مهى زراقط
عزيزي. هكذا كان أحمد زين الدين يخاطب مرضه في الأسابيع الأخيرة. يقيم معه جلسات حوار، ويعيد سردها لنا معتذراً طوال الوقت عن كلامه الذي بات كثيراً. &laqascii117o;أنا كتران حكيي، إنتو بس تزهقوا، اكبسوا الزر".
بين منزله محاطاً بأفراد عائلته الصغيرة، وبين غرفته في مستشفى &laqascii117o;أوتيل ديو"، صارت الجلسة مع أستاذ الصحافة في الجامعة اللبنانية أحمد زين الدين (1961 ــ الصورة)، في الأشهر الأخيرة، أشبه بطقس نمارسه بكلّ حبّ. من جهة، لنطمئن إليه ونؤازره في معركته مع مرض السرطان الذي أصابه في البنكرياس، قبل أكثر من عام. ومن جهة ثانية، لنستمع إلى &laqascii117o;سوالفه" الطريفة، حتى في عزّ أوجاعه.
يسخر في اتصال هاتفي من الدواء الذي أعطي له: &laqascii117o;قلت للدكتور بدي دوا يوقفني ع إجريي. فالتزم حرفياً بما طلبته". يضحك طويلاً: &laqascii117o;بس بوقف ع إجريي وما فيني أعمل شي تاني".
وفي جلسة عائلية، يعرض طريقته الخاصة في تقشير الرمان بشكل &laqascii117o;لا تضيع منه ولا حبة". ثم يستمتع بإعادة تقشير كوز ثان من الرمان أمام كاميرا الفيديو، لاعباً دور المعلّم، وطالباً إعادة إرسال الفيديو له ليحتفظ به. تماماً كما بات يطلب أن يلتقط الصور مع كلّ زوّاره، مصرّاً على رفع علامة الانتصار فيها.
لم تزعجه صوره الكثيرة التي انتشرت له مع طلابه على صفحات الفايسبوك (وإن كان نعيه أمس على الموقع نفسه قد سبق تبليغ أولاده بالأمر). عندما أصيب بالوعكة الأقسى في شهر تموز (يوليو) الماضي، وبدأ يتلقى رسائل من طلابه تدعو له بالشفاء، قرّر أن يتكلّم. كتب نصاً مؤثراً على صفحته على فايسبوك قرابة منتصف الليل وحضّر نفسه للنوم، لكنه لم يستطع: &laqascii117o;انهالت الردود على ما كتبته، وسمعت من طلابي ما أفرحني وجعلني أشعر بأني حققت شيئاً في هذه الحياة".
كان يعرف أنّه محبوب من الطلاب، على الرغم من قسوته في الصف، كما يصفه البعض. عندما ييأس من طالب ما، يسلّم أمره للّه، لكنه يوصيه: &laqascii117o;لما تشتغل أوعا تقول إني علّمتك. ارحمني وما تقول". لكن كثيرين من طلابه كانوا يقولون، ويفاخرون بأنه علّمهم، ومنهم من شكره لاحقاً بعد تخرّجه لأنه استفاد من وصاياه المهنية.
لهذا، كان مصرّاً على خوض المعركة مع مرضه حتى النهاية. لم يخف أمره عن أحد. وكان يجيب عن كل الأسئلة التي تطرح عليه، سواء من يسأل عن سبب ضعفه الشديد، أو من يسأل عن تطورات العلاج الذي يخضع له. وفي كلّ الحالات، كان متفائلاً. حتى إننا صدّقنا تفاؤله، وكذّبنا عيوننا والمعلومات الطبية التي كنا نستقيها من صديق عمره راغب جابر. فهو رغم كلّ شيء، بقي يأتي إلى الكلية حتى اليوم الأخير من العام الدراسي. ووصف عامه مع المرض بأنه &laqascii117o;الأكثر إنتاجاً، والأكثر تألقاً. لقد شعرت بأني علّمت هذا العام أفضل من كلّ السنوات التي سبقت".
لذا، قال محاوراً مرضه: &laqascii117o;يا عزيزي، إذا كنت رسالة من رب العالمين فقد وصلت. وأنا لمست الجانب الإيجابي من إصابتي بك". الجانب الإيجابي هو &laqascii117o;الغزارة الفكرية التي أتاحتها لي هذه التجربة، والتي سأنفذها إذا أعطاني رب العالمين عمراً". لا يتوقف كثيراً عند عبارته الأخيرة التي تحمل بعض التشاؤم. يسترسل في الحديث عن هذه الأفكار، ومنها مشروع الرواية التي دوّن الكثير من الصفحات فيها، والجمعية التي تقدّم بطلب لتأسيسها، وهي تهدف إلى تطوير مهنة الصحافة. والأهم، وهو الأمر الذي طلب إبقاءه سرّاً لبعض الوقت، حصوله على رتبة &laqascii117o;بروفسور" التي كان ينوي الاحتفال بها عندما يتحسّن قليلاً. وهناك أيضاً الشق العاطفي: &laqascii117o;لم أعد أخفي مشاعري عن أحد، أقول كلّ ما في قلبي". كما لم يعد يحب تأجيل العمل إلى يوم آخر، ويستفيد من كلّ فرصة للاستمتاع بالحياة. يرافقنا في رحلة، ويرضخ بسعادة لطلبنا منه التصفيق والغناء بصوت مرتفع مع صوت أم كلثوم: &laqascii117o;ونقول للشمس تعالي تعالي".
المرض أعاد إليه الشعور بالشمس، وبالزهور، وبالقبلات، والعبارات الجميلة. وكان هذا وجهه الإيجابي. لكن، يتابع الحوار معه: &laqascii117o;يكفي إلى هنا. لقد آن لنا أن نفترق، بالطريقة التي يراها ربّ العالمين".
المصدر: جريدة الأخبار