صقر أبو فخر
ابتداء من هذه السنة وحتى نهاية سنة 2018، سيكون على المغرمين بتوافق التواريخ واقترانها أن يتذكروا بعض الوقائع المشهورة مثل: الذكرى المئوية لمراسلات حسين ـ مكماهون، واتفاقية &laqascii117o;سايكس ـ بيكو" (1916)، والذكرى السبعينية لقرار تقسيم فلسطين (1947)، والذكرى السبعين أيضاً لنكبة فلسطين (1948). ولن تكون الإحاطة بهذا الزمن ممكنة من دون العودة إلى وثائق تلك المرحلة ومجرياتها السياسية. ويعرف الباحثون في تاريخ العرب المعاصر، معرفة جيدة، كتاباً وثائقياً بجزءين نشرته جامعة الدول العربية بعنوان &laqascii117o;الوثائق الرئيسية في قضية فلسطين".
وهذا الكتاب الذي صدر الجزء الأول منه سنة 1957، وصدر الجزء الثاني سنة 1974، يغطي خمسة وثلاثين عاماً من أخطر مراحل التاريخ الفلسطيني والعربي (1915 ـ 1950). وكانت هذه الفترة شهدت اندلاع الحرب العالمية الأولى، وهزيمة الدولة العثمانية، ووقوع المشرق العربي بين براثن الاستعمارين البريطاني والفرنسي اللذين فتكا بالمنطقة العربية ومزقاها إلى &laqascii117o;دول" وطوائف وإثنيات. وها هي العناصر المتفسخة التي أورثنا إياها تاريخنا تنفجر اليوم وتحوِّل بلادنا إلى فضاء من الحروب والدمار والدم. لم يعرف الباحثون مَن هو ذلك الباحث الذي اختار تلك الوثائق وحررها قبل أن تنشرها إدارة فلسطين في جامعة الدول العربية. غير أن قليلين كانوا يعرفون أن المحامي أمين عقل هو مَن تصدى آنذاك لهذه المهمة الجليلة.
واليوم تعيد &laqascii117o;مؤسسة الدراسات الفلسطينية" في بيروت إصدار هذه المجموعة الوثائقية المهمة، وتضع اسم جامعها ومحررها على المجلد الأول الذي يحتوي وثائق الفترة ما بين 1915 و1946. وهذا المجلد يغطي الحقبة التي سبقت الانتداب البريطاني على فلسطين (1915 ـ 1919)، ثم حقبة الانتداب (1920 ـ 1046). وهذه الوثائق مرتبة بحسب التسلسل الزمني، كما هو معهود في الكتب المماثلة.
كتب المؤرخ الفلسطيني المرموق وليد الخالدي مقدمة وافية لهذه الوثائق (35 صفحة) تضمنت قراءة لتلك الفترة استناداً إلى الوثائق المدرجة في هذه المجموعة، وكتب ترجمة للمحامي أمين عقل والد السياسي الفلسطيني باسل عقل الذي تبرع بنفقات إصدار هذه المجموعة المهمة. وللتذكير فإن أمين عقل هو محامٍ فلسطيني من القدس، أمضى ردحاً من حياته في يافا التي شهدت نشاطه السياسي، الأمر الذي أدى به إلى السجن في سنة 1937. وظل أمين عقل في يافا حتى أواخر نيسان 1948، واضطر إلى الرحيل عنها تحت وطأة هجوم &laqascii117o;الهاغاناه" على المدينة، فقصد إلى دمشق أولاً، ثم انتقل إلى القاهرة، وعمل في جامعة الدول العربية. وفي أثناء عمله في الجامعة أكبَّ على جمع هذه الوثائق، ثم عكف على تحريرها ونشرها. وقد صدرت تلك المجموعة بعدد محدود من النسخ، ولم تصل إلى الباحثين العرب إلا القليل منهم بل إنها نفدت منذ زمن بعيد، وها هي اليوم تصبح متاحة للجميع. وعلاوة على الوثائق الرسمية نشر أمين عقل نصوصاً متممة لها، أولها مقالة لهربرت صموئيل، وهو أول مندوب سامٍ إلى فلسطين، وثانيها لحاييم وايزمن، وثالثها للمؤرخ أرنولد توينبي، وكذلك النص الخاص بفلسطين في تقرير لجنة &laqascii117o;كينغ ـ كراين"، ووثيقة إدارية، غير سياسية، اختارها أمين عقل لأهميتها لأنها تحتوي أسماء جميع المدن والقرى والقبائل في فلسطين.
هذه الوثائق هي، في بعض جوانبها، قراءة للتحولات السياسية التي عصفت بفلسطين بين 1915 و1946، أي منذ السنة اللاحقة لبداية الحرب العالمية الأولى حتى السنة اللاحقة لنهاية الحرب العالمية الثانية. ومهما يكن الأمر، فإن الجزء الأول من هذه الوثائق يتوقف عند رسالة الرئيس هاري ترومان إلى الملك عبد العزيز آل سعود في 28/10/1946. وبعد ذلك أُحيلت قضية فلسطين إلى الأمم المتحدة التي أصدرت في 29/11/1947 قرار التقسيم، وصار ما بعد هذا التاريخ تاريخاً جديداً. أما وثائق التاريخ الجديد فستكون مسطورة في الجزء الثاني من هذا الكتاب. ولا ريب في أن قيمة علمية مهمة تكمن في إعادة نشر هذه الوثائق اليوم لأن المؤرخين سيعثرون مجدداً على النصوص الأصلية لمراسلات حسين ـ مكماهون (10 رسائل)، وعلى صك الانتداب البريطاني على فلسطين، ومعاهدة &laqascii117o;ســـايكس ـ بيكو"، وسيــــعثرون أيضاً على 44 وثيقة أخرى بعضها مترجم بدقة عالية، وقد وُضع النص العربي إلى جانب النص الإنكلــيزي الأصلي.
المصدر: صحيفة السفير