قضايا وآراء » إيران مع مَن.. ومَن معها؟

نصري الصايغ

استضافت بيروت مؤتمراً &laqascii117o;إقليمياً" تحت سقف &laqascii117o;العرب وإيران في مواجهة التحدِّيات الإقليمية: الفرص وآفاق الشراكة". حرص &laqascii117o;المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق" على أن يساهم المشاركون في تقديم قراءات موضوعية للمخاطر والتحديات بهدف تلمّس مستقبل إقليمي جديد يقوم على التعاون والشراكة. حملت العناوين هموماً أكثر مما توخّت حلولاً. فما بين العرب وإيران قضايا خلاف وتباين، وقضايا توافق وتعاون. لكن ذلك كله يحدث في بيئة إقليمية مأزومة، وفي وضع مذهبي متفجّر، وتفتت عربي غير مسبوق.
القضايا التي أثارتها العناوين لم تكن هامشية، فهي صلب الاهتمام والمعاناة والقلق. لا قدرة على ادعاء فهم مشترك ومستقبل إقليمي آمن وشراكة مضمونة. على أن معظم هذه العناوين مؤجَّلة، ويلزمها طرفان متعادلان نسبياً، لنسج علاقة استراتيجية سليمة وفعالة، قادرة على رفع التحدي والاستجابة لمقتضيات المواجهة. فالمنطقة في انحدار ومسار تدهورها لا عودة منه. ببالغ الصعوبة يمكن النظر قليلاً إلى المستقبل. المُبهَم راهناً يدلِّل على عماء مقبل أو ما يشبه العدم الكياني.
الحروب، كأنها في بداياتها. الحلول، عبث بكلفة دموية مرعبة. التحديات الإقليمية تتعمّق وتتوالد وتتجدّد. الفرص تضيع في قتال متعدّد، تسيطر فيه عدميتان: عدمية الانتصار وعدمية الحلول. الكيانات تفجّرت، المجتمعات تبعثرت، السلطات توزّعت وتشرذمت وتعسكرت، الثقافة تأجّلت، الشعوب تكاثرت وعادت إلى أصولها الكامنة والمتخلّفة. الدين انفجر، وانفجاره، سنة وشيعة، وتشظيه إلى جماعات عنفية ومتوحّشة وعدمية، واحتلال هذه الجماعات &laqascii117o;المعقدنة" بالأصول وإحياء الإسلام الأول، أخذت المنطقة إلى معاقرة نيران جهنم. وهذا الوصف على سوداويته، لا يعبّر عن جزء قليل من سوداوية الواقع والوقائع.
شيء من حروب المئة عام الأوروبية. المنطقة لم تقطع نصف الطريق إلى الحل. ما تزال مشغولة بحروب أهلية ـ مذهبية ـ إقليمية متداخلة. حروب داخلية استدعت دولاً إقليمية ومحاور دولية لتكون شريكاً، في حروب مجزية برهاناتها الإقليمية والدولية، ومدمّرة للدول التي كانت ذات حقبة تسمى دولاً وطنية. هذه الدول انقصفت وبقاؤها موضع تساؤل متشائم.
إيران دولة وأمة ومذهب. لا شبيه لهذه الدولة في العالم. منذ اندلاعها بعد ثورة الخميني، قدّمت نموذجها الخاص، الذي انعكس على دول الإقليم تهديداً. الدول الوطنية والممالك والإمارات العربية، ليست من هذه الطينة. هي دول مأزومة بذاتها وبمحيطها. العروبة لا تجمعها. الجامعة العربية الفاشلة أقصى ما بلغته. دول عربية مفرغة من شعوبها، إما بالأمر الملكي وإما بالأمرة العسكرية لكيانات تسلَّط عليها العسكر، وحكمها بالأمن... إيران هي بصيغة المفرد القوي. العرب، هم بصيغة الجمع المتبدِّد، وبهاجس الخوف على النظام وغنائمه. إيران، بنت ثورة شعبية، بعقيدة مذهبية، وبسياسة طموحة جداً: مقارعة الإمبريالية الأميركية وأخطبوطها الدولي، ومواجهة كفاحية، بإسناد لا ينضب لقوى تقاتل &laqascii117o;إسرائيل"، دولة العدوان والاحتلال.
هذا أمر لم يكن مرئياً عربياً. الدولة الوطنية كانت فاشلة، التقت على محاربة إيران، بصيغتها السياسية والمذهبية الجديدة. نجحت إيران في صدّ الحروب عليها، ولم تعدِّل من وجهتها. برهنت على أنها دولة تخطي المصاعب والحروب والحصار والعقوبات، ودولة تنتشر في المشرق العربي، بمقدار ما تتأمن لها قواعد شعبية على مذهبها وعلى سياستها وعلى مراميها.
إيران موجودة بالفعل أما العرب، فهم غياب بالفعل. فما السبيل إلى التعاون؟
إيران ليست مسؤولة عما حلّ بالدول الوطنية. ثابت في الوقائع الماضية، وقائع ما قبل الحروب الراهنة، أن الدولة الوطنية كانت تحمل بذور تفجّرها. دول ما بعد &laqascii117o;سايكس ـ بيكو" انشغلت بإبعاد القوى الاجتماعية والسياسية والأحزاب العقائدية التقدمية واليسارية والعلمانية عن المشاركة في السلطة أو في السياسة. قمعتها مثلما قمعت &laqascii117o;الإسلاميين" وربما أكثر. اغتصبت الأنظمة وقياداتها الحزبية والعسكرية الدولة الوطنية. استملكتها بالقوة وقبضة الأمن. أفرغتها من الوطن. جرفت منها الفكر والنقد والمرجعية الشعبية. مكان المعارضة السلمية والفكرية، غياهب السجون. راهنت على الامتثال وفازت. فرضت نظام الطاعة وأهملت الإنسان وعوَّلت على التخويف والإرهاب. أخفت المشكلات بدلاً من إيجاد الحلول. اعتبرت الحرية خطراً والأحزاب لعنة والديموقراطية بدعة والمشاركة تنازلاً... عمّمت عقيدة &laqascii117o;المؤامرة"، فكل ما لا يرضيها، صنيعة خطة أو مشروع تآمر.
هذه الدول تفجّرت. تبقى الممالك والإمارات من فوق، وحروب الطوائف والمذاهب من تحت. وإيران جزء من هذه الحرب. فأيّ مستقبل للطرفين معاً، طالما أن الطرف الثاني منعدم، والمستقبل أعمى؟
قليل من الواقعية. قليل من الوصف أيضاً: إيران ومَن معها، هم الشيعة في لبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن والسعودية. هذا هو واقع الحال. السُّنّة في الضفة الأخرى، في كل الجهات العربية الأخرى. حتى القوى الفلسطينية المدعومة من إيران، أسرعت إلى حضن &laqascii117o;الإخوان" بسرعة الانتماء. &laqascii117o;حماس" نموذجاً... لا يمكن التحدّث عن إسلام واحد ومتشابه. الإسلام متعدد، ومنقسم، ومتقاتل. ألا يقتضي البدء من هنا؟ التعاون الإيراني مع الشيعة سهل. التعاون مع السنة مستحيل. والكيانات والجماعات فيها، تنتمي إلى هوياتها الدينية والمذهبية. التغيير مستحيل. الاستدراج إلى فلسطين لم يعُد جاذبية، العرب في مجملهم كانوا مع &laqascii117o;حزب الله" بعد التحرير وبعد عدوان تموز 2006. اليوم، &laqascii117o;الحزب" ملاحَق بتهمة الإرهاب، من دول ذات هوية إسلامية &laqascii117o;سنية".
فأين نحن من دعوة المؤتمر إلى مدّ الجسور؟ ألا يبدو ذلك أضغاث أحلام؟
لعل المنطقة بحاجة إلى مؤتمر أكثر تواضعاً، بعنوان: كيف نخرج من الأزمة؟ كيف نوقف الحروب؟ متى تتصالح السعودية مع إيران، وتكفّ عن تكفيرها سياسياً وملاحقتها بالحصار والتشهير؟ هل تراجع إيران سياساتها في المنطقة لتهتدي إلى طريق ترسمها، يسير عليها غير الشيعة؟
أزمتنا في أدياننا ومذاهبنا عندما تتسيَّس. حربُنا هذه، بدأت في السقيفة. ولا شفاء من هذا التاريخ، إلا بالخروج منه وعليه سياسياً.
مَن يشبه إيران فهو معها. مَن لا يُشبهها فهو ضدّها. وتحت هذا الشبه المزعوم، تختبئ قضايا وسياسات ومطامح.
لعل الأوان قد فات، أو لعل العنوان سابق للأوان.
 
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد