مصطفى فتحي
في شارع الفالوجة بمنطقة العجوزة (أحد أهم أحياء محافظة الجيزة المصرية) يجلس «محمد» بائع الجرائد الشهير في المنطقة أمام طاولة خشبية قديمة عليها غالبيّة المطبوعات المصرية، يقول لـ «السفير»: «مبيعات الصحف وقعت الأرض» في إشارة إلى قلة عدد من يشترون الصحف المطبوعة. يضيف الرجل بحزن: «خلال أيام ستزيد أسعار الصحف ربما للضعف وهذه ستكون الرصاصة التي ستنهي مهنتي». منذ حوالي أسبوعين، أرسلت مؤسسة «الأهرام» (مؤسسة حكومية) مذكرة لكل الصحف الخاصة والحزبية التي تطبع إصداراتها عبر المؤسسة العريقة تفيد بزيادة أسعار الطباعة (تخرج من مطابع مؤسسة الأهرام أغلب الإصدارات الخاصة والحزبية المصرية) مبررة أن أسعار شراء الورق والأحبار من الخارج تضاعفت بنسبة 100 في المئة، بسبب تعويم الجنيه المصري، ما يعني أن الصحف المصرية ستقوم بزيادة سعر بيع نسخها أو تقليل عدد الصفحات.
دعم الخبز والصحف
شكّل الأمر صدمة للعاملين في مجال الصحافة، خصوصا أن مبيعات المطبوعات المصرية انخفضت بدرجة كبيرة في السنوات الأخيرة لأسباب عدة على رأسها انتشار الإنترنت. على الفور رفع رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف رسالة عاجلة لرئيس مجلس الوزراء وطالبوه بالتدخل ووضع حلول بشأن استيراد الورق والأحبار نظرا لأن «الصحف المطبوعة لها دور في زيادة وعي المصريين ويجب دعمها مثلما يتم دعم الخبز» على حد تعبيرهم. لكن حتى الآن لم يخرج أي تعليق من مجلس الوزراء المصري. ومن المتوقع أن تزيد أسعار الصحف والمجلات بشكل رسمي منتصف الشهر الجاري.
«لن يستطيع الناس دفع أربعة جنيهات (حوالي ربع دولار) في صحيفة» هكذا يقول «محمد» بائع الصحف ويكمل: «أسعار السلع الاساسية زادت، والصحف من الرفاهيات التي لا داعي لها. أتوقع أن تنتهي مهنة بائع الصحف من مصر بعد زيادة أسعار المطبوعات. يبدو أن الحكومة الحالية مش عايزة حد يقرأ أو يفهم».
نحو الإلكتروني
المؤكد أن الصحف الورقية لن تموت وإنما ستخسر عددًا كبير من القراء» هكذا يقول الصحافي المصري محمود أبو بكر لـ «السفير» ويضيف: «في المقابل ستكسب المواقع الإلكترونية قراء جددا، وهي فرصة حقيقية لأن تثبت نفسها وتطور من شكلها ومحتواها، لكن ارتفاع الأسعار سيؤثر حتمًا على نسبة شراء الصحف الورقية، فمن غير المنطقي ان يصرف مواطن من محدودي الدخل 4 جنيهات كمتوسط لشراء مطبوعة في حين يمكن أن يطلع عليها عبر الانترنت». يكمل أبو بكر: «الصحيفة الورقية جزء من ثقافة كبار السن، ممن يجلسون في المقاهي، لكن هذه الطبقة بدأت في الاختفاء من المجتمع. مبيعات الصحف باتت من الاشتراكات بشكل أساسي وغالبيتها من مؤسسات حكومية تصلها الصحف بشكل يومي». وبعيدًا عن أزمة ارتفاع الأسعار يرى أبو بكر أن «الدنيا تغيرت والورقي أصبح غير مناسب للعصر الحالي، والصحف الورقية إذا أرادت الاستمرار ــ وهي مهمة صعبة ــ يجب عليها تطوير نفسها في ما يخص المحتوى وشكل العرض (الإخراج) وطريقة الكتابة».
قتل الصحافة المحلية
الدكتور هشام الفولي، المحاضر في الإعلام بـ «جامعة المنيا» (جنوب مصر) يعتبر أن 2016 هو عام أسود على الصحافة المصرية، يقول لـ»السفير» إن زيادة أسعار الطباعة حلقة من سلسلة تقييد حقيقية واجهها الإعلام المصري طوال العام، بدأت بأزمة بين نقابة الصحافيين ووزارة الداخلية، مرورا بتشريد مئات الصحافيين من مؤسسات كانوا يعملون بها، وانتهت بقرار زيادة أسعار الطباعة التي تهدد صناعة الإعلام الورقي في مصر. يلفت الفولي النظر إلى أزمة أكبر «خارج القاهرة في المحافظات الفقيرة لن يستطيع الناس شراء صحف على الإطلاق بسبب زيادة معدلات الفقر، وهو ما سيقتل تجربة الصحافة المحلية التي كانت تحاول أن تثبت نفسها وسط ظروف صعبة».
يرى الفولي أن أحد الحلول هو دعم الدولة لصناعة الطباعة، لكنه يستبعد أن يكون لدى النظام المصري الرغبة في ذلك، يشرح: «المطبوع بصفة عامة في تراجع شديد في مقابل التلفزيون والإعلام الإلكتروني، والنظام يعلم ذلك جيدًا، فمن البديهي أنه سيدعم أنواعًا أخرى أنجح وأكثر تأثيرًا. الحل الثاني من وجهة نظر الفولي هو أن تشرف نقابة الصحافيين على إنشاء شركة مساهمة مصرية لإنتاج الورق والأحبار على أن تكون مملوكة بنسب متساوية للصحف المصرية المختلفة، والهدف منها ليس الربح بقدر ما هو إنقاذ مهنة النشر».
خوف «محمد» بائع الصحف على مهنته بسبب غلاء الأسعار يقابله خوف مئات المصريين العاملين في مجال الطباعة على مصيرهم في حال تعذّر انقاذ الصحف الورقية.
المصدر: صحيفة السفير