قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الخميس 20/8/2009

- 'السفير'
دان مريدور (وزير الاستخبارات الاسرائيلي الحالي):
خبراء إسرائيليون: مواجهة المقاومة بأي استراتيجية؟: النظرية الأمنية
مع كل التقدير لأهمية المسألة الردعية، محظور علينا أن نعمي أعيننا عن قضايا ملاصقة لها ، ولا تقل أهمية عنها. الردع هو واحد من مجموعة من المركبات الهامة للنظرية الأمنية، وجزء أساسي من أجزاء استخدام القوة العسكرية. وإذا ما فشل الردع الإسرائيلي، في غير مرة وغير قليل من الحالات، فستقف أمام صانع القرار مجموعة من الخيارات والإمكانيات والبدائل، ومنها على سبيل المثال الدخول في مبادرات سياسية وخطوات دبلوماسية. الردع لوحده ليس عقداً مغلقاً، من الضروري تذكر ذلك، حتى لا نفقد البوصلة إذا ما أخفقنا هنا، وفشلنا هناك.

وإذا ما حاولنا اختبار الردع الإسرائيلي من وجهة النظر التاريخية، فإننا سنتذكر حتماً أن إسرائيل منذ بداياتها الأولى خطت طريقها على أسس هامة ومركزية، أبرزها: أنها دولة صغيرة مساحة جغرافية، محاطة من الأطلسي وحتى المحيط الهندي، بأيديولوجيات ترى عدم أحقيتنا بقيام دولتنا. اليوم، على سبيل المثال، جزء كبير من العالم العربي بات يقبل بوجود إسرائيل، سواء كان قبولاً رسمياً أو غير رسمي. كل ذلك جاء بناء على القدرة الإسرائيلية الفعالة، المكونة من عدة محاور أساسية: الأمنية، الاقتصادية، السياسية، التكنولوجية، وغيرها. وبالتالي فإن القيام بأي خطوات مضادة قد تعترض طريق الدولة، من قبيل حروب الاستنزاف والعصابات، قابلة للتحقق كما تقوم به اليوم منظمتا &laqascii117o;حزب الله" و&laqascii117o;حماس". ولذلك، سنلاحظ في إطار مراجعتنا التاريخية لحربنا مع هذه المنظمات، أنها لا تسعى لتحقيق الانتصار النهائي على إسرائيل. بلغة كرة القدم هم يبحثون عن نتيجة &laqascii117o;التعادل"، وباللغة العسكرية فهم يريدون ان يحرمونا من الحصول على عبارة &laqascii117o;الانتصار".

السؤال الأكثر أهمية بنظر صناع القرار الإسرائيلي هو كيفية العثور على مسافة وسطى بين من لا يريدون تحقيق الانتصار، وإنما الاستمرار في حرب استنزاف متواصلة ضدنا. الفرضية العربية تشير إلى عدم وجود توجه بالقضاء علينا كلياً، ليس لأنهم يؤمنون بالنظرية الصهيونية، وإنما لأن إسرائيل دولة قوية، واستطاعت من خلال قوتها هذه أن تفرض على العالم أجمع أن يسلم بالواقع السياسي المستجد، مع الظرف الإسرائيلي المستجد. وهذا بحد ذاته يعتبر نجاحاً باهراً للردع الإسرائيلي، ومع ذلك فإن هناك في المقابل خطوات مضادة، ومحاولات حثيثة تبذلها جهات معادية لنقل الصراع إلى مستويات أخرى مختلفة. على هذه الخلفية، يمكن متابعة وملاحظة المحاولات التي تقوم بها بعض الدول المعادية لحيازة سلاح نووي، لتغيير ميزان القوى القائم حالياً مع إسرائيل. خطوة مضادة أخرى يمكن العثور عليها من خلال محاولات نقل الصراع من الصيغة النظامية، إلى صيغ وصور جديدة على هيئة حروب العصابات، والاستنزاف، كما تقوم بذلك منظمتا &laqascii117o;حزب الله" و&laqascii117o;حماس". وإذا ما أضفنا لذلك نمط الانتحاريين، فإن الصعوبة ستأخذ في التنامي، لأنك في حالة الردع المطلوب سيكون محتماً إلحاق أضرار هائلة بطرف الخصم، إذا ما فكر ـ مجرد تفكير ـ في توجيه ضربة لإسرائيل. ولكن فيما لو فكر إنسان ما بالقول: أنا مستعد للموت، أنا سأقتل على يد الأعداء، سيصبح من الصعوبة بمكان ردعه فعلياً. يمكن لنا في هذه الحالة أن نطلق على هؤلاء صفة &laqascii117o;المجانين"، لكن الاستعداد لدفع ثمن باهظ لذلك، حتى لو كان ذلك الموت، هو جزء من الثقافة الإنسانية، منذ بداية الخليقة.

من أجل ذلك، فإنه إذا ما أبدى شعب ما استعداداً لدفع ثمن باهظ، أو إذا ما استعد إنسان ما للموت، سيكون من الصعوبة فعلاً ردعه أو إخافته، وهذا الأمر ينطبق بالمناسبة على كل الشعوب. وهنا إذا ما أضفنا إلى ذلك ارتفاع وتيرة البعد الديني، والاستعداد لدفع ثمن باهظ، في بعض الحالات المعينة، سيضاف إلى نيات العمل المسلح، الدوافع الدينية، لذلك لا أرى داعياً لتحميل المسألة الردعية مسؤولية القيام بهذه المهمة لوحدها. لا يعني كلامي هذا أن الردع لم يعد يجدي، على العكس من ذلك، فإن هذه أحد الأسس المركزية لبناء النظرية الأمنية لمختلف الأمم حول العالم، وعلى مدار التاريخ. لكن ذلك لا يمنع من القيام بمهمة أساسية مفادها محاولة المواءمة بين النظرية الردعية المطلوبة من جهة، ومن جهة أخرى الظروف الميدانية القابلة للتغير بين الحين والآخر، بحيث يتم الربط بين الأعمال والنتائج.

وهنا يمكن طرح هذا السؤال: هل نحن دولة رادعة أم مردوعة؟ الحقيقة أنه منذ انسحابنا من جنوب لبنان عام 2000، طرأت مراحل وفترات تاريخية مختلفة من جانب &laqascii117o;حزب الله"، وأفعال ميدانية، لم تواجه بردود فعل إسرائيلية، وهو ما لم يساعد على ردع &laqascii117o;حزب الله". طبعاً قد يبدو من غير المريح لنا أن نعترف بهذه الحقيقة المؤلمة، لكن هذا ما حصل فعلاً!.


- 'صدى البلد'
ديانا سكيني:
الحكمة في إبقاﺀ القرى المحررة مغلقة
من يمضي بضعة أيام متجولاً في القرى الحدودية الجنوبية بعد 9 سنوات على تحريرها و3 على انتشار الجيش فيها. سيتيّقن من واقع ابتعاد الدولة المركزية وإخفاقها في مد الجسور إلى السكان الذين يبدو جزﺀ منهم تواقا لاعتناق مدنية الدولة من بوابة التنمية المفقودة.أن تأتي الــوفــود الأجنبية لإجــراﺀ الدراسات لمعرفة سبب إرتباط السكان المحليين بحزب الله يعني أن تواجه بحقائق 'نمطية' مــن قبيل غياب خدمات الدولة الصحية والاجتماعية والتربوية عن اهل هذه القرى. ناهيك عن النواة التي تشكلها البلدية وامامة المسجد في كل قرية والتي تعتبر سيطرة جهة حزبية عليها بوابة للتحكم بمسار كثير من الامور.ولا شك ان انجاز التحرير وتحول حزب الله الى 'حام للطائفة' في بلد تصنع السياسات فيه اصطفافات الــطــوائــف وتــقــاطــعــات تحالفاتها كفيلان بتقديم المبرر المنطقي لولاﺀ السكان المحكم لحزب الله في القرى التي تمكن بفعل مقاومته من تحريرها بعد سنين طويلة من الاحتلال الاسرائيلي. الا ان اللافت بعد تسع سنوات من التحرير يبقى في غياب المشاريع الحيوية التي بامكانها تثبيت السكان فــي ارضــهــم وعلى رأسها البدﺀ بتنفيذ مشروع الليطاني الذي يوازي البعض بين فائدته على قرى الجنوب وبين فائدة التحرير، ربطا بما سينتج عنه من تحريك لعجلات التنمية المحلية في مناح عديدة.

المنحى الاجتماعي المحافظ في القرى الشيعية المحررة يعتبر صلباً مقارنة مع الضاحية الجنوبية لبيروت. فــاذا كان ظهور الفتيات بملابس غير محتشمة ظاهرة يمكن رصدها بسهولة وتعتبر عادية في الضاحية الا انها تغيب بالكامل في الجنوب. كما أن غياب اماكن الترفيه التي يمكن ان تشكل مكان التقاﺀ للشبان والفتيات وحتى للعائلات امر لافت جدا في القرى الحدودية مع انها موجودة في قرى غير حدودية من الجنوب، اذ انك قد تستغرق وقتا طويلا وانــت تسير بعربتك قاصدا العثور على مكان صالح يقدم كوباً لذيذا من القهوة. هكذا تقتصر زيارة تلك القرى على الاشراف على الــعــمــران او الـــزرع، وعلى جلسات السمر المحلية او على حفلة شواﺀ بسيطة في حديقة المنزل، والتزود بالمونة السنوية قبل العودة الى بيروت.. هكذا رتبت الحياة في تلك القرى.. لا مكان للغرباﺀ فيها! فباستثناﺀ استراحات الخردلي الواقعة في قعر وادي تل النحاس، يصعب ان تعثر عــلــى اي مكان للترفيه في القرى الشيعية الحدودية في القطاع الاوسط.. ومن كان مصرا من الشبان والفتيات على عدم مفارقة الاجواﺀ البيروتية عليه الاتجاه صوب القرى المسيحية القريبة كجديدة مرجعيون والقليعة حيث تنتشر المقاهي والحانات الليلية.

يقول 'أبــو علي' صاحب مقهى 'كافي دي روزا' في قرية عديسة الحدودية انه استثمر بعيد التحرير قرابة الـ 30 الف دولار في استراحته الواقعة في حيز استراتيجي على رأس جبل بموازاة السياج الشائك مع اسرائيل ما يؤمن لها الاطلالة على سهل الحولة ومستعمرتي المطلة وكرياتشمونا واطراف جبل الشيخ.الا ان الاستراحة التي بقيت لفترة تستقبل الاعراس والحفلات سرعان ما توقفت عن العمل بسبب قلة الاقبال عليها على الرغم من اهمية موقعها وخدماتها الــتــي حرص ابــو علي فــي البداية على جعلها ممتازة عبر توظيف عدد من خريجي المدرسة الفندقية.

اليوم يشّغل الرجل المكان بنفسه جاعلا منه هواية البطالة خصوصا وانــه يقع الــى جانب منزله. هو لا يخزن الاطعمة ويقوم بتحضيرها وفــق الطلب، معتمدا على 'رزقــة' زبائن محدودين يقصدونه. يرى ابو علي ان 'ليس هناك من قرار محلي لفتح المنطقة الجنوبية المحررة امام السياحة' والغرباﺀ. ومن وراﺀ القرار؟ 'هو نفسه الذي يغيب التنمية عن المنطقة والذي يتحكم بالسلطة المحلية'. في دراسة اعدها برنامج أممي عن الواقع التنموي في هذه القرى، يتم الاستنتاج بأن استراتيجية المقاومة القائمة على السرية فــي العمل تستفيد من واقع القرى الحالي، اذ ان قرار فتحها عبر التنمية المحلية ذات الحجم الكبير لم يتخذه حزب الله بعد من خلال العمل على جعل المستثمرين الشيعة من الاثرياﺀ المغتربين يضخون اموالهم في تلك القرى، ناهيك عن ان تنمية الاطراف ليست من اولويات الحكومة اللبنانية التي دارت في الف وتتحدث احدى المشاركات في الدراسة بأن عمل فريقها لم يكن بالسهل ابــدا في اســتــطــلاع الــســكــان حــيــث كانت 'تسهل ملاحظة الريبة التي يثيرها وصول اي غريب وخصوصا اجنبي الىهذه القرى' كما ان 'اغلبهم كانوا يحتفظون باجابات واحــدة حيال الاسئلة السياسية والاجتماعية التي طرحت عليهم'، مستنتجة أن 'العلاقة البطريركية التي تجمع السكان وحزب الله يصعب على اي جهد تقوم به الدولة اللبنانية خرقه الا اذا كان الحزب هو الدولة، بكل بساطة'! .

الـــى ذلـــك، تــحــول الــحــزب الــى المرجع الأمني الاول الذي يتم اللجوﺀ اليه حيث يحضر 'شباب الحزب' من ابناﺀ القرية في حال وقوع اي اشكال . وهــذا مــا حــدث فــي احــدى هذه القرى الاسبوع الفائت حين تعارك عشرات الشبان في ساحة القرية ولــم يكن كفيلا بتهدئة خواطر المتقاتلين سوى وصول 'الشباب'، لتصل بعد ذلك دوريتا اليونيفل والجيش. وتشتد الريبة من الغرباﺀ هذه الايـــام مــع الــحــرب الــشــرســة التي يخوضها حــزب الله في مواجهة العملاﺀ بعد اكتشاف العديد من الشبكات في الفترة السابقة، فلا ريــب ان اعتبر كل مواطن جنوبي في القرى المحررة بمثابة خفير، حيث يتحول كل ذي نعمة حديثة الى محط شبهة يستحق التحري لــحــركــاتــه الــيــومــيــة. وهــنــا يعلق احـــد الــشــبــان مستهزئا بمسألة الــتــعــويــضــات حــيــث تمكن رجــل متواضع الحال بناﺀ 3 طوابق بعد ان دمر منزله المؤلف من غرفتين في حرب تموز بفضل الدعم الحزبي الذي يحظى به. ما وراﺀ هذا الواقع، يكمن أيضاً الهاجس المستمر لــدى السكان من وقــوع حــرب جديدة تنجح من خلالها اســرائــيــل بــاخــتــراق خلايا المقاومة في القرى، بعد انكشاف استراتيجية المقاومة التي اعتمدت فــي حـــرب تــمــوز عــلــى مجموعات المقاومين من ابناﺀ هذه القرى الذين حفظوا جغرافية قراهم شبرا شبرا وبنوا تحصيناتهم وامنوا وسائل اتصالهم وحفروا خنادقهم الشهيرة تحت الارض ووصلوا المنازل بعضها ببعض عبر سراديب تحتية. السؤال الذي يفرض نفسه في كــل جلسة مــع سكان تلك القرى هو عن تلك الحرب القادمة. هل تريدونها؟ 'لا بالطبع' جواب جامع 'ولكن ان فرضت علينا فنحن لها'. يستكمل البعض الاجابة..

سؤال آخر يفرض نفسه 'هل اذا قام الحزب بالرد على عملية اغتيال القائد عماد مغنية وعمدت اسرائيل الى اشعال الجبهة ستكون الحرب فرضت عليكم؟ '. الاجابة تستوجب التردد المحير من قبل الأغلبية قبل ان يحسم البعض بان في الرد ردعا ويجيبه آخر بان الردع مؤمن... ولاﺀ غالبية السكان لحزب الله تكسرها في بعض الاحيان، محاولات احزاب يسارية وعلمانية لاثبات وجودها في القرى عبر تأسيس ودعم الاندية الاهلية، علماً أن المبادرات غالبا ما تكون فردية من ابناﺀ تلك القرى الذين يدعمون المقاومة لكن لا يوالون حزب الله في السياسة الداخلية. يتحدث أحد اعضاﺀ منتدى بلدة الطيبة الثقافي الاجتماعي عن عدم مواجهة حزب الله لنشاطاتهم الاجتماعية والثقافية مقرا بان الامكانات المادية هي وحدها ما يقف عائقا أمام تمدد المنتدى في القرية 'هكذا نرى ان اغلبية الاشبال تذهب مع بدﺀ الصيف الى كشافة المهدي التابعة لحزب الله اما نحن فقدرتنا الكشفية الاستيعابية تبدو ضئيلة جدا مقارنة بقدرات الحزب'. يقول الشاب اننا 'نتلقى مساعدات من هيئات دولية ومن جمعيات باستثناﺀ ما هو اميركي كما نجمع التبرعات خلال حفلنا السنوي'، اما الهدف من النشاط 'فهو فقط اطلاع الناس وبخاصة الاطفال على وجود وجهة نظر اخرى في قريتهم'!.


- 'الحياة'
رغيد الصلح (كاتب لبناني):
&laqascii117o;إسرائيل لن تكون مستقلة من دون نهر الليطاني"
بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس مستوطنة كريات شمونه في شمال إسرائيل ألقى الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز كلمة خصص جزءاً واسعاً منها عن لبنان. تمنى بيريز ان يعود لبنان كما كان &laqascii117o;سويسرا الشرق" وأن ينعم بالهدوء والاستقرار الكاملين. وأكد مجدداً أن إسرائيل ليست عدواً للبنان، وانها لم &laqascii117o;تطمع قط في أي وقت مضى ولا هي تطمع في أي قطرة من مياه لبنان ولا في شبر من أراضيه". بصرف النظر عن الغرض من هذه الكلمة، فان ما جاء فيها يغذي نظرة تنتشر بين بعض السياسيين اللبنانيين مفادها أن موقف لبنان تجاه إسرائيل أملته عليه موجبات الصراع العربي - الإسرائيلي وليس ضرورات الدفاع عن سيادته ومصالحه المشروعة. وتقوم هذه النظرة على انه فعلاً، ليس لإسرائيل مطامع في لبنان وأن همها الأساسي هو ضمان الأمن الإسرائيلي ضد أي خطر آت من الشمال.

تأكيداً لهذه النظرة يشار هنا الى أن الهدوء لبث مخيماً على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية الى أن اتخذته المقاومة الفلسطينية في لبنان قاعدة لشن الهجمات ضد إسرائيل. في ضوء هذا التصور، يدعو أولئك السياسيون الى اتباع لبنان سياسة حياد في الصراع العربي - الإسرائيلي.ان هذه الدعوة، التي تختلف اختلافاً أساسياً عن الدعوة الى الحياد في الصراعات العربية-العربية، تندرج في إطار قضايا رئيسية تثير التباساً كبيراً بين اللبنانيين. ويشير التقرير الوطني للتنمية البشرية في لبنان لعامي 2008-2009 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الانمائي &laqascii117o;بعنوان دولة المواطن" الى هذه المسألة والى تداعياتها. فهناك التباس بين اللبنانيين حول &laqascii117o;مسألة العدو والصديق". وهذا الالتباس يعكس اختلافاً في نظرة الشباب اللبناني الى قيم المواطنة ومفاهيم الانتماء الوطني، هذا فضلاً عن الاختلاف حول نظرتهم الى الوطن. استطراداً، يربط التقرير بين هذا الالتباس وبين استفحال الانقسام الطائفي بين اللبنانيين ليس بين الشباب منهم فحسب، وانما بين اللبنانيين عموماً. لا بد من الإشارة هنا، الى انه ليس من الضروري أن يكون لابن بلد، لبنانياً أو غير لبناني، من عدو حتى يحب بلده. بل انه لا حاجة لدى البلدان أصلاً للعدو وللأعداء. فأسعد المجتمعات حالاً في العالم هي تلك التي لا أعداء لها ولا أخطار خارجية تهددها. ولكن العامل المقرر في هذه المسألة ليس فقط نظرة هذا البلد الى الآخرين ولكن نظرة الآخرين إليه. فما هي حقيقة نظرة &laqascii117o;الآخر" الإسرائيلي الى لبنان؟ أصحيح أن إسرائيل لم تطمع في شبر من أراضي لبنان ولا في قطرة من مياهه؟

توفر الوثائق التاريخية إجابات هامة على هذا السؤال. ومن هذه الوثائق المراسلات المتبادلة خلال عامي 1919 و1920 بين آرثر بلفور وزير الخارجية البريطانية صاحب الإعلان الشهير حول الوطن القومي اليهودي، ولويد جورج، رئيس الحكومة البريطانية، واللورد كيرزون، وزير الخارجية البريطانية الذي خلف بلفور في وزارة الخارجية البريطانية، وحاييم وايزمان زعيم الحركة الصهيونية. وتمحورت هذه المراسلات حول حدود الوطن القومي اليهودي. على هذا الصعيد قال وايزمان في رسالة وجهها الى لورد كيرزون ما يأتي:&laqascii117o;إنني واثق أن سيادتكم تدركون حاجة فلسطين (يقصد إسرائيل) الملحة الى مياه الليطاني. وهذه الحاجة تبقى قائمة حتى ولو ضم اليرموك والأردن الى فلسطين. ان صيف فلسطين جاف جداً، ومياه الأنهار والبحيرات تتبخر بسرعة في هذه الفترة، ومن ثم فان مياه الليطاني ضرورية لري &laqascii117o;الجليل الأعلى" ولاستمرار الطاقة الكهربائية، التي تحتاجها صناعتنا حتى ولو كانت محدودة. إننا إذا أخذنا مياه الليطاني لن نحرم لبنان من حاجته من المياه، لأن أراضيه غنية بها".&laqascii117o;... ان فلسطين لن تكون مستقلة سياسياً إذا اقتطع منها الليطاني(...) وإذا كانت فلسطين فقيرة فانها لن تنفع أياً من القوى الكبرى".لم تعبر هذه الإشارة عن رغبة الصهيونية في ضم أجزاء واسعة من الأراضي اللبنانية الى الكيان العبري فحسب ولكن في ضم أراض أصبحت في ما بعد جزءاً من دول عربية أخرى. ففي نفس الرسالة يقول وايزمان: &laqascii117o;يبدو لي (...) اني لم أوضح بما فيه الكفاية استحالة ضمان حقوقنا في مياه أعلى الأردن واليرموك إذا لم تدمج المناطق التي تمر فيها هذه الأنهار مع فلسطين، فالاستفادة من مياه النهرين تتطلب مشاريع هندسية مكثفة، كما تتطلب أعمال تشجير واسعة النطاق. ولسوف يكون مستحيلاً تحقيق مثل هذه المتطلبات أو نجاح أي مشروع تنموي سواء من الناحية المادية أو الاقتصادية، ما لم تصبح المناطق التي تمر فيها هذه المشاريع جزءاً أصيلاً من أراضي فلسطين".

ويتحدث وايزمان بنفس المنطق والنهج عن المنطقة المحيطة ببحيرة الحولة وعن أراضي وادي الحاصباني وبانياس وأراضي وادي اليرموك والأراضي المحيطة ببحيرة طبريا.كذلك تؤكد المراسلات ان المطالبة بضم مياه الدول العربية المجاورة الى فلسطين والأراضي التي تمر بها لم يكن مطلباً عابراً بل أولوية كبرى لدى الحركة الصهيونية. فقد استنفر الصهاينة الصداقات والتحالفات التي بنوها مع الساسة الأوروبيين وفي طليعتهم بلفور للضغط على أصحاب القرار في بلادهم من اجل توسيع رقعة &laqascii117o;الوطن القومي اليهودي". وسلط بلفور المزيد من الأنظار على المطالب الصهيونية في رسالة بعث بها في صيف عام 1919 الى لويد جورج رئيس الحكومة البريطانية قال فيها:&laqascii117o;... عندما نرسم الحدود الفلسطينية، ينبغي أن يكون هدفنا الأول هو أن نجعل السياسة اليهودية ممكنة التطبيق عبر توفير كافة طاقات النمو الاقتصادي لفلسطين. وهكذا، فان الحدود الشمالية لفلسطين ينبغي ان نخطط لها على نحو يمنحها [الكيان الصهيوني الموعود] السيطرة التامة على كافة موارد المياه التي هي ملك فلسطين لا سورية".تقدم هذه المراسلات نقضاً صريحاً لكلام شمعون بيريز، فلماذا اختار الرئيس الإسرائيلي أن يكرر الادعاء بأن إسرائيل لا تطمع في شبر من أرض لبنان أو قطرة من مياهه؟ قد يقال هنا ان هذه المراسلات تعود الى مطلع القرن الماضي وانه منذ تلك الفترة تغيرت الأوضاع بما في ذلك أهداف الصهاينة والإسرائيليين. هذا صحيح. ولكن هل أن الأوضاع تغيرت على نحو يجعل الزعماء الإسرائيليين يتخلون عن المشاريع التي تحدث عنها وايزمان؟ إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يصارح بيريز اللبنانيين قائلاً بأن الحركة الصهيونية كانت في الماضي ترغب في ضم الليطاني وحوضه، الى إسرائيل، وأن الأوضاع المستجدة أقنعت الإسرائيليين بالاستغناء عن هذه المشاريع؟.

الأوضاع تغيرت بالفعل. الحركة الصهيونية التي كانت لاعباً هامشياً حتى على المسرح اليهودي العالمي، تحولت الى فاعل رئيسي على مسرح السياسة الدولية، وأنجبت كياناً يملك واحداً من أقوى الجيوش وترسانة ذرية تجعلها القوة النووية السادسة في العالم. هذه التطورات لا تجعلها اقل حاجة الى المياه الفلسطينية والعربية بل أشد عطشاً إليها وأكثر تصميماً على السيطرة على منابع هذه المياه وممراتها. كذلك فان هذه المتغيرات لا تجعلها اقل قدرة ورغبة في التوسع، بل العكس. ألا يحتل الإسرائيليون اليوم الجولان؟ ألا يعتبرون حاجتهم الى مياهه مبرراً للاستمرار في احتلاله؟قال الشاعر البريطاني الشهير جورج هربرت مرةً: &laqascii117o;دلني على مخادع، أدلك على سارق". ويلخص هذا القول حقيقة التأكيدات المتكررة التي يدلي بها الزعماء الإسرائيليون حول نيات إسرائيل الطيبة والمسالمة تجاه لبنان. فالمقصود بهذه الكلمات هو تخدير اللبنانيين بحيث يتخلون عن أي مشروع لبناء قوة رادعة ضد مشاريع إسرائيل التوسعية في الشمال. إذا تم لهم ذلك ينتهي دور المخادعين من أمثال بيريز لكن يبدأ دور السارقين مثل المستوطنين في الضفة الغربية للسطو على مياه لبنان بأقل كلفة ممكنة.هذه التصريحات والإعلانات جديرة بأن تجعل اللبنانيين أكثر تصميماً على بناء القدرة الرادعة، وعلى تحقيق &laqascii117o;أمنية" بيريز أي تحويل لبنان الى &laqascii117o;سويسرا الشرق".

لقد تمكنت سويسرا بفضل برنامج خدمة العلم من حل إشكالات الالتزام الوطني ومن بناء القدرة الرادعة معاً. تعداد الجيش السويسري النظامي الحالي يصل الى 200 ألف مزودين بأحدث الأسلحة. لبنان قد لا يتمكن في ظروفه الراهنة من تكوين قوة رادعة بهذا الحجم ولكنه قادر على تنمية القوة التي يملكها باستمرار حفاظاً على حقوقه وأمنه وسيادته. إعادة تطبيق خدمة العلم هو خطوة صحيحة على هذا الطريق.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد