توفيق المديني
شكل المؤتمر الدولي الذي عقده مؤخراً &laqascii117o;المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، بالتعاون مع فرعه في تونس، في مدينة الحمامات التونسية، تحت عنوان &laqascii117o;استراتيجية المقاطعة في النضال ضد الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي: الواقع والآفاق"، خطوة مهمة في إطار البحث في سبل إحياء مقاطعة الكيان الإسرائيلي على الصعيد الدولي، لا سيما لناحية تشجيع الدول الأجنبية على منع استيراد البضائع المُصدَّرة من المستوطنات المقامة على الأراضي العربية المحتلة، واعتبار استيرادها مخالفاً للقانون الدولي والقرارات ذات الصلة.
وبرغم أهمية خوض المعركة هذه على الصعيد الدولي، فمن المهم أيضاً الدعوة إلى إحياء المقاطعة الاقتصادية العربية للدولة العِبرية. والحقيقة أن المقاطعة بدأت منذ زمن الدولة العثمانية حين بدأ التوافد الصهيوني إلى فلسطين. وقد جاءت في جزء منها ردّاً على المقاطعة الصهيونية للعرب التي مارسها الصهاينة تحت شعار &laqascii117o;العمل العبري" و &laqascii117o;السوق العبرية"، الذي يعني استبعاد قوة العمل العربية في فلسطين من سوق العمل، وتقييد حركة التبادل التجاري للسلع والبضائع بين اليهود والعرب. وتبلورت المقاطعة مع مرور الوقت من خلال الممارسة والكفاح الشعبي أثناء فترة الانتداب البريطاني، وقبل الثورة الكبرى (1936 ـ 1939)، وازدادت أهميتها ـ كسلاح مقاومة ـ في أواخر أيام الانتداب، بحيث شعرت جامعة الدول العربية في كانون الأول 1945، وكانت يومذاك مؤسسة وليدة، بوجوب الاهتمام بالمقاطعة ورعايتها. إلا أن الأمور تطورت بسرعة بعد إعلان قيام إسرائيل، فأخذت المقاطعة وضعاً سياسياً وقانونياً جديداً في طبيعته ونوعيته.
وقد حرمت المقاطعة العربية إسرائيل من سوق عربية كبيرة لتصريف منتجاتها، فلجأت الأخيرة لتسويقها في أوروبا وأميركا الشمالية، الأمر الذي رفع من تكاليفها بسبب نفقات النقل، وفرض على المنتجات الإسرائيلية منافسة شديدة في هذه الأسواق (وهو أمر أفاد ـ في جانب ـ الاقتصاد الإسرائيلي لاجتهاده في سبيل خفض التكاليف وتحسين الجودة). كما كان على إسرائيل أن تؤمن احتياجاتها من السلع الاستراتيجية والمواد الخام، لا سيما البترول، من مصادر بعيدة عن المنطقة كالاتحاد السوفياتي (حتى العام 1956)، وإيران (قبل الثورة)، وأميركا اللاتينية والولايات المتحدة، إلى أن جاء التحول الاستراتيجي في اتفاقيات كامب ديفيد، التي أتاحت لإسرائيل تأمين احتياجاتها من البترول من مصر المجاورة لها.
وغني عن القول ان درجة إحكام المقاطعة الاقتصادية ترتبط بشكل وثيق بعدد الدول العربية المُطَبِّقَة لها. إذ حين تتبنى معظم الدول العربية استراتيجية مقاطعة واضحة، تكون احتمالات النجاح أعلى بكثير من احتمالات الفشل. وفي هذا السياق لا يوجد إجماع عربي بارز على المسألة.
وتعتبر مصداقية الدول العربية من أبرز محددات نجاح المقاطعة. فالدول التي أظهرت مصداقيتها، من خلال تنفيذ ما هددت به في حرب 1973 (وقف تصدير البترول إلى الدول الداعمة لإسرائيل)، أكسبتها هذه المصداقية سمعة في المجتمع الدولي جعلت الدول المساندة لتل أبيب تأخذ هذه التهديدات مأخذ الجد. وتأتي المصداقية من قدرة الدول العربية على القيام بعمل مجدٍ، فإذا كان التهديد لا يستند إلى قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية، كان تهديداً أجوف، ولم تحقق العقوبات الاقتصادية العربية ضد إسرائيل أهدافها. أما ما يقلل من فعالية المقاطعة الاقتصادية العربية، فيتمثل بالتبعية التجارية والمالية التي يعاني منها كثير من الدول العــــربية، فضلاً عن عدم امتلاك هذه الدول استراتيجية جدية لتعزيز المقاطعة، بل، على العكس من ذلك، سيرها في الاتجاه النقيض، مع ارتسام ملامح اصطفافات جديدة في المنطقة، تكاد إسرائيل معها تغيب عن موقع الضّد.
المصدر: جريدة السفير