قضايا وآراء » مقاهي وسط القاهرة متهمة بالتحريض السياسي وشبابها في مرمى الشعب

maqaheprisoners_300
 

هذه المقاهي لم تعد مجرد أماكن لاحتساء الشاي والقهوة. كما لم يعد المارة ينظرون إليها باعتبارها مواقع جذب يرتادونها لمعايشة الأماكن التي شهدت جانباً من لقاءات الشباب المصري قبل ثورة يناير 2011. فقد تحولت المقاهي على مدار السنوات الخمس الماضية من أماكن شعبية يرتادها عمال وموظفون ومارة وأهل &laqascii117o;وسط البلد" كما يسمون، للاسترخاء وشرب الشاي وربما لعب الطاولة وتناول سندوتشات من محل الكشري المجاور أو عربة الفول المتاخمة، الى أماكن مأزومة توحي بالتوتر.

المتاخمون لهذه المقاهي يستشعرون أجواء غير مسبوقة من القلق والاستنفار. وإن لم يكن بسبب مدرعات الشرطة التي كانت على مرمى حجر منها حتى الأمس القريب، فمن خلال أصحاب المقاهي المتوقعين إغلاقاً أو مداهمة في أي وقت. وإن لم يكن هذا أو ذلك، فعبر قصص وحكايات عن شباب تم إلقاء القبض عليهم من هذا المقهى أو ذاك قبل وبعد وأثناء تهديد بتظاهرة هنا أو تلويح بثورة هناك.

هناك في وسط القاهرة مقاهٍ لا أول لها ولا آخر اكتسبت شهرة واسعة وذاع صيتها بين قطاع بعينه من الشباب المصري المهتم بالسياسة، أو العامل بالصحافة، أو المشغول بالشأن العام، أو من يحاول التشبه بهم. لكن هذه المقاهي تحولت في الآونة الأخيرة إلى مقصد لكل من توم وجيري. فالشباب الحالم بالثورة الغارق في حلم التغيير المعروف بمعارضته النظام (أي نظام) يقصد هذه المقاهي للتلاقي وتبادل وجهات النظر. صاحب أحد هذه المقاهي (فضل عدم ذكر اسمه) يقول إن &laqascii117o;الشباب يقصد هذا المقهي وغيره لأنه يشعر إنه ليس وحده. هم غارقون في الأحلام وعوالم افتراضية ولا يجدون من يشبههم إلا هنا. وبعض أولئك الشباب يأتي لأنه معجب بفكرة الشاب الثوري، ملابسه أسلوبه، طريقة كلامه، محتوى الكلام، جميعها يشكل مصادر جذب للمراهقين والشباب الصغير".

وسواء كان رواد المقاهي شباباً ثورياً أو شباباً يود التشبه بهم، يبقى واقع هذه المقاهي في عام 2016 واقعاً أقرب ما يكون إلى الهزل. هذا الواقع بات واضحاً جلياً للجميع بعدما اتجهت أنظار المصريين صوب هذه المقاهي في أعقاب حملات مداهمة وإلقاء القبض على عدد من روادها – والإفراج عن أغلبهم بعد نحو ساعة - الأسبوع الماضي، وذلك في إطار &laqascii117o;الرؤية التأمينية للبلاد".

وتحولت مقاهي وسط القاهرة مسألة جدلية بين المصريين، ودليلاً دامغاً لإثبات طيش الشباب وسطحيته، أو برهاناً جلياً للتدليل على وطنيته وهويته، بل أصبحت مقاهي وسط البلد في نظر المصريين إما بديلاً عن أحزاب سياسية سقطت في بحر الغيبوبة، أو تنظيمات سرية وجب إغلاقها، أو منصات للحقوقيين والنشطاء تحتم مراقبتها. مراقبة مقاهي وسط القاهرة أمر يتحدث عنه كثيرون. البعض يؤكد أن المخبرين السريين دائماً يتواجدون في محيطها منذ ثورة يناير 2011 باعتبارها أماكن تنبئ بما هو دائر بين الشباب (باستثناء شباب الإخوان). البعض الآخر يشير إلى أن جانباً غير قليل من أحداث السنوات الخمس الماضية من تظاهرات واحتجاجات وتحركات وتخطيطات دارت رحاه في هذه المقاهي، وذلك باستثناء تحركات الإسلام السياسي التي دارت في مكتب الإرشاد أو تجمعات الجماعات السلفية. فريق ثالث يرى أن مقاهي وسط القاهرة اكتسبت شهرة مستحقة منذ بدأت قطاعات مثقفة ومهتمة بالشأن العام من الشباب، بعضهم ينتمي لحركات سياسية والبعض الآخر يعتمد على اهتمامات فردية، ترتاد هذه المقاهي في منتصف العقد الماضي. فريق رابع يلوم هذه المقاهي على سكوت أصحابها والعاملين فيها على ما يجري في أرجائها من أحاديث سياسية ومخططات ثورية ومؤامرات تخريبية حيث كان الواجب الوطني يحتم عليهم الإبلاغ أولاً بأول عن أولئك الشباب &laqascii117o;الخائن العميل" وفي أقوال أخرى &laqascii117o;المراهق السفيه".

بدلاً من حل الأزمة ومواجهة المعضلة التي تعصف بالبلاد وتقسم صفوف العباد، إذ بالجميع يعتبر المقاهي سبب الأزمة. فادي سليمان (22 سنة/طالب جامعي) يرتاد احد المقاهي في وسط القاهرة يقول إن الوضع حالياً أقرب ما يكون إلى الكوميديا السوداء. &laqascii117o;الشرطة تضع عينيها على المقاهي وكأنها منابع للإجرام أو أسباب لزعزعة الأمن في البلاد. وكثيرون من المارة ينظرون إلينا نظرات عدائية بل وبعضهم يوجه لنا اتهامات التفاهة والسطحية حيناً والعمالة والخيانة أحياناً وكأننا السبب في المشكلات التي يتعرضون لها. صحيح إننا نتجمع في هذه المقاهي حيث نتبادل الأحاديث ووجهات النظر فيما يحدث في مصر والعالم، لكن هذا لا يعني إننا مأجورون أو تافهون. والأجدر بهم أن يبحثوا عمن كان السبب في حياتهم البائسة".

وبين بؤس الحياة وبأسها الكثير من علامات الاستفهام والتعجب. فمقاهي وسط القاهرة مكان للقاء. قد يكون اللقاء بغرض التفكير أو التحليل أو حتى للتخطيط. وقد تكون المقاهي ساحة للتعبير، أو منصة للاعتراض، لكنها في جميع الأحوال ليست المتهم الرئيسي في إشاعة الفوضى والبلبلة، أو تعميق الفجوة بين شباب غاضب وبقية فئات الشعب الغاضبة منهم.

تقول سمية حامد (20 سنة): &laqascii117o;وضع مقاهي وسط البلد تحت المراقبة، واعتبار روادها خطراً على الأمن العام، وازدراء ما يجري فيها باعتباره محاولة لإسقاط البلد ما هو إلا عدم فهم وسطحية وإمعان في إقصائنا.
المصدر: صحيفة الحياة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد