علاء الحسيني(*)
توصف مهنة الصحافة بأنها مهنة الأخطار، فالصحافي هو من يمارس العمل الإعلامي ويتخذ من الصحافة مهنة له. وهذا العمل مكفول بمقتضى القوانين الوطنية والدولية.
فعلى المستوى الدولي، حرصت المواثيق والإعلانات الدولية المتعاقبة على تبني حرية الصحافة وعدها تطبيقاً لا يقبل الانفكاك عن حرية الرأي والتعبير، ومنها، على سبيل المثل، ما ورد في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة ذاتها من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، لما للصحافة من دور في نقل الأفكار والآراء والأنباء التي من شأنها أن تكون موضوعاً خصباً للحوار العام.
وفي الوقت الذي تتكفل نصوص قانونية بحماية الصحافي، نجد أن الانتهاكات قائمة على قدم وساق بحق هذه الفئة من الأفراد، بل لعلها الفئة الأكثر استهدافاً بالقياس إلى عدد العاملين فيها، لاسيما في أوقات الأزمات والحروب.
على المستوى الدولي، تعددت مصادر الحماية وتدرجت من اتفاقيات ومعاهدات وقرارات مجلس الأمن الدولي الملزمة للجميع، ومنها:
1ـ ما ورد في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والمتعلقة بحماية المدنيين والأسرى وحتى المقاتلين، وضرورة التعامل الإنساني مع الجميع، لاسيما غير العسكريين، في النزاعات المسلحة ذات الطابع الدولي أو الداخلي، واعتبار الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة من دون أن يكونوا جزءاً منها، كالمراسلين الحربيين، أسرى حرب.
2ـ منع البروتوكول الأول الملحق بالاتفاقية لعام 1977 التعدي على الصحافيين في مناطق النزاعات المسلحة، في أي شكل من الأشكال، شريطة ألا يقوموا بأي عمل يسيء إلى وضعهم كأشخاص مدنيين، وذلك من دون الإخلال بحق المراسلين الحربيين المعتمدين لدى القوات المسلحة واعتبارهم أسرى حرب.
3ـ أما البروتوكول الإضافي الثاني، فقد منع الاعتداء بأي صورة على المدنيين الذين لا يشتركون في النزاع المسلح أو الذين كفوا أيديهم من الاشتراك بالنزاع وهو الأمر الذي يشمل به حتماً الصحافي.
4ـ إن الجرائم الموجهة ضد الصحافيين تعد جرائم حرب، لأنها تستهدف المدنيين ويخضع مرتكبوها لولاية المحكمة الجنائية الدولية المؤسسة، بناءً على اتفاقية روما 1998.
5ـ أصدر مجلس الأمن القرار الرقم 1738 في 23/12/2006 الذي ألزم جميع الأطراف في النزاعات المسلحة حول العالم تنفيذ التزاماتهم إزاء الصحافيين وفق القانون الدولي.
6ـ وأكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها المرقم 68/163 في 18/12/2013 ضرورة توفير الحماية للصحافيين لتحقيق سلامتهم. وتضمن القرار إعلان يوم 2 تشرين الثاني(نوفمبر) يوماً دولياً لإنهاء إفلات المجرمين من العقاب عن جرائمهم المرتكبة ضد الصحافيين.
وفي الوقت الذي تحرص الدول والمنظمات العالمية على توفير الحماية للصحافة والصحافيين، تتزايد الأخطار المهددة لحياتهم وعملهم، فقد عرف العام 2015 مقتل ما يزيد على 110 من الصحافيين في العالم، وفق منظمة &laqascii117o;مراسلون بلا حدود"، الأمر الذي يؤشر الى وجود منطقة مظلمة بين المظلة القانونية التي توفر الحماية للعاملين في هذا السلك وبين الواقع العملي، إذ شهدنا هجمات ارهابية على مقرات بعض وسائل الإعلام، كما في فرنسا، وهجمات أخرى استهدفت الصحافيين العاملين في تغطية الأحداث الدموية في سورية والعراق.
وتتنوع الاعتداءات على الصحافيين وتتعدد، إذ ارتكبت أفظع الجرائم بحقهم، ومنها:
ـ جرائم القتل والتعذيب.
ـ جرائم الاغتصاب وانتهاك العرض، لاسيما ضد الصحافيات.
ـ الاختفاء القسري والخطف.
ـ الاحتجاز التعسفي بلا أوامر قضائية.
ـ الترهيب والتهديد والمضايقة.
ـ مصادرة الآلات والأدوات والوسائل التي في حوزة الصحافيين.
وهذا التنوع يعكس الواقع المؤلم الذي يعيشه ممتهنو الصحافة، فقد استثمر الصحافيون التطور العلمي والتكنولوجي في عملهم وشهدت الصحافة ازدهاراً على مختلف الصعد، وكان للمؤسسات الإعلامية صولة لا تنكر في تغيير واقع الكثير من الشعوب والأفراد، مستعينة بمختلف وسائل الاتصال بالجمهور عبر ما ينشر في وسائل الإعلام المرئية أو المســـموعة أو الالكترونية، الأمر الذي ساعد في تنامي العداء لهذه المؤسسات من جانب الحركات المتطرفة التي تحمل الفكر الضال والأنظمة الديكتاتورية الحاكمة التي لا تتحمل سماع الرأي الآخر، ما رفع من سقف الأخطار التي يتعرض لها الصحافيون.
إن للصحافة تأثيراً كبيراً على الرأي العام، بسبب ما تقدمه من مادة إعلامية، لذلك تكثر محاولات السيطرة عليها أو توجيهها باتجاه معين، سواء من الجماعات الإرهابية التي تتحين الفرص للانقضاض على الأبرياء من المدنيين ومنهم الصحافيون الذين لا يشاطرونهم أفكارهم أم من الأنظمة المتخلفة التي لا تؤمن بالمبدأ الديموقراطي والتداول السلمي للسلطة، وكلتا القوتين تحاول إخضاع الصحافة لمشاريعهما وتوجيه الخطاب بما يتفق مع تطلعاتهما والتأثير في الرأي العام في شكل معين عبر الإعلام الموجه، وهذا يتنافى مع رسالة الصحافة بوصفها مهنة انسانية غرضها الارتقاء بالتفكير والتعبير عن الآراء بطريقة حضارية ونقل الأحداث والوقائع للمتلقي بأمانة وحيادية، بما يتفق مع النظام العام والآداب والذوق العام.
ولهذا يحرص أعداء الحرية على ملاحقة الصحافيين والتنكيل بهم جسدياً أو معنوياً، بل إن الأنظمة الديكتـــاتورية تجاوزت ذلك بالاعتداء على الصـــحافيين كأفراد، بتجـــريدهم من حقوقهم الطبيعية المحمية دستورياً ودولياً بانتهاك حقهم في الخصوصية ومراقبة مكالماتهم الهــاتفية وتتــبع أماكن وجودهم ومصادر معلوماتهم ونتاجاتهم الإعلامية بحـــجج واهـــية، لــهذا تنهض اليوم مسؤولية الجميع، دولاً وأفراداً، للدفاع عن حق الصحافي في ممارسة عمله المهني بعيداً عن المضايقة وضرورة محاسبة مرتكبي الجرائم ضدهم، أياً كانت جنسيتهم أو مراكزهم في بعض الأنظمة الحاكمة، وتقديمهم إلى المحاكم لينالوا جزاءهم العادل، لاسيما أفراد الجماعات الإرهابية التي تنشط في جغرافية المنطقة.
وفي الختام، هذه مجموعة من التوصيات علّها تجد طريقها الى أصحاب القرار لتتحول إلى قواعد قانونية دولية أو وطنية ملزمة:
ـ معاملة الصحافيين وفق القانون، وعدم التعدي على حقوقهم الطبيعية في الحياة أو الحرية أو الخصوصية، ومعاقبة من يقوم بذلك بأشد العقوبات الرادعة.
ـ محاسبة مروجي جرائم الاعتداء على الصحافيين وملاحقتهم قضائياً، لاسيما أصحاب الفتاوى التكفيرية أو ممولي الإرهاب الفكري.
ـ ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الصحافة والصحافيين وإنزال العقاب العادل بهم.
ـ الإفراج فوراً عن جميع الموقوفين أو المحتجزين أو المختطفين من الصحافيين.
ـ تضافر جهود الجميع، أفراداً ومؤسسات، لاسيما البرلمانات والحكومات لخلق بيئة عمل آمنة للصحافيين.
ـ على الجميع احترام رسالة الصحافة بوصفها رسالة إنسانية نبيلة تعبر عن حرية الرأي والتفكير والضمير.
ـ على القوات المسلحة في المنطقة إدراك دور الصحافة الحقيقي المحايد، المتمثل بنقل الحقيقة بلا رتوش.
(*) مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات