قضايا وآراء » الجبير ودبلوماسية الجحيم

بلال عبود

لا يمرّ مؤتمر صحافي أو كلمة تلفزيونية لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلا ويكرر فيه مقولته الأشهر: على الرئيس السوري بشار الأسد أن يرحل أو أن يواجه خياراً عسكرياً. أصبحت هذه المقولة تختصر رؤية المملكة للعمل في الملف السوري.

دبلوماسية الخيارين التي يكررها الجبير لا تشبه أي دبلوماسية اخرى من حلفاء السعودية العرب أو الغربيين الذين يتعاطون بشكل مباشر في الازمة السورية. هو تصريح واضح وصريح بالدعوة لاستخدام القوة في بلد آخر دون أي سند قانوني بهدف تغيير النظام فيه، ويضاف اليه أن الجبير أقرّ بأن الرياض ستواصل دعم المعارضة المسلحة بغرض إزاحة الاسد بالقوة، في اكثر من مناسبة ومكان.
في المقابل يكرر أن على إيران أن تتوقف عن التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويتهمها بتوتير الأجواء في المنطقة وبأنها سبب الارهاب.
يريد الجبير من طهران ان تتوقف عن دعم الحشد الشعبي في العراق الذي يقاتل "داعش"، وفي المقابل يمد بالسلاح والدعم مجموعات متحالفة مع "القاعدة" وتعرقل المفاوضات السياسية في سوريا بسبب رفضها الانفصال عن "جبهة النصرة" – فرع القاعدة في سوريا.
وبحسب صحف عالمية بينها "تليغراف" البريطانية، هناك اكثر من 2500 سعودي ضمن تنظيم "داعش"، بالاضافة الى عدد كبير أيضاً في "جبهة النصرة".
لا تريد السعودية في دبلوماسيتها الجديدة التطرق الى هؤلاء والمشكلة الكبيرة التي يعكسونها في المجتمع، والتأييد الكبير للتظيمات الارهابية على موقع «تويتر» من مغردين سعوديين، حتى ان الوزير الجبير نفسه تمنى في تغريدة على موقع تويتر بتاريخ 19 نيسان 2016 لو كان من الممكن ضبط تويتر، واشار الى ان هناك جهوداً مبذولة لعزل من وصفهم بالمسيئين.

يحمل وزير الخارجية السعودي في حقيبته 3 شعارات أساسية


لم تذهب الرياض نحو معالجة المشكلة الداخلية لديها بل اختارت الهروب الى الامام، وبدأت بحملتها الأشهر ضد المقاومة في لبنان باعلان حزب الله منظمة ارهابية وما رافق ذلك القرار من وقف المساعدات للجيش اللبناني وغيرها من الحملات على تلفزيون المنار وكل من يؤيد المقاومة في لبنان والعالم العربي... وبطبيعة الحل فإن قرار السعودية يصبح ملزماً لدول مجلس التعاون الخليجي التي «تقلد» خطوات المملكة، مثل ما حصل سابقاً مع سحب السفراء من ايران.
اصبح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يحمل في حقيبته الديبلوماسية 3 شعارات اساسية: رحيل الاسد بالقوة او بالسياسة، إيران تدعم الارهاب، وحزب الله تنظيم ارهابي.
يحاول السعوديون فرض هذه الأجندة على لقاءاتهم الدبلوماسية، لكن «الارادة» الملكية لا تسير وفق رياح التوازنات الدولية. الاتفاق النووي الإيراني جعل من طهران شريكاً اساسياً في محاربة الارهاب، وتصنيف حزب الله بالارهابي لم يحقق هدف عزل الحزب شعبياً وسياسياً. وهو اليوم يشارك في الحكومة اللبنانية التي يرأسها تيار المستقبل، الحليف الاول للسعودية في العالم العربي. والكلام عن رحيل الاسد أصبح وكأنّه شعار مستهلك لم يعد يلقى آذاناً صاغية لدى اميركا التي تعيش فترة انتخابات رئاسية تكاد تتحول الى حفلة جنون تلفزيونية، ولا لدى اوروبا التي تعاني من تداعيات الارهاب المغذى بفكر تحميه المملكة.
وقبل ان يعتلي الجبير منبراً جديداً في وقت قريب، ربما من المفيد التذكير أن الوزير طالب في مقابلة مع صحيفة "دير شبيغل" الالمانية، في شباط الماضي، بضرورة صياغة دستور جديد لسوريا واجراء انتخابات، وفي بلاده تصدر الفتاوى ضد مشاركة النساء في الانتخابات.
قد يكون للوزير موقف معادٍ ومتشدد ضد إيران بسبب ما أعلنه مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي عام 2011 عن افشال محاولة «إيرانية» لاغتياله عندما كان سفيراً لبلاده في واشنطن. تلك المؤامرة قادها بحسب الأميركيين شخص يحمل الجنسية الاميركية ولكن من اصول إيرانية يدعى منصور أربابسيار، وهو محكموم اليوم بالسجن لمدى 25 عاماً في قضية شبهتها صحيفة "نيويورك تايمز" بأنها «تشبه حبكات افلام هوليوود».
لكن عادل الجبير اليوم يعتلي أعلى رتبة دبلوماسية في بلاده، والدبلوماسية وفق ما يقول رئيس الوزراء البريطاني الاشهر ونستون تشرشيل هي فن أن تقول للآخرين بأن يذهبوا للجحيم بطريقة تجعلهم يسألونك عن الاتجاهات. يبدو أن دبلوماسية الجبير تجعل من السعودية تسير في اتجاهات الجحيم من دون ارشادات.
 
المصدر: صحيفة الأخبار

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد