قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من صحف لبنانية صادرة الإثنين 16/11/2009

- 'السفير'
تطور تاريخي بطيء في الصراع؟ 
الياس سحاب:
...لقد ورط النظام العربي الرسمي نفسه، وورط معه المنطقة العربية بأسرها، في حالة إلغاء للإرادة السياسية العربية، ولروح مقاومة المخططات الخارجية الزاحفة الى المنطقة، سواء أكان شكل هذه المقاومة عسكرياً أم سياسياً ام دبلوماسياً ام اعلاميا ام ثقافيا، وقبع هذا النظام العربي العام في موقع سياسي جامد لا يتحرك، ولا يفعل سوى توهم ان يأتي حل الصراع، منحة وتعطفا وتنازلا من الحلف الاستراتيجي الاميركي ـ الصهيوني، اي من الطرف الآخر في الصراع.... يجب ان يكون المرء كامل السذاجة السياسية، حتى يقتنع بأن هدف إسرائيل في إطلاق عدوانها الشامل الكاسح على لبنان في صيف العام 2006، كان استرداد الجنديين اللذين اسرهما حزب الله، وذلك على الأقل بدليلين اثنين: ان الحرب توقفت، ولم تستعد اسرائيل جثث الجنديين الاسيرين الا بعد ذلك، وبالطريقة التي حددها الامين العام لحزب الله منذ البداية (التفاوض وتبادل الاسرى). ان وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة السيدة كوندوليسا رايس سارعت منذ الايام الاولى للعدوان الى الكشف العلني عن الهدف الحقيقي والمحرك الرئيسي للعدوان الاسرائيلي: &laqascii117o;استيلاد شرق اوسط جديد". كذلك، يجب ان يكون المرء كامل السذاجة السياسية، حتى يصدق ان سبب العدوان الاسرائيلي الوحشي على غزة (2008ـ2009)، كان مجرد الرد على بضعة صواريخ بدائية اطلقت على بلدات في جنوب اسرائيل. فبين العدوان على لبنان، والعدوان على غزة، اكتملت صورة الشرق الاوسط الجديد الذي كانت تبشر به السيدة رايس، انه شرق اوسط خال من اي نزعة عربية الى المقاومة، بغض النظر عن مدى اكتمال نضج هذه المقاومة. المهم خنق الرغبة في المقاومة، وعدم اعطاء هذه الرغبة اي فرصة، ولو محدودة، بالقدرة على الصمود، حتى لا يستفحل امر رغبة المقاومة هذه، فتلتحم بالوضع الشعبي العربي العام، الذي اثبت على مدى ثلاثة عقود، حتى في أقصى حالات جموده السياسي، عدم اقتناعه النهائي بمنطق الانظمة العربية الرسمية في مسيرة الصراع المفتوح. انه شرق اوسط جديد تتكامل فيه انهزامية الشعوب مع انهزامية الانظمة الرسمية. طبعا، في مقابل فشل خطة الشرق الاوسط الجديد الاميركية ـ الاسرائيلية هذه، لم يتحول الامر بالضرورة، فورا وآليا، الى ولادة الشرق الاوسط العربي المرجو والبديل. لكن التاريخ يفضل عادة السير بأبطأ سرعة ممكنة، ولا يغير نهجه هذا الا في المنعطفات الثورية الكبرى. لنلاحظ ايضاً ان فرص تحول مسيرة الصراع ليست مرهونة فقط بالفشل الواضح في كسر ارادة المقاومة (مهما كان مستوى هذه المقاومة)، بل هي مرهونة ايضاً بذلك الجنون المتصاعد المسيطر على قيادة الحركة الصهيونية في إسرائيل، والذي يصر ّخلافاً لرغبة السيد الاميركي، على استحالة تحول الكيان الصهيوني الى جزء طبيعي من هذه المنطقة من العالم، خاصة على صعيد شعوب المنطقة...


- 'السفير'
حسين فهمي في &laqascii117o;لماذا" ملكاً على عرش الشوفينية  
احمد بزون:
كان على الفنان حسين فهمي ألا يتحدث في السياسة، ولا في المسائل الحضارية، أو على الأقل كان عليه أن يهيئ نفسه لمثل تلك المواقف الحساسة، حتى لا يكون ارتجالياً وخبيثاً ووقحاً إلى هذه الدرجة، التي استسهل فيها شتيمة العرب كلهم في سبيل الدفاع عن موقف النظام المصري، أو لنقل في سبيل &laqascii117o;الدفاع عن مصر"، كما يقول. جاء ذلك في الحلقة السابعة من برنامج طوني خليفة &laqascii117o;لماذا"، التي عرضت على تلفزيون &laqascii117o;الجديد" مساء الجمعة الماضي. لم يفاجئنا حسين فهمي في عجرفته المعروفة، فملعقة الذهب لا تزال في فمه، لكنه فاجأنا، وهو الذي عارض التطبيع الثقافي مع إسرائيل، وأتى إلى لبنان لتحية المقاومة في وجه إسرائيل، أن يبدو مدافعاً عن تطبيع النظام مع إسرائيل، وبدا مرتبكاً عندما قال &laqascii117o;أنا طبعاً مع التطبيع"، ثم عاد وقال &laqascii117o;أنا مع تطبيع الدولة المصرية مع إسرائيل". الارتباك كان عنوان الحلقة، إذ قال فهمي إنه كان يريد أن يردّ على بوش، ويقول له &laqascii117o;إن كلمتك مستفزة ووقحة وفيها قلة أدب"، لأنه أهان العرب في الكلمة التي ألقاها في منتدى دافوس الذي عقد في شرم الشيخ، إلا أن فهمي لم يرد لأن أصدقاءه هدّؤوه... هذه المرة لم يجد فهمي من يهدئه فشتم العرب جميعاً، ثم لم يجد من يقول له الكلام نفسه الذي كبته في صدره ولم ينفخه في وجه بوش. هل مسألة خلية &laqascii117o;حزب الله" كافية لنفث كل هذا الحقد في وجه الجميع، أو لنقل هل مساعدة أهالي غزة المحاصرين بالجيشين الإسرائيلي والمصري أعمت بصره إلى هذه الدرجة، التي لم يعد يرى فيها العرب &laqascii117o;الصغار"، حتى إذا ما سأله خليفة عن اتهام النظام المصري بالتآمر على غزة انتفض، وقال: &laqascii117o;كلما كنت كبيراً حيهاجمك الصغار". طبعاً هذا ليس كلاماً في السياسة، إنه نوع من النكد، لكن الاستطراد كان الأعظم، وهو الذي يجعل المشاهدين العرب ينتفضون ويعركون آذانهم، وينتظرون من فهمي أن يعتذر، أو على الأقل يلحس موقفه كما فعل في الكلام على التطبيع، لكنه لم يفعل. وسط علامات العجرفة التي طفح بها وجه الرجل، سأله خليفة: &laqascii117o;من هم الكبار ومن هم الصغار في العالم العربي"، فردّ: &laqascii117o;الكبار مصر وحدها، أما الصغير فـ(ما يبانش)". ولم يكن &laqascii117o;مهضوماً" أبداً، بل على قدر من السماجة، عندما شبه الكبار بكلب ابنته والصغار بكلب زوجته، وعلى قدر كبير من الجهل عندما تابع شارحاً: &laqascii117o;الكبير فيه حضارة وثقل وشعب بيعتمد على حضارته". أما الصغار بقية العرب فلا حضارة لهم، ومن لديهم حضارة فلا تساوي حضارة مصر... إنها حجج حسين فهمي للتطلع إلى الشعوب العربية من على رأس الهرم. كأنه هو الفرعون الذي أمر ببناء الهرم منذ أيام، أو كأنه يظن أنه يستخدم الهيروغليفية لا العربية، أو كأن الفراعنة لم يموتوا بعد، وأن الزمن الحضاري لم ينقطع، ولم يتحول إلى مجرد ذاكرة جميلة، أو إلى آثار للبيع والسرقة والسياحة. لم ينتبه حسين فهمي ربما، أن المصريين والعرب واليونان والرومان والصينيين والهنود وأصحاب كل الحضارات العظيمة اليوم هم غيرهم في الأزمنة الغابرة، وأن ريشه الفرعوني لا يشبع الجائعين في مصر، ولا &laqascii117o;الغلابى" الذين يهرب أمامهم رغيف الخبز، ولا يحفّز المهاجرين المصريين، الموزعين على دنيا العرب من أجل عيش لائق، على التطلع بنظرة فوقية إلى أسيادهم في بلاد الشتات. كأن حسين فهمي نام مع أهل الكهف واستفاق على شاشة فرعونية، فلقن المشاهدين درساً في الحضارة لا يفقهه هو، ذلك أنه باللغة الهيروغليفية التي يجهلها، وبلهجة فوقية، يحاول فيها التعويض عن غياب الزمن الجميل الذي عاشه في السينما المصرية، أو ربما هي &laqascii117o;الكدعنة" التي لا تعترف بموت الحضارات ولا بمرور الزمن ولا بالعمر، &laqascii117o;الكدعنة" التي لا ترى الحياة إلا مبارزة يموت فيها الآخرون... هكذا أراد حسين فهمي إبادتنا جميعاً كي يبقى على عرش عنجهيته، الذي يعلو كلما خانه الإبداع.
صحيح أن العرب لا ينهضون بلا مصر، لكنهم يستطيعون أن يكونوا حاضرين بقوة عندما تغيب، وهم ينتظرون حتى يسقط المتعجرفون عن كراسي ملت كل هذا الفراغ، وينتظرون أن تعود مصر كبيرة بأفعالها، لا بقصور مبنية بكلام يلوّث الفضاء العربي، ولا بشوفينية حسين فهمي وسواه.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد