قضايا وآراء » مجزرة إباحة في الإعلام اللبناني: اللغة المبتذلة وإرضاع النونّوس والإحم إحم!

لينا أبو بكر(*)
في الحرب، حينما تتكاثر الجثث لا تبحث عن حفار قبور، ولا عن مقبرة، ولا حتى عن قاتل، ابحث فقط عن تنين مصاب بحموضة أو نوبة سعال تعينك على إشعال لفافة تبغك دون أن تولع عود ثقاب أو تحك حجر صوان يدغدغ كومة قش راكدة بشرارة واحدة! ثم اضغط على الزناد الألكتروني وأدر قمرك باتجاه بيروت، وتحديدا على قناة الجنرال البرتقالي المرشح لرئاسة لبنان، فإن لم تجد التنين في (حوشه) الفضائي فعليك بـ(حوش) مارسيل غانم أو هشام حداد أو عادل كرم أو ربما (خرابة) الجحيم: تلفزيون لبنان، المهم ألا تتنازل عن وحش الشاشة و(النونوس) والسيجارة كي تكتمل متعتك، ودعك من الموتى فلو (اشتغلت بالأكفان ببطل حدا يموت)!
إعلام فضائحي
كيف استطاع الإعلام اللبناني في أسبوعين أن يخطف الأضواء من الإعلام المصري؟ هل يعود الفضل في هذا إلى القرار الخليجي بمقاطعة لبنان أم إلى معركة الفلافل أم كذبة نيسان؟
يختلف الإعلام اللبناني كثيرا عن إعلام الفراعنة، لأن فلسفة الردح والزعيق والشتائم (النفروزة) تظل محصورة في حالات فردية لا تعبر عن ثقافة متأصلة لا بديل لها سواها، بل تشذ عن سياقها، الذي يجنح للقيل والقال والدخول في حرب (النسوان) عن طريق النكتة والنقد التهكمي أو الإيحائي الساخن دون مراعاة حياء الكاميرا أو جوع المشاهد الذي يتعاطى مع الحرمان واللذة بمنطق شرقي متشقلب، فيكمم عينيه ويكشف عن ساقيه!
الأمر لا يتعلق بالفحولة، ليس مراعاة لنعومة الرجال التي سخر منها عادل كرم في إحدى حلقاته مستهجنا أن تتحول هذه الظاهرة إلى سمة عصرية، بينما تعامل معها طوني خليفة في برنامج &laqascii117o;وحش الشاشة" على قناة الجديد، باستخاف يتوسل الجدية دون جدوى، حين استضاف &laqascii117o;إيلي باسيل" بعد حلقته الأولى من برنامجه الفضائحي: &laqascii117o; THE GOSSIP SHOW"، إنما لما أثاره من نوبة غضب عارمة في الصحافة والإعلام المرئي، احتجاجا على العبارات النابية واللغة المبتذلة والطريقة السخيفة والمهينة للذائقة والمهنية وحسن الطلة والأداء، وبعيدا عن الـ &laqascii117o;سخسخة"، التي اصطنعها باسيل برفقة الراقصة التي شاركته قزازته، فإن تحديه للأعراف الاجتماعية والمعايير الأخلاقية مبيحا الجنس الجماعي بالمطلق ومظاهر الشذوذ الاستعراضية خاصة في الملابس الداخلية، مخالف لقوانين الطبيعة والفطرة تحت مسمى الحرية الشخصية والابتكار، ويطيح بأجيال سلفت وأجيال معاصرة ولاحقة تركب الموجة على طريقة (الخنفسة اللي مدت إجرها لما إجوا يبيطروا خيل السلطان)، فهل سنستفيد بعد خراب مالطا من رحيل باسيل حتى لو علكه عزرائيل وعلكه وبزقه على قولة اللبنانيين، وقد عششت روحه كالقطط في ذاكرتنا الألكترونية، لتستبدل تابوهاتنا بثقافة (السبعة وذمتها)!
هُسْ، عيب!
خليفة رأى في برنامج هشام حداد &laqascii117o;اللول"، الذي اعتمد على تداول نكت &laqascii117o;قليلة الأدب" بين الضيوف والحشيش حشيش إن كنتم تذكرون، ما يهون بكثير عن المادة التي يقدمها باسيل، وبصراحة معه حق، فهناك فرق بين أن تسن قانونا ضد قوانين الطبيعة، وبين أن تعرض لسيل من الطرائف التي يضحكك منها ما تم بتره أكثر مما تم عرضه، خاصة ذلك المصحوب بزامور &laqascii117o;الطوط"، لأن المواربة أجمل وأكثر غواية من الفضح، فاحترام الحياء بالإيحاء فن يخلو من الوقاحة أو السفالة التي يبرع فيها برنامج الثرثرة الجنسية على قناة يفترض أن صاحبها مرشح لرئاسة لبنان، وهو أحد أعضاء نادي &laqascii117o;إوعا خيك"، الذي يغني له &laqascii117o;زين العمر" نشيده الوطني المثير للقهقهة والخزي أكثر بكثير من كاريكاتور الشرق الأوسط عن أرزة العلم!
هكذا وفجأة وبعد كل هذا الاقتتال الدامي والتشاحن الإعلامي الطويل بين جعجع وعون يدخل أبناء الطائفة المارونية في غيبوبة تبويس، بعد أن كانت (مسبة الدين بينهم تسبيحا)، فكيف يتأرجح الشعب بين نزواتهما السياسية دون أدنى اكتراث بكرامة الخصومة ما دامت المصالحة ليست أكثر من اقتسام تركة أو توزيع حصص!
ما سماه السيسي بالانتحار القومي، لا ينطبق فقط على مصر، بل على العرب جميعا، فهل تلومهم وأنت ترى بأم عينيك كيف يختصم الرفاق ويتصالح أولاد العراك، في سهرة أنس أو مراهنة زعران، وليس على الشعب إلا أن يدلدل رأسه ويمشي كالأعمى وراء آلهته التي أوجدها بيديه كي يتغذى على تمرها الفضائي حين يجوع صحنه!
مارسيل غانم في حواره مع سمير جعجع، خلط بين الجنرال والحكيم في أكثر من كبوة مقصودة، حاول فيها تقليب العملة على وجهيها بتلكؤ يدّعي التلقائية بينما يضمر الدحرجة المطاطية… وهو أسلوب حاول خليفة أن يتبعه في حواره مع البهلول الإباحي &laqascii117o;باسيل"، لكنه للأسف لم يراع أن أخلاق السياسة في الحوارات الإعلامية مدنسة لا تخل بنزاهة &laqascii117o;الزغللة"، مثل ما يحدث في برنامج يتناول قضية أخلاقية تنتهك المحرمات المقدسة لمنظومة اجتماعية تتستر بالتناقض والحيل الإعلامية التي تشف ولا تصف لتبل ريق الحرام في الخفاء في الوقت ذاته الذي تطبطب فيه على استعراضاتها الدينية وأعرافها الموروثة (على عينك يا تاجر)، فكيف تفسر حرج خليفه من سؤال &laqascii117o;باسيل": اشتقتلي؟ خاصة لما تعلم في قرارة يقينك أن نوايا &laqascii117o;بهلول" إباحية؟ لو أنك يا طوني قلت له فقط: هس، عيب، أو حتى &laqascii117o;إحم، إحمْ" لكنت حفظت ماء وجه الرجال في زمن يعز فيه الماء، وتتساقط الوجوه!
لم يسلم برنامج الإعلامي مالك مكتبي من هذا الطفح الجنسي المريض، حين استضاف أما ترضع ابنها &laqascii117o;النونوس" في عمره الذي يناهز العشرين عاما، ليغدو مادة للتهكم في برامج زملائه الذين تفننوا بالتعليقات الساخرة على هذه الأمومة الشاذة التي تعبر عن ظاهرة اللا فطام السياسي التي في لبنان في ظل وصاية أباطرة الطوائف الذين أحرقوه في الحرب الأهلية وعادوا لتغميس فتيله المعتق بزيتهم الشائط، وبذات الرتب الجنرالاتية، فمن أولى بالفطام: الوطن أم أبناء الحرام؟
كعب الحذاء
مبروك، مبروك، تخرج المقاومة سالمة تماما من كل هذا الـ &laqascii117o;التلطيش" الغرائزي والمشهد الإعلامي الساخر في لبنان، باستثناء إشاعة طالت صاحب قناة &laqascii117o;الميادين"، عن كونه شريكا مساهما في تجارة الشرف وبيوت الدعارة، لكن سرعان ما تم طمر الإشاعة، بالطريقة ذاتها التي تم التستر فيها على كذبة نيسان، خاصة وأن الجبهات العربية الأخرى مشغولة بزفاف عربي بين مصر والسعودية التي غيرت خارطة التحالفات في عهد الملك سليمان، في حين لم تزل فلسطين قضية هامشية كأنها بنت حرام، أو نادلة في ملهى ليلي يرتاده القادة للترفيه عن لقطاء التاريخ وعبدة الأوابسة!
لا شك أن الإعلام اللبناني ذكي وبارع في اختطاف الضوء، واللعب على حبل المتعة والإثارة لأنه يملك مقوماتها بجدارة، فالجرأة والانفتاح وأسلوب العرض الراقي والغاوي والحِسان والغلمان، وسلاح المقاومة وكازينو لبنان ومريم نور وهيفاء وهبي، والروشة والزبالة، والتلوث البيئي وجمال طبيعة، كما لا عين رأت ولا خطر ببال جنة، وبراغيش وطير وروار وكل ما تشتهي الأنفس، من 8 آذار وحتى 14 آذار، كله يا حبيبي في لبنان!
ولكن مهلا لحظة، كيف لهذا البلد الصغير بحجم قنبلة أو ورقة توت، أن يظل صامدا أمام نفسه؟
كيف بمقدوره أن يستشهد في الجنوب، ليستيقظ مجددا في الشمال وهو بكامل جراحه بلا نقطة دم واحدة، نضرا ومفخخا، قاتلا وقتيلا، مجرما وضحية، فاحشا وزاهدا، نبيا وفاجرا، قديسا وكافرا، بكرا ومفضوض البكارات، مقاوما وخائنا، جنديا وكتائبيا، عبدا للطوائف وسيدا للأحرار، قبلة للعرابيد ومحجا للآلهة، مقاوما عربيا بعد أن كان لحديا مجزراتيا، ولهذا تحديدا أوافق الأستاذ محمد عبد الحكم دياب حين أصر على تمسك المقاومة بالظهير الشعبي والهدف الاستيراتيجي مع الأخذ بعين الاعتبار الأهداف المرحلية دون المقايضة على المقاومة وتسخيرها لمصالح إقليمية.
حسنا إذن، تهدأ جولات &laqascii117o;الكندرجية" و &laqascii117o;المراجدة" بالصرامي في الإعلام المصري، لتقوم قائمة الكعب العالي في الإعلام اللبناني، الكعب الذي يهرس تحت قامة كاحله رأس من لا يرى من الحذاء سوى وطأة المداس… ولن أكتفي!
(*) كاتبة فلسطينية تقيم في لندن ـ القدس العربي

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد