيار")، وإلى عضويتها في اللجنة التنفيذية لـ &laqascii117o;منظمة التحرير الفلسطينية"، وفي المجلس الوطني الفلسطيني. وبالتالي لا يمكننا وضع مثل هكذا معارضة إلا في خانة الاعتراض، لا التأثير، أي أنها كانت معارضة &laqascii117o;لايت" لا بل هناك من يؤكد أن معارضة حواتمه وجبهته لاتفاقية &laqascii117o;اوسلو" لم تكن إلا لاستبعادها عن محادثاتها الدائرة سراً، فكانت معارضة المشاركة في مؤتمر مدريد العام 1991 من قبل الجبهتين &laqascii117o;الشعبية" و &laqascii117o;الديموقراطية" بزعامة حبش وحواتمة اللتين واللذين &laqascii117o;لم يعترضا على عملية التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، وإنما على شروط مؤتمر مدريد، وعلى إنفراد حركة &laqascii117o;فتح" باتخاذ القرار بالذهاب الى المؤتمر وتجاوزها لقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي رسمت الشروط الفلسطينية للمشاركة في مؤتمر مدريد"(ص51)..
في حوار لكاتبة هذه المقالة مع رئيس &laqascii117o;الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين" نايف حواتمة في دمشق بتاريخ 8/3/1989، (منشور في صحيفة &laqascii117o;السفير")، طالب حواتمة بالإقلاع عن الحديث الذي تردده بعض الأوساط الفلسطينية عن مفاوضات مباشرة مع إسرائيل لأنها لعبة ضارة حتى في حدودها التكتيكية، واعتبر أن أياً من مؤسسات &laqascii117o;منظمة التحرير الفلسطينية" لم يصدر أي قرار بوقف المقاومة المسلحة ضد العدو الاسرائيلي، وأن تصريحات ياسر عرفات في هذا الإطار لا تعبر إلا عن رأيه، وأن الاتحاد السوفياتي لم يسجل تراجعاً عن الدعوة الى مؤتمر دولي فاعل يؤدي الى تسوية شاملة للصراع العربي- الإسرائيلي". يكفينا أن ننظر الى نتائج المواقف الأربعة في التصريح المذكور!
عن الكتاب وفيه:
يقع الكتاب في سبعة فصول، فيسأل مجاهد في المقدمة: لماذا لم يفلح الخطاب المعارض في إفشال التسوية؟ ثم يتعرض لتعريفات خاصة بمفاهيم الخطاب السياسي، والحجة، والتسوية، والمعارضة السياسية، قبل أن يشير الى النطاق الزمني للبحث، وهو الممتد من 1993-1996، بدءاً من توقيع &laqascii117o;اتفاقية أوسلو" وحتى الانتخابات الفلسطينية في 20/1/1996.
كما يعرض لظاهرة المعارضة الفصائلية الفلسطينية &laqascii117o; التي ارتبطت في بدء ظهورها بالمبادرات التي تزعمها قادة يغلب عليهم الانتماء العائلي والعشائري"(ص35)، وصولاً الى القيود التي وردت في &laqascii117o;اتفاقية اوسلو" على نشوء الأحزاب في سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية، والتي أدت الى نشوء أحزاب إسلامية بغالبيتها (ص36-37). أما تأثير المعارضة في إطار سلطة الحكم الذاتي فقد تراجعت (ص56)، بعدما كانت قد أيدت مبدأ التسوية في البرنامج المرحلي للمنظمة العام 1974 (المستند الى برنامج حواتمه المطروح قبل سنتين) وما تلاها من مبادرات &laqascii117o; ليكون التحول الأكبر هو انتقال الحركة الوطنية الفلسطينية من رفض قرارات الأمم المتحدة الى قبولها في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في العام 1988" (ص72) وقبلها مع مبادرات فاس 1982، ومشروع بريجنيف 1982 &laqascii117o;الذي قبلت به الحركة الوطنية الفلسطينية" (ص72) وغيرها من المبادرات التي تعاقبت ونجمت عنها حروب ودماء وتنازلات والعديد من هدر الحبر المعترض، الى أن كانت أوسلو المحطة مثار النقاش ومداره حتى اليوم.. وصولاً الى باقي فصول الكتاب (262 صفحة).
بعد مرور قرن على اتفاقية &laqascii117o;سايكس ـ بيكو" ووقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، واقتراب إتمام قرن بكامله العام المقبل على تاريخ صدور وعد بلفور، ما تزال فلسطين ترزح تحت مأساتها أرضاً وشعباً ومؤسسات ومصيرا، هي في حال من المراوحة في لعبة التفاوض العقيم. لذا لا بد للسؤال أن يتكرر: ماذا فعلت المعارضة الفلسطينية وأين هي اليوم؟ ففلسطين لم تعد تحتمل ترفاً لناحية إصدار البيانات المنددة أو المعارضة أو المنتظرة، أو في استحضار الماضي المليء بالتساؤلات. وليست &laqascii117o;الجبهة الديموقراطية" سوى نموذج يمكن تعميمه على باقي المرحلة وإخفاقاتها، وليست هدفاً أوحد في انتقادنا.
 
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد