- 'النهار'
تاريخ لبنان بين العداء للسامية والجريمة ضد الإنسانية
محمد علي الأتاسي:
غالبا ما يكون بعض غلاة المتحمسين في الدفاع عن القضايا العادلة، أسوأ أعدائها. وهذا ينطبق بدقة على الضجة التي أطلقتها قناة 'المنار' عندما اتهمت من سمتهم بعض الأوساط بالتورط في فتح 'الساحة التربوية في لبنان للغزو الثقافي الصهيوني' بسبب كتاب مدرسي للتاريخ يُدَرَّس باللغة الإنكليزية في بعض مدارس بيروت ويتضمن فقرات عن مذكرات الفتاة الألمانية اليهودية آن فرانك ذات الثلاثة عشر عاما التي كتبتها من مخبئها خلال الاحتلال النازي لهولندا، قبل أن يُلقى القبض عليها وتُقضي مع معظم أفراد عائلتها في معسكرات الاعتقال النازية.كان يكفي ريبورتاج تلفزيوني لا تتجاوز مدته الثلاث دقائق في نشرة أخبار قناة 'المنار' مساء 30 تشرين الاول الماضي، أعده صحافي متحمس وشارك فيه نائب في البرلمان عن حزب الله ومحامٍ لبناني، كان يكفي هذا الريبورتاج، لكي يتم سحب الكتاب من التداول في المدارس التي تدرسه، بناء على قرار مؤسف وغير مبرّر لوزيرة التربية بهية الحريري، ولكي يظن بعض القائمين على قناة 'المنار' أنهم سجلوا نقطة إضافية في التجاذبات السياسية التي تسيطر على الساحة اللبنانية، في حين أنهم قدموا على طبق من الذهب خدمة لا تقدر بثمن للدعاية الصهيونية المتطرفة التي تجهد من سنين للربط بين تيارات معاداة السامية في اوروبا وبين حركات المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني في منطقتنا. كان يكفي ريبورتاج تلفزيوني قصير لصحافي متهور، أعاد موقع قناة 'المنار' الإلكتروني تفريغه كتابة على صفحته الرئيسية، وتم انطلاقا منه تحرير خبر لـ'وكالة الصحافة الفرنسية' في بيروت بلغات عدة، ومن ثم جال أنحاء العالم وتلقفته وسائل الإعلام العالمية ونشرته كبرى الصحف الدولية على صدر صفحاتها تحت عنوان 'حزب الله' يمارس الرقابة على آن فرانك في لبنان. نعم كان يكفي مثل هذا الريبورتاج لكي تقوم الدنيا ولا تقعد في العالم، على لبنان ومقاومته وإعلامه وحتى مؤسساته التعليمية! الطريف والمفجع أن موقع قناة 'المنار' الإلكتروني في تفريغه الحرفي لمضمون الريبورتاج أغفل خطأ فادحا وقع فيه الصحافي معد التقرير عندما قال متباهيا بكشفه وهو يحمل الكتاب المدرسي بيده ويعرض صفحاته على جمهور المشاهدين، الآتي: 'هذا هو الكتاب الذي يدرس في المدارس في بيروت ويتكلم عن ذكريات فتاة إسرائيلية خلال الحرب العالمية الثانية'!! هذا الصحافي، إما أنه لا يعرف أنه إبّان فترة كتابة آن فرانك ذكرياتها اليومية بين العامين 1942 و 1944، لم يكن هناك بعد في العالم دولة اسمها إسرائيل، وهذه مصيبة! أو أنه يعرف ولكن تسرعه في إعداد التقرير جعله يرتكب مثل هذه الهفوة، وهذه مصيبة أكبر. المهم ان هذا الريبورتاج وامور اخرى من مستواه جعلت هذه القناة التلفزيونية، كبش فداء سهلا، لكل من يريد أن يتصيد في الماء العكر، ويربط بين العداء للسامية وجرائمها في أوروبا والمقاومة في لبنان. وإلا فكيف نبرر احتجاج هذا الصحافي على ظهور نجمة داود في الكتاب، وهي النجمة التي أجبر النازيون اليهود على وضعها على صدورهم كعلامة فارقة ووردت بهذا الشكل على صفحات الكتاب المدرسي؟! لم يكن ينقص هذا الريبورتاج ليأخذ طابعا شبه رسمي سوى إستضافة النائب عن 'حزب الله' حسين الحاج حسن الذي لم يعترف لقصة آن فرانك بحقها في أن توصف بمأساة عندما قال: 'لا احد يدرس كتابا في المدارس اللبنانية من دون الاطلاع على المضمون. فبدل ان تدرس هذه المدارس العريقة والمحترمة ما أسمته، بين هلالين، مأساة هذه الفتاة، تخجل هذه المدارس من أن تدرس مأساة الشعب الفلسطيني او مأساة الشعب اللبناني وتاريخ المقاومة وتاريخ مقاومة لبنان ومعاناة اهل الجنوب واهل لبنان من الاحتلال الصهيوني'. والحقيقة أن النائب حسين الحاج حسن ما كان سيبخل بصفة 'المأساة' على قصة آن فرانك، لو كانت أتيحت له الفرصة خلال مراحل تعليمه المدرسي أن يطلع على حقيقة مأساة الفتاة الألمانية اليهودية ويقرأ مذكراتها ويعرف كيف اختبأت مع عائلتها في باحة داخلية من منزل بالعاصمة الهولندية أمستردام لمدة 25 شهرا كتبت فيها يومياتها قبل أن تكتشفهم الشرطة النازية وتفرق الطفلتين آن فرانك وأختها عن أبويهما وتنقل الجميع إلى معسكرات الإعتقال النازية حيث لم ينجُ من العائلة سوى رب الأسرة. لا بل إن النائب الحاج حسن، ما كان سينزلق إلى هذه المقارنة التفاضلية بين مأساة آن فرانك ومأساتي الشعبين اللبناني والفلسطيني، لو كان يدرك ليس فقط كيف أصبحت يوميات آن فرانك في نظر شريحة واسعة من الرأي العام العالمي، صوت وضمير كل من قضوا في معسكرات الإعتقال النازية. ولكن كيف حاولت الدعاية الصهيونية أن تحتكر هذه اليوميات لمصلحتها وتوظفها في تبرير إنشاء دولة إسرائيل كوطن قومي لليهود من ضحايا الهولوكست؟ الحقيقة أن النائب الحاج حسن لو تمعّن قليلا في التاريخ القريب، لكان تذكر كيف احتجت المنظمات الصهيونية العالمية والهولندية على الزيارة التي قام بها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في العام 1996 لمتحف آن فرانك في العاصمة الهولندية، تعبيرا منه عن الاحترام لمأساة اليهود في الحرب العالمية الثانية، كما قال، ومنعا لأي إلتباس بين معاداة السامية ومعركة الفلسطينيين العادلة. نعم لو كان النائب الحاج حسن يتمعن قليلا في حقيقة معسكرات الاعتقال النازية والمكانة التي تحتلها هذه الجريمة الكبرى بحق الإنسانية في الضمير الجمعي الأوروبي، والصراع المرير والصعب الذي تقوم به بعض القوى التقدمية الأوروبية لمنع إسرائيل من احتكار النطق باسم ضحايا الهولوكوست، والتأكيد على أن الفلسطينيين هم في النهاية ضحايا الضحايا، لكان قارن بين مأساة آن فرانك وضحايا الهولوكوست من جهة مآساتي الشعبين الفلسطيني واللبناني من جهة أخرى، بشكل تكاملي لا تفاضلي! ويا ليته سمع قبل أن يعقد مقارنته المؤسفة، بالضجة التي اندلعت في هولندا العام الماضي عندما قامت دار النشر 'بوم رانغ' المتخصصة بنشر بطاقات بريدية توزع مجانا في الجامعات، ودور السينما، والمقاهي، بطباعة بطاقة لآن فرانك، التي تعتبر لدى الكثيرين في أوربا رمز المعاناة اليهودية على أيدي النازيين، وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية الحمراء، رمز النضال الفلسطيني. لقد أثارت هذه البطاقة البريدية ضجة كبرى في هولندا، واعترضه العديد من المنظمات اليهودية بشدة على نشر البطاقة وطلبت عبثا من دار النشر سحبها من التداول. حتى أن هاري كنيه تال، السفير الإسرائيلي في هولندا، تدخل في الموضوع وأبدى انزعاجه الشديد قائلاً 'كانت آن فرانك أيقونة في التاريخ الهولندي وقتلت بسبب كونها يهودية. أساء الفنان استخدام هذه الأيقونة واستعملها في شرح صراع سياسي مختلف تماماً بين الفلسطينيين والإسرائيليين. هذا أمر مخزٍ، و ليس بإمكاني أن اعبر عن الصورة بكلمات أخرى'. هذا الجانب المخزي هو ما قامت 'الاونيسكو' مشكورة هذا العام بالتأكيد عليه عندما أضافت محفوظات الصور والأفلام الخاصة باللاجئين الفلسطينيين التابعة لوكالة 'الأونروا' إلى جانب يوميات آن فرانك باريس إلى سجل 'الاونيسكو' لذاكرة العالم. وهذا الجانب المخزي برأي السفير الإسرائيلي، هو ما كان يتوجب على النائب حسين الحاج حسن وقناة 'المنار' الإيغال فيه، ليس فقط بالمقارنة التكاملية بين عذابات آن فرانك وعذابات أطفال قانا وجنين وغزة، ولكن بتشجيع أطفالنا من خلال مناهج التعليم أن يحذوا حذو آن فرانك ويسجلوا بصدق وشفافية معاناتهم في دفاترهم اليومية. عندها سيكون من الصعب على ما يسمى جيش الدفاع الإسرائيلي أن يحول إجسادهم أشلاء مدماة تعرضها قنواتنا الفضائية من دون أن يكون لها اسم يُسمى وقصة تُروى وصوت يتكلم وضمير يسأل العالم. ولكي يزداد الطين بله، لم يكن ينقص هذا السجال الذي أخذ أبعاداً دولية واسعة النطاق، إلا أن يستكمل داخليا. فالنائب الشاب سامي الجميل في برنامج 'نهاركم سعيد' على قناة 'ال بي سي' لم يترك فرصة ريبورتاج قناة 'المنار' تفوته من دون أن لا يقدم نفسه ليس فقط مدافعا عن حق الرأي وحرية التعليم والحق في تدريس يوميات آن فرانك في المدراس اللبنانية، بل ليطالب تحت مسمى اللامركزية أن تقوم كل منطقة في لبنان بتدريس تاريخها الخاص إلى جانب التاريخ اللبناني العام. منطق المساواة لدى الجميل بين الطوائف في لبنان وفقا لعباراته يجب أن يكون على الشكل الآتي: 'أنا برجع لمنطق المساواة اذا كان حزب الله بدو يسيطر على منهج بمدرسة الآي سي يحق لنا نحنا كمان أن نطّلع على مناهج التربوية التي يعلمها هو في مدارسه.'ولم يكتفِ الجميل الشاب بذلك، بل طالب لحزبه بوزارة التربية، لأن 'كتاب التاريخ هو من أوليات الحزب الذي يعتبر أن هذا الموضوع لا بد من أن يخضع لورشة كبيرة يتم على أساسها كتابة التاريخ اللبناني بشكل ينصف الجميع ويحترم تضحياتهم في سبيل لبنان'. ويضيف الجميل الابن: 'نحن نعترف بشهدائه ونطلب منه الاعتراف بشهدائنا أيضاً ولا نطالب سوى بالمساواة في ما بيننا تحت مظلة الدستور اللبناني'. أما إذا لم يحترم الطرف الآخر شهداء حزب الكتائب فإن الجميل يهدد بإعادة النظر في تركيبة البلد كلها ويقول: 'قدمنا تضحيات لهذا البلد ونستحق الاحترام من الطرف الآخر أيا كان. فإذا كان الفريق الآخر لا يعترف بنا، عندها لننظر في تركيبة هذا البلد'. في ظل هذا السجال لا يبقى لنا إلا أن نتخيل كيف سيكتب تاريخ هذا البلد بين من يرى في ورود يوميات آن فرانك في كتاب تاريخ مدرسي، تمهيدا للتطبيع وإبقاء 'للساحة التربوية في لبنان مشرعة لغزو الثقافي الصهيوني'، ومن يريد حقيبة وزارة التربية لأجل إعادة كتابة تاريخ لبنان. ألم يصرح سامي الجميل عند انتخابه للندوة النيابية بالآتي: 'سأدخل مع شهدائنا كلهم، مع شهدائنا في تل الزعتر وحرب المئة يوم، لن نتركهم خارج مجلس النواب بل سندخلهم معنا وسنقول الحقيقة ولن نسكت وسأكون ضميركم وهويتكم وتاريخكم داخل مجلس النواب.' وها هو اليوم يحاول أن يفعل ما يقول ليس فقط في مجلس النواب ولكن في وزارة التربية! نعم إنها إعادة كتابة تاريخ لبنان بين من يريد إقحام معاداة السامية في صلب هذا التاريخ ومن لم يتعلم من الماضي شيئا ولا يزال يفتخر بمجزرة 'تل الزعتر' التي هي في نظر القوانين الدولية جريمة ضد الإنسانية، ويعتبرها حسب قوله 'صفحة ذهبية' في تاريخ المقاومة اللبنانية.
- 'المستقبل'
إيران / باكستان بوادر الحرب المذهبية الشاملة؟
ميشال كيلو:
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي مباشرة، فتشت دوائر أميركية عن عدو بديل، فوقع اختيارها على الإسلام، وابتدعت حاملا فكريا للمعركة معه أسمته 'نظرية صراع الحضارات'. وقيل يومئذ إن المواجهة بين الغرب والإسلام حتمية، فالأخير خصم تاريخي لنمط الحضارة اليهودي / المسيحي، الذي يقوم عليه الغرب، وهو، في بنيته التكوينية العميقة كما في محدداته العقلية، اللاعقلانية، عدو لأي توجه ليبرالي أو فلسفة إنسانية. لذلك، من الضروري كسبه أو تحييده في المعركة الدائرة بين الشمال الغني والجنوب الفقير، وبين الغرب اليهودي / المسيحي والشرق الشنتوي / البوذي / الكونفوشيوسي، أو كسره، إن هو اختار الانحياز إلى الجنوب في المعركة الأولى، أو إلى الشرق في الثانية. بهذه الحاضنة الفكرية / الاستراتيجية، كان من الضروري تشخيص بعض الوقائع والملامح العامة للمعركة القادمة، فقيل بوجود احتمالين: احتمال أول هو أن تشن المعركة ضد جميع فرق ومذاهب الإسلام، بحجة أنها تشترك في موقف فكري معاد للحداثة، وموقف سياسي مناهض للغرب. واحتمال ثان هو أن تستغل تناقضات المذاهب والفرق الإسلامية، لإثارة حرب إسلامية عامة، حطبها خلافات الشيعة والسنة، الموجودة في كل مكان من دار الإسلام. بعد فترة من تبني الاحتمال الأول، ودخول المعركة ضد الإسلام من بوابته، أدرك الطرف الغربي بعامة والأميركي بخاصة أن ربح الحرب لن يكون أمرا سهلا أو سريعا. عندئذ، شرع ينقل مركز اهتمامه إلى الاحتمال الثاني، لاستخدام خلافات السنة والشيعة في إشعال حرب ضروس، تستند إلى حدة وشدة انقساماتهم المذهبية، وتأخرهم السياسي والفكري، الذي يجعلهم يرجحون تناقضاتهم على التناقضات بينهم وبين الغرب. في هذه الأثناء، كانت الثورة الإيرانية ترتكب غلطتين كبيرتين تجاوزت كل واحدة منهما خطا أحمر لم يكن جائزا الاقتراب منه، ذلك أنها: عملت لانتزاع قيادة العالم الإسلامي في معركته ضد الغرب، فبدا وكأنها تنقلب على تاريخ عمره ألف وخمسمائة عام تولت السنة خلاله حماية الإسلام وقيادته. وعملت لإزاحة الفكرة القومية العربية ولإفراغ العالم العربي من مركز ثقل يتكور حوله، وانحازت إلى منظمات معينة أمعنت في رعايتها وتسليحها، وغلّبت دورها على دور غيرها من تنظيمات المذاهب الإسلامية. أخطأت إيران، وبدا وكأنها تريد إزاحة السنة عن موقعهم ودورهم التاريخي، وأخطأت وبدا وكأنها تريد إزاحة العرب عن دورهم القيادي في الإسلام، فظهر في الحالة الأولى وكأنها تمارس سياسة مذهبية باسم عامة المسلمين، وفي الثانية وكأنها ترجح مصالحها القومية الضيقة (تجاه عربستان والجزر الثلاث والخليج العربي والعراق...) على مصلحة الإسلام والمسلمين، التي أخذت تماثلها مع مصالحها الخاصة. أفادت الولايات المتحدة من السياسات الإيرانية في المسألتين، دون أن تكون إيران راغبة في جعلها تفيد منهما، وذلك على مستويين هما: تعميق الانقسامات المذهبية بين المسلمين إلى حد أثار أحقادا قديمة ضارة وأحكاما مسبقة عدوانية، وتحريض العالم العربي على إيران كدولة تمارس سياسات توسع قومي باسم الإسلام، يفوق خطرها على العرب خطر إسرائيل، لكونها تشبهها في الأهداف وتتفوق عليها في القدرات والطاقات وسبل ووسائل اختراق الأوضاع العربية. بالتوتر الداخلي بين مذهبي المسلمين الرئيسيين، وبينها وبين العرب، وفرت إيران 'للغرب' الأجواء اللازمة لتحويل صراعه ضد الإسلام إلى صراع بين المسلمين، وظروف ملائمة لوضع العرب، مذهبيا وقوميا، في مواجهة شريكهم في الدين، الذي لم يدرك قادته فداحة الضرر الذي يمكن لسياستهم إلحاقه بالعالم الإسلامي، وصدقوا أنه يمكن كسب العرب عبر مبالغات ومزايدات كلامية ضد العدو الإسرائيلي، احتجزت بدورها الحاجة إلى إعادة نظر جدية في سياساتهم، خصوصاً بعد تورطهم في صراعات مذهبية في العراق وأفغانستان واليمن والصومال وإيران، وظهور تباشير حرب على حدودهم مع باكستان، إن نشبت (لا سمح الله) لن يبقى مسلم واحد في العالم خارج دائرة الذبح والقتل، وسيخرج العالم الإسلامي منها، بعد زمن طويل، مدمرا بيد أبنائه، بينما ستجلس أميركا في مقعد المتفرجين، لتلقي من حين لآخر مزيدا من الحطب في نارها، بعد أن ذاقت مرارة الحرب ضد المسلمين في أفغانستان والعراق، وأرعبتها سرعة انتشار كراهيتها في العالمين العربي والإسلامي، وأدركت أن جيشها عاجز عن خوض حرب رابحة ضد الإسلام، الذي أرعبتها قدراته التعبوية الهائلة كدين وكنمط حياة وعيش، للدنيا والآخرة. تتخلق أزمة جديدة بين إيران وباكستان. بينما يقوم جنرالات أميركا بزيارات متعاقبة إلى جمهوريات الاتحاد السوفييتي الإسلامية السابقة، ويعيدون تسليح وتدريب جيش إسرائيل، ويعززون وجود جيشهم في العالمين العربي والإسلامي، ويوسعون الحرب في أفغانستان، وتهدد الأزمة العراقية / السورية، إن هي تفاقمت وتوسعت (لا قدر الله)، بتحويل حرب العراق ضد الاحتلال إلى حرب أخوة يرجح أن تتحول إلى جزء من حرب عامة حدها الأول البحر الأبيض المتوسط والأخير الصين، هي، في حقيقتها حرب عالمية بمعنى الكلمة، وقودها العرب والمسلمون، ليس الغرب وأميركا طرفا مباشرا فيها، وإن تولى إدارتها. هل يجب التذكير، في هذا السياق، بأن الغرب كسب الحرب الباردة دون إطلاق رصاصة واحدة، وأن كسبها ترتب على حروب محلية كثيرة، خسر بعضها، أهمها حرب فيتنام؟. تتصاعد نذر حرب إسلامية شاملة يبرمجها الغرب، ويندفع إليها بحماسة تنظيم القاعدة وبعض قادة إيران ممن يظنون أنهم يقصّون وبر أميركا، وقد يكتشفون بعد فوات الأوان أنه تم جرهم إلى كمين جز فيه وبرهم ووبر العالم الإسلامي، من أقصاه إلى أدناه ولمئات كثيرة من السنين!. قال السيد علي خامنئي: إن أزمة إيران وباكستان تستهدف تعميق الانقسام السني / الشيعي. ليته يركز سياسة بلاده على إطفاء هذا الانقسام، وتقليص قدرة أميركا على استغلاله، ما دام فيه هلاك وهزيمة المسلمين: اليوم وغدا وفي كل حين!.
- 'الأخبار'
الكتائب في عنق الزجاجة
خالد صاغية:
حين عاد ميشال عون من المنفى ثمّ رفع شعار استعادة حقوق الطائفة المسيحيّة، قيل إنّ العماد يعيد حكاية بشير الجميّل، لكن متأخّراً قرابة ربع قرن. وحين تبيّن أنّ سائر القوى والطوائف مستعدّة للذهاب بوقاحة نحو تحالف إسلاميّ سُمّي رباعياً، قاد عون معركة شعبيّة اضطرّ حتّى البطريرك نصر اللّه صفير ألا يعانده فيها. ثبّت عون زعامته المسيحيّة، ثمّ انطلق يُتَكْتك على مهل. وحين لاحت الفرصة، وقّع التفاهم مع حزب اللّه. في لغة المحاصصة الطائفية، تمكّن عون من فرض حضور مسيحيّ وازن في النظام، عبر التحالف مع الحزب الشيعي الأقوى. لم يكن &laqascii117o;الثمن" زهيداً. تطلّب ذلك إعادة نظر في الخطاب العوني، وتدويراً لزوايا عدّة. كان ذلك ثمن التأخّر ربع قرن، وما شهده من تحوّلات.اليوم، يبدو سامي الجميّل كأنه يريد أن يعيد حكاية ميشال عون متأخّراً أربع سنوات على الأقلّ. سنوات قليلة من حيث عددها، لكنّ العودة إلى ما قبلها تتطلّب حرق أحصنة كثيرة، لا يبدو أنّ حزب الكتائب نفسه مستعدّ للتضحية بها.&laqascii117o;الحَرَد" الكتائبي بسبب حصّة الحزب في الحكومة لا يمكنه أن يُصرَف سياسياً، وإن أمكن صرفه في أماكن أخرى. فبالنسبة إلى سعد الحريري، حازت الحكومة رضى البطريرك خلال زيارة بكركي قبيل إعلان تشكيلة الحكومة. والبطريرك أعطى بركته منطلقاً من معادلة بسيطة: الخطر على المسيحيّين هو سلاح حزب اللّه. خيار المسيحيين هو الدولة. سعد الحريري هو الذي يرمز إلى مشروع بناء الدولة. أمّا المقاعد الوزارية ومن يجلس عليها، فمجرّد تفاصيل، ما دامت تراعي التوازن العددي الشكلي بين الطوائف الإسلامية والمسيحية.كان الكتائب قد سار، إضافة إلى القوات اللبنانية، إلى جانب هذا الخيار. وفي هذا الموقع، لا مكان للكتائب أو القوّات إلى جانب الحريري، بل خلفه. لا يقال هذا الكلام للتخفيف من أهمية عمل هذين الحزبين، أو للدلالة على سوء خيارهما، لكن لدعوتهما إلى تحمّل مسؤولية خيارهما الذي قد يكون صائباً أو خاطئاً. لكنّ ما ينبغي أن يدركاه هو أنّ الحريري الذي أهداهما مقاعد نيابية، لا يمكنه أن يستمرّ في القيام بدور &laqascii117o;بابا نويل"، وأنّ الحكومة بالنسبة إلى الحريري هي كالسلاح بالنسبة إلى حزب اللّه. يمكن أن تؤيّده كحليف، لا أن تشاركه فيه.في حزب الكتائب، يبدو سامي وحده من يدرك أنّه بات أسيراً في عنق الزجاجة.
- 'السفير'
حوار بين الجد والهزل على هامش مأساة اليمن: عندما تصير الدولة رجلاً فرداً
طلال سلمان:
في لقاء مع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، قبل سنوات، توجهت اليه بسؤال جاد أوحت به &laqascii117o;صلاحياته" المفتوحة على نواحي الحياة جميعاً في اليمن السعيد: ـ هل أنت الخليفة، أمير المؤمنين، الرئيس القائد، شيخ القبيلة، الملك، صاحب الزمان، الآمر الناهي، مالك القرار في كل الشؤون؟... ورد الرئيس الآتي بانقلاب عسكري من رتبة بسيطة في الجيش: أنا كل أولئك معاً! ضحك وضحكنا، لكنه كان ضحكاً مراً.. اليوم، واليمن تمور بالاضطرابات التي تهدد وحدة الدولة والشعب فيها، وتتمدد بالحرب الى جارتها السعودية، يصبح القلق مشروعاً على مصير هذا البلد العربي الذي أعادت الثورة على حكم الإمامة في 26 أيلول 1962 استيلاده كدولة، ثم تعززت هذه الدولة بالوحدة بين شماله وجنوبه، بعد تجربة حزينة وفاشلة، كلفت اليمنيين بحراً من دمائهم وخسارة فادحة في الزمن الذي يحتاجونه لكي يعودوا الى العصر. إن الدولة التي بنتها ثورتان: في شمالها ضد حكم الجاهلية وفي جنوبها ضد الاحتلال البريطاني، تبدو مهددة بالتفكك والتبعثر دويلات أو جهات أو مشيخات قبلية أو محميات تتقاسمها قوى أجنبية مع &laqascii117o;القاعدة" وأصوليات أخرى، مع كل ما ينجم عن هذا التفكك على محيط اليمن، وبالتحديد على السعودية التي تشدها الفوضى المسلحة الى التورط في حرب مفتوحة ضد قبائل وعشائر لم تعرف يوماً الحدود لتعترف بها، لأنها كانت عبر التاريخ تتجاوزها بالامتداد السابق على قيام الدول.
لقد تهاوت كل &laqascii117o;المؤسسات" التي استولدها الحاكم الفرد على عجل، فعجزت عن وقف الانهيار، بل لعل بناءها الهش والمصطنع قد أعاد الاعتبار الى الواقع الصلب للتكوين القبلي الذي تثبت الوقائع الميدانية انه أقوى من طائرات الميغ اليمنية، الروسية الصنع، أو الأف 16 السعودية الأميركية الصنع. على أن موضوعنا ليس حرب اليمن مع احتمال تمددها الى السعودية، وليس استجلاء أمر &laqascii117o;الحوثيين" من هم، وحقيقة ما أشيع عن تشيعهم أم ثباتهم على مذهبهم الزيدي، بل انه مصير جمهورية اليمن (التي كانت عربية فأمر الحاكم الفرد بشطب الهوية من الاسم لأمر لا يعرفه غيره!!). ان مصير اليمن، في هذه اللحظة، يرتبط بمصير رئيسها الفرد الذي تولى بنفسه بناء &laqascii117o;مؤسسات" الحكم عسكرية ومدنية، وكذلك &laqascii117o;المؤسسات الشعبية" فعهد بها الى أفراد عائلته وأصهاره وأبناء عشيرته و&laqascii117o;حلفائها" عموماً، فصار هو الدولة والدولة هو، وصارت سلامته شخصياً عنوان سلامة الدولة، فإن ضعف أو مرض أو أصابه العجز أو تعرض لأي حادث دخلت اليمن نفقاً مظلماً قد لا تخرج منه إلا مزقاً....