ـ صحيفة 'السفير'
حزب الله يساورنا الشك: لماذا تجاهُل المقاومة العراقية؟ (2 ـ 2)
ميخائيل عوض:
في التجربة التاريخية قول حاسم وجواب وافٍ شافٍ، نعم، كل مقاومة واجهت مشكلات مشابهة في زمانها ومكانها وخاصياتها، ونجحت المقاومات التي قاربتها المقاومة الإسلامية وجاوزتها في الفعل المقاوم، فالمقاومة الجزائرية واجهت ما تواجهه المقاومة في لبنان، والمقاومة الصينية، والفيتنامية ونجحت، أي أن موجب المقاومة الإسلامية اللبنانية أن تدير التناقضات في بوتقة الوحدة الضابطة في مرحلة التحرر وعليها أن تنتج برنامجاً خلاقاً يتعامل مع واقع الحال ويديره، ليغيره لا ليتصادم معه أو يؤبده، ما عجزت عنه المقاومة حتى اللحظة والزمن لم ينفد بعد..
المفسدة اللبنانية وقدرتها على إسقاط الحصانات:
مشكلة تبدو خاصية لبنانية تكمن في بنية الدولة والنظام والمجتمع، وآليات العمل السياسي واستهدافاته.. فرضت نفسها على المقاومة وطبعتها بطابعها وألزمتها بمنطقها، فأسرتها، وقادتها إلى تكتيكات أو أخطاء، شأنها ما صار مع الحركة الوطنية اللبنانية، ومع المقاومة الفلسطينية، وقد أصابت التيارات السياسية بيمينها الرجعي ويسارها الثوري والتيارات والزعامات التي جاءت على أحصنة التغيير والإصلاح فحولتها عائلية تكسبية، والادلة الشواهد كثيرة في الحياة السياسية بفعل فاعل منذ القرن التاسع عشر أقيمت دويلات الطوائف والإرساليات، استقلت عن الدولة المركزية وحالت دون قيامها، أقامت لنفسها مجتمعها المضاد والخاص، وصار ابن الطائفة يولد ويموت في طائفته بدون أن يتشارك المواطنة مع آخرين، أو يحتاج للدولة المركزية، تجربة قادت تجارب الطوائف وحركاتها السياسية، فصار للطائفة، ثم للحزب، فللزعيم مؤسسات تعليمية، واجتماعية، واستشفائية، وخدمية، وصار الكل يقلد النموذج المصنوع في الخارج لتخريج لبنان وطوائفه وحراكه السياسي فأصاب المرض الجميع ولم تتنبه المقاومة وحزبها لخطره، بل تساوقت معه على أنه فضيلة، وأبدعت..
ثم في تجربة الإنماء، وإعادة البناء بعد الحروب، والدور المحوري الذي قامت به المقاومة وجهاد البناء فيها تمثل من زاوية ميزة نموذجية قاطرة قدمتها المقاومة الإسلامية تشكر عليها، لكن السلبي في المسألة أن الناس اطمأنوا، وقعدوا، لتبوؤ المقاومة ومؤسساتها مهمة البناء والتعويض بديلاً عن حقهم المتوجب على الدولة ومؤسساتها بعد كل ما جاءها من تبرعات فاقت الخسائر وكلفة إعادة البناء.. فغدت المقاومة من دون أن تدري أو أن تخطط هي المسؤولة والمطالبة والمستهدفة بالنقد وأحياناً بالحسد، فتحملت مسؤولية أخطاء التخمينات، ونقص التعويضات، وتأخرها ولم يشفع لها أنها وعدت وأوفت العهد والوعد. فأحلت المقاومة وأجهزتها نفسها محل الدولة فحمتها وغطت على تجاوزاتها وممارساتها، وأقعدت الناس عن مطالبتها وخوض غمار النضالات لانتزاع الحقوق وإلزام الدولة بموجباتها...
اجتمعت عناصر كثيرة، وتضافرت فوضعت المقاومة وحزبها في المكانة التي احتلها في المسألة الاجتماعية الاقتصادية، وفي التخلف عن جعلها بين أولوياتها وفي مصاف مهمة التحرير لا تنفصل عراها، فغدت المقاومة وكأنها تقدس الأرض، وتطلب الشهادة المجانية، لا تحرر من اجل البشر، ولا تستشهد من اجل حق الناس بالحياة الحرة الكريمة، فصارت بعض شعاراتها الاجتماعية كشعاراتها السياسية التوافق في السياسة وتشكيل الحكومة، والتوافق في الخطة الاقتصادية.
في مسائل أخرى، تعثرت أو ارتكبت المقاومة وحزبها، وإعلامها، أو أخطأت، فأنتجت ظاهرات غير صحية كان لها أن تكون غير ما صارت عليه..
انتصاراتها، وخطاب قيادتها، وقتالها أفتن الأمة، وألهب المشاعر الوطنية والقومية والدينية، وحرّك كوامنها وأوثق الناس بأنفسهم وبتاريخيهم وبإمكانية صناعة مستقبلهم، بعد فعل المقاومة والنصر..
غير أن سياساتها، ومقارباتها للكثير من المسائل كسرت الحلم، وكادت أن تحطم الأمل، لولا فرادة قائدها لشكلت عنصراً حافزاً للفتنة، ووقعت فيها وأوقعت الأمة في مخاطرها وتشعباتها.
هذا قول لا يجافي الحقائق، ولا ينتقص من الانتصارات العظيمة للمقاومة، فلولا تجربتها ما كانت مقاومة فلسطينية، ولا كانت مقاومة عراقية، ولا كانت انتصارات تاريخية وهزائم للمشروع الغربي، ولما كان أمل بالتحرر، فنموذجها قوة جاذبة، وخطابها قوة حاسمة، ودورها في التدريب، والإعداد، ونقل الخبرة، والمعرفة، والسلاح أساس بإقرار الجميع في ما آلت إليه المقاومات ودول الممانعة..
والحق يقال إن دورها في إدارة المعركة السياسية في لبنان بعد اغتيال الحريري، كان مبدعاً لا يقل أهمية عن انتصار تموز، تجسد في هزيمة حرب التدويل الضروس في شدتها ونجحت المقاومة نجاحاً ميموناً في تفويت الفرصة على الفتنة، والتفكيك، التي كان ميدانها المستهدف لبنان ومنه تصديرها إلى العراق، وبلاد العرب والمسلمين، وهنا يسجل للمقاومة وتكتيكاتها نصر حكيم ومحكم..
لكنها أخفقت في تأليف قلوب المقاومين العرب والمسلمين، فتجاهلت المقاومة العراقية ومشروعيتها وثوريتها، ما اضعف ثقافة المقاومة، وصوّرها على أنها مقاومة الطوائف والمذاهب لأهداف دعوية مصلحية مذهبية، فتبنّي المقاومة العراقية وشحذ همتها وهمة الأمة يرصد لمصلحة المقاومة الإسلامية اللبنانية ودورها الرائد والقائد لاستراتيجية المقاومة تمهيداً لدور في النهوض والقيام، وقد عظّم أخطاءها إعلامُها فانكشف على عطب كان لا بد أن يعالج، وما زالت المهمة راهنة والزمن لم ينفد كله..
والمقاومة الإسلامية التي تأسست أصلاً، تعمدت، وتطهرت في مطهر المسألة القومية، وفي أولها تحرير فلسطين، والزحف إلى القدس، قزمت قوتها، وموقعها عندما حشرت نفسها قسراً في العلبة الكيانية اللبنانية، واستجابت للضغوط، أو رضخت لمنطق الجمهور وحاجاته، فوضعت لنفسها قيوداً وحدوداً التزمتها بمساحة التلال والمزارع والأسرى والمعتقلين، فقدمت نفسها على أنها غير معنية بأي من الساحات الأخرى، وغير ملزمة بالدفاع عن أية مقاومة أو حركة اعتراضية على النظم والأسر الحاكمة، والنخب المتآمرة، برغم أن تلك لم تكف خطرها، ولا تركت المقاومة لشأنها بل تدخلت بسفور ما بعده فجور في الحالة اللبنانية، ودعمت قوى تتآمر على المقاومة، وتأمرت مع إسرائيل وحلفها في حرب تموز وفي الحرب الأمنية الدائرة على أشدها، وفي حرب القرارات الحكومية الظالمة، وفي الحرب على تمثيل المقاومة في الحكومة وفي العملية الانتخابية على نحو باين فاضح...
غير أن السؤال وماذا إذا لم تغامر، وقبلت لعبة التوازن على ما هي عليه وأبدتها في حالة التهديد والردع، وفرض الهدنة العملية لأطول ما يكون.. ألا تكتسب دعايتها مصداقية بقولها أنها نجحت في حرب تموز وحرب غزة فأوقفت الاستنزاف، واستعادت قوة التهويل بالردع؟ فتركت غزة تنشغل بحصارها وإعادة بنائها وأزمتها وصراعاتها، وأمنت جبهتها في الشمال وأوكلت الإشغال للأزمة اللبنانية الداخلية وعناصرها...!
الأمور ليست على ما يرام والزمن يعمل بإيقاعه، ويستوجب مهماته، ويقدم أولوياته، ويملأ فراغاته..
المقاومة اليوم ليست مقاومة الأمس، مهماتها اختلفت، ومتوجباتها تغيرت، وان شهد الأمس على نجاحاتها فما الضمانة أن تنجح اليوم وتنجز مهام الغد..
نظافة كف المقاومة لحقها ما يسيء إليها، وتجربتها في الحكم تعثرت، وارتبكت في إدارة الصراع السياسي ، وتأرجحت في إدارة شؤون قاعدتها الشعبية وتلبيتها، كافأت حلفاءها، وناصرتهم لكنها عجزت وأعجزتهم عن توسيع دائرة الحلف وتنظيمه لبلوغ مرحلة الجبهة الوطنية العريضة التي تملك برنامجاً للتحرير وتسعى للحكم..
قولنا نكرره، المقاومة التي تحرر ولا تحكم تُسحق أو تحكم على نفسها بالذبول والأفول، مسيرة لا نريدها ولا نقبلها لأشرف وأقدس مقاومة عربية..
الزمن لم ينفد بعد، والهنات والعثرات، الثغرات الأخطاء تمكن الإحاطة بها ومعالجتها بل يجب وما تحقق مازال يشع، يحمي، ويساعد على التجاوز والنهوض.
ـ صحيفة 'النهار' ـ منبر
من دويلة 'فتح' الى دويلة 'حزب الله' بغطاء مسيحي
ريمون عبود:
بعد هزيمة الجيوش العربية عام 1967، دعت الجماهير والاحزاب الوطنية الى الحرب الشعبية كسبيل وحيد لتحرير فلسطين، واعتبار المقاومة الفلسطينية طليعة حركة التحرر العربية، فبدأ تدفق المقاتلين الفلسطينيين الى لبنان. استباح الفلسطينيون كل شيء (بغطاء سني – يساري) وكان رئيس الوزراء عبد الله اليافي يهتف مع المتظاهرين: كلنا فدائيون، مع تدخل سافر في شؤون البلد، من اقامة الحواجز وتفتيش المواطنين، الى تشكيل الحكومات، وصولاً الى اختيار رئيس الجمهورية، وتوليد تنظيمات موالية داخل الطوائف، لزعزعة الاستقرار وتدمير المؤسسات وعلى رأسها الجيش، ليتم وضع اليد على البلد وإمساك الورقة اللبنانية التي اصبحت مدار نزاع بين 'أبو عمار' وحافظ الأسد.
دفع لبنان ثمن هذا الصراع العبثي ولا يزال لغاية اليوم يعاني انفلاش السلاح الفلسطيني. بعد انسحاب القوات السورية، حاول 'حزب الله' ان يرث حكم الوصاية على الصعيد الامني، فاعتمد الاسلوب عينه الذي اعتمده 'أبو عمار' في اختراق الطوائف ودعم المجموعات المسلحة داخلها تحت شعار حماية المقاومة، اضافة الى تعزيز شبكة الاتصالات، وشق الطرقات لربط المناطق الشيعية ببعضها، من الجنوب الى بعلبك وصولاً الى قرى جبيل الشيعية، مع مربعات امنية يحظر على القوى الامنية دخولها، فتحولت مرتعاً للخارجين على القوانين، مع تزايد مخالفات البناء وتغطيتها بالتصدي للقوى الامنية، ومنع ازالة التعديات على املاك الغير وشبكة الكهرباء، وتنامي تجارة المخدرات وسرقة السيارات في جرود الهرمل، وحماية بعض مفتعلي الجرائم ضد الجيش وتهريبهم الى خارج الحدود واستدراج الجيش الى المواجهة في حوادث الشياح في محاولة لشل قدراته وتعطيل دوره وتحييده تمهيداً لما كان يحضر من غزوات، وفرض حالة تعبئة واستنفار دائم مع الحديث عن خصوصيات ومحرمات، داخل مجتمع مقفل يدير أموره بمعزل عن الدولة، خير دليل على ذلك فضيحة رجل الاعمال عز الدين، رفع شعار: 'تفعلون ما نريد او لاً تفعلون شيئاً وإلا النزول الى الشارع'، وهذا ما أخاف وليد جنبلاط، واخيراً الهجوم على القضاء لاستكمال الإطباق على المؤسسات وتعطيل دورها ليتفرغ لمتابعة مشروع دويلته الامنية، مع احتضانه اللافت للضباط الاربعة المفرج عنهم، هذا القضاء الذي 'بخطشة' قلم أقفل ملف الجنرال عون لترتيب عودته، علماً أن عون قبل بقانون العفو الخاص الذي منحه اياه الرئيس الهراوي ومغادرة البلدة لمدة 5 سنوات مع التعهد بعدم القيام بأي نشاط سياسي، فمن ابقاه لمدة 15 سنة في المنفى وهدد بفتح ملفاته كلما فكر في العودة. ان سلاح 'حزب الله' تحول من سلاح مقاوم الى سلاح للتعطيل، يظهر ذلك عند كل منعطف، فهذا السلاح يأسر الطائفة الشيعية ويصادر قرارها ويمنع التعددية داخلها، فهذه الطائفة الكريمة والمناضلة والتي كانت تعتبر خزاناً بشرياً لاحزاب اليسار، لم تعد تحتمل ترشيح حسين الحسيني وأحمد الاسعد وحبيب صادق...، يقولون ان الانتخابات في الجنوب استفتاء على المقاومة، أليس انور ياسين مقاوماً، كذلك فاروق دحروج وسعدالله مزرعاني وغيرهم؟. إن تحالف 'حزب الله' مع الجنرال عون أمّن له غطاء مسيحياً واسعاً، مما زاده تعنتاً واستكباراً، في محاولته خرق الدستور بفرض الثلث المعطل، الى فرض اسماء الوزراء، ومصادرة صلاحيات رئيس الحكومة المكلف، وذلك من ضمن خطة متدرجة للقضاء على اتفاق الطائف والعودة الى القبلية وشريعة الغاب، الأمر الذي دفع بالرئيس المكلف الى الاعتذار مع تصاعد الاصطفاف المذهبي الحاد، لقد اعترض المسلمون على التعددية الثقافية والديموقراطية التوافقية التي وردت في نص السينودس من أجل لبنان، واستبدلت بالديموقراطية الميثاقية بطلب من محمد السماك، ليعود البعض حالياً ويركز مجدداً على الديموقراطية التوافقية.
إن المقاومة لا يمكن ان تكون اسلامية، لأنها تصبح غير مرتبطة لا بمكان ولا بزمان، ظهر ذلك في توريط البلد في حرب تموز بعد ان طمأن السيد حسن نصرالله اللبنانيين ووعدهم بصيف هادئ، مما يثبت الارتهان للمحور السوري – الايراني، وتنفيذ ما يصدر من أوامر لا تردّ من الولي الفقيه، اضافة الى اكتشاف أمر الخلية الامنية في مصر، ناقلاً نشاطه الى العالم العربي، وهذا الامر يخرج تماماً عن اطار 'ورقة التفاهم' بينه وبين التيار الوطني. اما جنرال الاصلاح والتغيير، فاقتصر الاصلاح لديه على توزير الصهر المدلل، اما على صعيد التغيير، فقد ضرب رقماً قياسياً في تغيير المواقف والمواقع مع المصادقة العمياء على كل ما يقوم به 'حزب الله'، او يلتزم الصمت في القضايا المحرجة. ان هجومه المتكرر على بكركي لا يخرجه من مأزقه، المطلوب مراجعة نقدية لمواقفه وخياراته والكف عن سياسة التطاول وتهشيم الآخرين عبر خطاب شعبوي، لم يعد يعطي مفعوله في اثارة الغرائز وتخويف المسيحيين من خطر السنّة، فتحول مع تياره الى مستلحق ومستتبع. لقد اعتدنا على انفعال الجنرال عون ولا نستغرب تقلباته، لكن من الضروري التذكير ببعض مواقفه السابقة علّ بعض المتنورين يعود الى رشده قبل فوات الأوان، إن ظاهرة الانقياد الاعمى وراء الزعيم، تصيب الجامعات التي ينقصها الوعي والانفتاح. وتشعر بالحاجة الدائمة الى الرعاية والحماية، عند انفجار الصراعات الطائفية، لذلك يعتقد الجنرال عون انه يستطيع ان يسوّق ما يشاء داخل جمهوره الذي لا يعترض ولا يناقش ولا يحاسب، جمهور تربّى على سياسة الحقد والكراهية والنكايات وردّات الفعل، واللبنانيون ميالون الى العودة الى منطق التقوقع والانغلاق واللاتسامح مع الآخرين، فذكريات الحرب البغيضة والمترسخة في ذاكرة اللبناني، تعمل على ايقاظ الهلع لدى الذين عانوا مآسيها، هذا يقتضي الاعتذار فالغفران والمسامحة وصولاً الى النسيان.
إنها من الظواهر اللبنانية الفريدة ظاهرة انتقال الزعيم من موقع الى موقع دون ان يسأل او يحاسب. لقد وقع الجنرال عون 'ورقة التفاهم' التي تعتبر سلاح 'حزب الله' وسيلة مقدسة، بعد أن صرّح في 5 نيسان 2003 'لا استطيع ان احاور 'حزب الله' وهو يحمل البندقية، فليضع البندقية جانباً عندها يجلس معنا ونتحاور'. ماذا طبق من ورقة التفاهم لمصلحة الجنرال: من حالة النازحين والفارين الى اسرائيل، الى المعتقلين في غياهب السجون السورية الى رسم الحدود...، لا شيء حصل عليه مقابل تسليمه المطلق بتشريع سلاح 'حزب الله' ودويلته الامنية وتغطيته كل تجاوزاته وتبريرها، واعتبار حوداث 7 أيار عودة القطار الى السكة الصحيحة، لقد اعترض على سلاح الحزب عندما كان سلاح مقاومة ولم يعترض عليه عندما ارتد الى الداخل. لم يتمكن الجنرال عون من تحويل المدّ الشعبي الجارف الذي اجتمع حوله، من مجرّد نشاط سياسي، الى كسب سياسي ملموس يصبّ في مصلحة الدولة والمسيحيين وحتى في مصلحته الخاصة.
لقد اقتنع اللبنانيون بعد حين بصواب خيارات العميد ريمون اده ومواقفه الوطنية وانصفه التاريخ، لكن لا يحتمل البلد انتظاراً لفترة مماثلة ليقتنع اللبنانيون، ولاسيما المسيحيون بعدم صواب مواقف عون ومشاريعه الوهمية ورهاناته على تحالف الاقليات الشيعية والمارونية والعلوية، لذلك يجب تجنيب البلد الانزلاق مجدداً الى منطق التعصب والعنف، بالعودة الى الحوار يشارك فيه رجال فكر وقانون للوصول الى صيغة اكثر انسجاماً وتماسكاً والعمل على حل سريع لمشكلة سلاح المقاومة بجعله تحت امرة الجيش، والتركيز على قانون انتخاب يعتمد الدائرة الفردية لوضع حد لحالة الاذلال والابتزاز التي يواجهها المرشح لكي يحظى بنعمة الدخول الى لائحة الزعيم ومن شروطها البصم والانقياد الأعمى والرضوخ لمشيئة الزعيم وتمجيده صبحاً ومساءً.
ـ صحيفة 'الغد' الاردنية
قوة نصر الله وضعفه
د. محمد ابو رمان ـ 23-9-2009
اختطف حسن نصرالله الأضواء في يوم القدس العالمي، في خطابه الذي خصّص جزءاً كبيراً منه للحديث عن القدس والقضية الفلسطينية وحق العودة.
الأهم من هذا وذاك، أنّ زعيم حزب الله لم يفوّت هذه المناسبة من دون التذكير، على أعتاب العيد، بمأساة غزة وأطفالها، الذين يحول الحصار (العربي- الدولي) لها دون وصول مواد لبناء منازل تقي الناس حرّ الصيف وبرد الشتاء، بعد أن هدّمها العدوان الإسرائيلي.
لم يقّدم نصرالله لأطفال غزة أموالاً وعوناً مادياً مباشراً، بل ربما قدّمت دول عربية أكثر منه بكثير، لكنه قدّم خطاباً سياسياً وضعه في أعين الغزّيين والعرب في منزلة عالية من الشعبية والمصداقية، التي لا تتمتع بها الحكومات العربية حتى لدى شعوبها!
قوة نصرالله تكمن هنا. فبالإضافة إلى الكارزما التي يتمتّع بها الرجل، فإنّه يمتلك خطاباً سياسياً يملأ فراغاً روحياً ورمزياً لدى الشعوب العربية، عنوانه الكرامة المُهْدرة، وفي الوقت نفسه يحمل هذا الخطاب لغة عقلانية مقنعة، ويستند إلى حجج واقعية لا يمكن تجاهلها أو القفز عنها.
ثمة ثلاث دعامات وروافع تمنح الرجل مصداقية وشعبية:
الأولى، حالة النظام الرسمي العربي (أمام إسرائيل)، التي لا يمكن تبريرها أو تفسيرها، ضمن أي موازين قوى عسكرية وسياسية واقتصادية.
الثانية، أنّه يلتزم بما يقول، وليس فاسداً، ولا تاجر سياسة، وهذا يرفعه كثيراً في أعين الشارع العربي المتعطّش لهذا النوع من القيادة.
وثالثاً، السياسات الغربية، المنحازة لإسرائيل في منطقتنا، التي تجعل من الإنسان العربي رقماً صفرياً، لا قيمة له، بينما تتعامل بصورة مختلفة تماماً مع الإسرائيليين.
فيما يبدو جانب الضعف الأساسي، لدى نصرالله، في ذلك الولاء المطلق لإيران وتحديداً لمرشد الجمهورية، وهو ولاءٌ يستفز كثيراً من العرب، مع إدراك أنّ إيران هي الراعي الرئيس لهذا الحزب سياسياً ومالياً وعسكرياً، وطائفياً.
بالرغم من الدعم الذي تقدّمه إيران لحزب الله، بخاصة عسكرياً، ولحماس وفصائل المقاومة، فإنّ هنالك جانبين لا يمكن تبريرهما والقفز عنهما في سياستها الخارجية:
الأول، على النقيض مما يقوله نصرالله، فإنّ إيران لا تدعم هذه القوى، فقط لأنها ضد إسرائيل وأميركا، إنما لوجود مصالح حيوية إقليمية إيرانية، هي المعيار الرئيس الذي يحكم سياسة إيران.
الثاني، ما تقوم به السياسة الإيرانية في العراق من تخريب البلد، والتلاعب به أمنياً وسياسياً، خدمة لمصالحها، ومحاولة خلق دولة ضعيفة هشة تابعة لها، وتمدد نفوذها بصورة غير مقبولة في هذه الدولة العربية.
مع التذكير أنّ إيران ساهمت، سابقاً، بصورة مباشرة وغير مباشرة في احتلال كلّ من العراق وأفغانستان، من قبل القوات الأميركية، مما أدى إلى اختلال كبير في موازين القوى لصالح إسرائيل.
نصرالله زاد (في خطابه) من جرعة الحديث عن إيران للتغطية على أحداث الجمعة في طهران، بخاصة على هتافات الإصلاحيين اللافتة 'لا غزة ولا لبنان، نستشهد من أجل إيران'، وكذلك ما تعرّضت له قيادات إيرانية إصلاحية في مقدمتهم خاتمي وموسوي من اعتداء وضرب.
فعلى ما يبدو، أنّ نصرالله لجأ إلى التأكيد على الدور الإيراني تجاه العرب، ومديحه المبالغ فيه للرئيس نجاد والمرشد، لإضعاف صدى أحداث طهران لدى الشارع العربي وأنصار حزب الله في الداخل، وقلقهم من الوضع المتوتر في طهران.
من طرفه، فإنّ النظام الرسمي العربي لا يخفي عداءً واضحاً لإيران، ولا يحاول الوصول إلى أي صفقة إقليمية معها، تضمن مصالح الجميع، مع أنّها أقرب من سراب السلام مع إسرائيل، ومن أي تسوية محترمة معها!